اقتصادصحيفة البعث

قرارات.. ومحاولات “الأواني المستطرقة”؟!

قسيم دحدل

ثمة أمر يدعو للاستغراب فعلاً مفاده كيفية توظيف البطاقة الاكترونية واستثمار تقنيتها بالشكل الأمثل، بحيث تكون فعلاً وسيلة عصرية لتقديم الخدمات، تحفظ حق المواطن وكرامته في الحصول على مستحقاته التموينية، وفي الآن معاً أداة تسهيل وانتظام وضبط توزيع المواد الاستهلاكية عامة، والمدعوم منها خاصة من خلال منافذ “السورية للتجارة”.

بالمعنى أعلاه تصبح “السورية للتجارة” أداة تدخل إيجابي فعلاً، ولكن حين نجد أن هناك استخدامات للبطاقة بعكس الهدف الذي وجِدَت من أجله، فلا شك أن هناك التباساً واضحاً في المسألة، وهنا نقصد المفارقة الصارخة في كيفية توظيف البطاقة وتحقيق هدفها!.

ما نشير إليه كشفته القرارات الأخيرة لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إذ يحق، وفقاً لتلك القرارات، لحامل البطاقة شراء مادة السكر بسعر مدعوم من نوافذ التدخل الإيجابي، مقارنة بأسعار القطاع الخاص، حيث وصل الفارق في السعر لـ 800 ليرة وأكثر في الكغ الواحد، وكذلك الأمر بالنسبة لمادة الشاي وسعر الكغ منه، حيث الفارق يصل لعدد من الآلاف، مع تسجيل ملاحظة (حول جودة الشاي) بين السوقين.

وتباعاً جاء قرار الوزير ببيع المياه المعدنية في جميع صالات “السورية” عبر البطاقة الالكترونية، دون الحاجة إلى تسجيل أو رسائل، وأيضاً بأسعار منافسة، وبكميات وزمن مدروسين بعناية وعدل، وحالياً هناك دراسة لبيع مادة الأرز كما السكر.

قرارات إذا ما استدام تطبيقها بالشكل الذي يتم فيه، وبالكميات والزمن المحددين، برأينا أنها تستحق الثناء، وتسجل لإدارة التجارة الداخلية، لأنها استطاعت أولاً التوظيف الأمثل للبطاقة، وتلبية احتياجات المستهلكين، خاصة شريحة مهدودي الدخل ثانياً، فاستحقت فعلاً نعت التدخل الإيجابي.

على الوجه النقيض والمؤسف، وجدنا بالتجربة أن قرار توزيع مادة مازوت التدفئة عبر البطاقة الالكترونية، وبتلك الآلية المتخلّفة دون مبالغة (من حضر وشاهد كيفية التوزيع يعلم ذلك)، يشي بسلوك خدمي شاذ يناقض التسهيل والتبسيط على المواطن في الحصول على مستحقه من المادة، ويدل على أن حليمة عادت لعادتها القديمة؟!.

واقع ما بين الإيجابي الحضاري، والسلبي المتخلّف حقيقة، أثار تساؤلات هامة ومحيرة، ومنها: على من يقع اللوم ومن المتهم فيما يتم من تناقض مؤسف؟!.

ظاهر الأمور يشير دون تردد إلى أن السر يكمن في القرار وليس في البطاقة، وهذة المسألة تدخلنا في التناقض الفاضح للقرارات ذاتها.

ففي قرارات السكر والشاي والمياه المعدنية، يكون التدخل صحيحاً وواقعياً في إيجابيته وأهدافه، حيث انخفضت الأسعار كثيراً، وتوفرت المواد، وتحقق العدل في التوزيع، والسهولة واليسر في الحصول عليها، بينما في المازوت العكس تماماً، إذ ارتفع سعر الـ 50 ليتراً من 25 ألفاً ليصل إلى 27 ألفاً بشكل مباشر (2000 إكرامية؟!)، وإلى نحو 35 ألفاً بشكل غير مباشر (أكثر من 8 آلاف أجرة نقل الـ 50 ليتراً، وهدر كمية منها بسبب أسلوب التعبئة الفوضوي)؟!.

وفي هذا الشأن، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يتم توزيع مادة المازوت كمادة الغاز، أي أن تكون “الكازيات” بمثابة المعتمدين في كل منطقة، ومدة الحصول على المادة 24 ساعة.. إلخ، أم أننا أمام قرارات يمكن توصيف إصدارها بطريقة “الأواني المستطرقة”؟.

طريقة، لا يبدو أن مرجعيات القرار المختلفة متناغمة فيما بينها، وهذا يدل على أننا أمام فكرين متناقضين: فكر يذهب باتجاه الاستثمار في القرار نفسه وبنتائجه الإيجابية المديدة، ويبني على الشيء مقتضاه، وفكر يتوجّه للاستثمار بسلبيات القرار ونتائجه بشكل مباشر ويكتفي بذلك!.

وكم كنا نأمل حتى في طريقة “الأواني المستطرقة” أن تكون هناك معادلة تبادلية صحيحة فيما نعده ونصدره من قرارات إيجابية وقرارات سلبية: (قرار مادة المازوت سلبي النتائج – قرار توزيع السكر والرز والشاي والزيت والمياه المعدنية إيجابي النتائج – قرار رفع أجور خدمات الأنترنت سلبي.. وهكذا دواليك)، تبادلية تستطيع تحقيق التوازن في تلك القرارات لتكون النتائج وسطاً واعتدالاً وعدلاً وضمن الممكن والمتاح.

بالمختصر المفيد، يمكننا القول: إن تعثرنا يرجع لأسبقية السلوك على التفكير، حيث من المعروف والمنطقي أن التفكير يسبق السلوك، وحينما يسبق الأول الثاني يكون الثاني في الأغلب سليماً، وحينما يسبق الثاني الأول يكون الثاني غير سليم في الغالب.

إن السلوك يكون سليماً حينما يتم اعتماد مناهج التفكير الصحيحة بعيداً عن مناهج التفكير المشوّهة التي تجعل السلوك مشوّهاً هو الآخر، وهنا تكمن مصيبة القرار.

Qassim1965@gmail.com