مجلة البعث الأسبوعية

بعد أن تجاوزت حاجز الـ 500 مليون ليرة.. ارتفاع أسعار العقارات تنتزع لقب “أم الفقراء” من محافظة حماة..!

“البعث الأسبوعية” ـ ـ ذكاء أسعد

لم تشفع صفة “أم الفقراء” لمحافظة حماة التي طالما تميزت بهذه الصفة نظراً لما كانت تشهده من توازن بين الأسعار والدخول، ولكن يبدو أن هذه المدينة الجميلة تخلت خلال الفترة الأخيرة عن ذاك اللقب المميز، بل وباتت تتفوق بأسعارها أحياناً على كثير من المدن السورية الأخرى، ويتبدى هذا الأمر واضحاً من خلال ما تشهده المدينة حالياً من ارتفاع قياسي بأسعار العقارات، مترافقا مع مضاعفة قيم إيجارات المنازل والمحال التجارية، ما جعل التفكير بشراء منزل أو محل تجاري أشبه بالحلم. وقد يكون الأمن الذي عاشته المدينة في الأزمة أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار العقارات نظراً للجوء الكثير من أهل الريف ومدينة إدلب إلى المدينة بسبب الأعمال الإرهابية التي دمرت كثيراً من أريافها، وبالتالي زيادة الطلب على البيوت والمحال، ما شكل بالمحصلة ضغطاً كبيراً على المدينة ورفع الأسعار بشكل جنوني.

 

الأرقام تتحدث

في جولة على بعض المكاتب العقارية في المحافظة لوحظ تفاوت بأسعار العقارات من منطقة لأخرى، وكذلك اختلاف في أسعار العقارات بين المدينة والريف، فقد ذكر أحد أصحاب المكاتب أن أسعار العقارات في المدينة تعتبر مرتفعة جداً قياساً بمستوى الدخل، إذ تتميز أحياء الشريعة، والبعث، والبرناوي، والمدينة، عن غيرها، حيث يصل سعر منزل بمساحة 100 متر على الهيكل لحوالي 300 مليون ليرة، ويتجاوز سعر المنزل الجاهز للسكن ذي الكسوة الجيد حاجز الـ 500 مليون.

أما بالنسبة لأحياء كرم الحوراني، وغرب المشتل، ومركز المدينة، فقد يتجاوز سعر منزل مساحته 100 متر على الهيكل الـ 200 مليون، والجاهز للسكن حوالى الـ 400 مليون، في حين أن الأسعار في أحياء القصور، وجنوب الملعب، والحاضر، وضاحية أبي الفداء، والعليليات، أقل من نظيراتها السابقة إذ يبلغ سعر منزل مساحته 100 متر على الهيكل حوالي 150 مليون، والجاهز قد يصل إلى 250 مليون.

أما بالنسبة للريف، فقد ذكر صاحب مكتب عقاري أن أسعار العقارات في الأرياف متفاوتة من منطقة لأخرى وليس هناك ضوابط أو معايير مستقرة إلى حد ما؛ وعلى سبيل المثال، قد يصل سعر منزل بمساحة 100 متر في مصياف على الهيكل لحوالي 70 مليون والجاهز للسكن يتجاوز الـ 150 مليون. وتتقارب أسعار سلمية مع أسعار مدينة مصياف؛ وكذلك الحال بالنسبة للسقيلبية، حيث بيعت بعض المنازل التي تعتبر ذات إكساء جيد وموقع مميز بحوالى 150 مليون، ما يعني أن أسعار العقارات في الأرياف تنخفض بشكل كبير لأسباب مختلفة، أهمها البعد عن المدينة وقلة الخدمات والأراضي الزراعية الخارجة عن المخطط التنظيمي.

ولفت أصحاب المكاتب العقارية إلى الارتفاع الكبير بإيجارات المنازل والمحال التجارية توازياً مع ارتفاع أسعار العقارات، فقد يصل إيجار منزل في محافظة حماه لحوالي 300 ألف ليرة سورية مع اختلافها في الريف من منطقة لأخرى، ومن شخص لآخر، لكنك لن تجد منزلا بأقل من 50 ألف ليرة سورية..!

 

أسباب

نائب رئيس مجلس مدينة حماه، مرهف حاج زين، بين لـ “البعث الأسبوعية” أن هنالك أسبابا متعددة لارتفاع أسعار العقارات في المدينة وأهمها ازدياد عدد الوافدين إليها، مما شكل ضغطاً سكانياً أدى لارتفاع كبير بأسعار المنازل والإيجارات، فضلاً عن ارتفاع أسعار مواد البناء من إسمنت وحديد ومواد إكساء بكافة أنواعها أضعاف ما كانت عليه قبل عام، بالتوازي مع ارتفاع أجور اليد العاملة من نجارة وبلاط وسباكة، مشيراً إلى أن هذه الأسباب حدت من حركة بناء جديدة في المدينة إضافة إلى ارتفاع سعر متر الأرض المعد للبناء، ولفت زين إلى أن الذين اشتروا العقارات بسعر مرتفع تمسكوا به ولا يمكنهم بيعه بسعر أقل، وأن ارتفاع أسعار العقارات ليس مقتصراً على المدينة، إنما أيضا في المناطق والأرياف ولكن بنسبة أقل.

 

رأي

يعتبر الكثيرون أن القانون الخاص بالبيوع العقارية، والقاضي باستيفاء الضريبة حسب القيمة التخمينية الرائجة للعقار، كان له تأثير كبير على حركة البيوع، خاصة وأنه يحظر على دوائر السجل العقاري وكتاب العدل وكل جهة مسؤولة عن تسجيل الحقوق العينية العقارية أن توثق أي حق عيني عقاري ما لم يبرز أصحاب العلاقة براءة الذمة من الدوائر المالية ذات العلاقة، إلى جانب اشتراط إيداع 5 ملايين ليرة سورية في أحد المصارف لتوثيق عقد العقار وإصدار وزارة المالية قرارها، في حزيران 2021، باعتبار أن عملية “النكول”، أي الرجوع عن البيع بمثابة عملية بيع واجبة التكليف بضريبة البيوع العقارية.

 

ورأي آخر

في المقابل، يؤكد العديد من الحقوقيين الذين التقتهم “البعث الأسبوعية” أن تأثير هذا القانون كان محدوداً جداً؛ وفي الوقت الذي يعتبرونه منظماً لعمليات البيوع، لم ينكروا سلبياته، حيث رأى بعضهم أن هناك مشكلات كبيرة في آلية تنفيذ القانون، فكثيراً ما يتم اعتماد تخمين بعض العقارات بأعلى مما هي عليه قيمتها الرائجة، والكثير من موظفي المالية يخطئون بحساب الضريبة وبأرقام ليست بالقليلة فيدفع البعض ضرائب بالملايين لا يعرفون كيف تم تقديرها وحسابها، إضافة إلى عدم وجود كوادر مؤهلة للتعامل مع القانون الجديد كونه يحتاج لخبرة كبيرة بالعمل على الحاسوب.

 

جمود

مما لاشك فيه أن ارتفاع أسعار العقارات بهذا الشكل أدى لجمود حركة السوق، حيث أكد مدير المصرف العقاري في حماه، أدمون حنا، أن القرارات الأخيرة والضرائب المفروضة على حركة نقل ملكية العقارات أثرت بشكل كبير على أسعار العقارات وقللت عمليات البيوع، كما انعكست على عدد القروض كقروض الشراء والإكمال المطلوبة لدى المصرف، إضافة إلى شكوى المقترضين من عدم توفر مبلغ الـ 5 ملايين المطلوب تحويلها إلى البائع لإتمام عملية نقل الملكية، كما أن الفجوة الكبيرة بين سعر العقار والدخل المحدود للمواطن أدت إلى عدم إمكانية التفكير بالحصول على مسكن وكأنه أصبح حلما غير قابل للتحقق، وقد تكون الحلول المفروضة باستئجار عقار شكلت ضغطاً على سوق الإيجارات أيضا، وانعكس ذلك على ارتفاع قيم الإيجارات بشكل كبير.

في سياق حديثه عن القروض العقارية، أشار حنا أن المصرف يمنح قروضا للإنشاء أو للشراء، أو للشراء والإكساء، بسقف 50 مليون ليرة لمدة 5 سنوات، بنسبة فائدة 10.5 – 11% لمدة عشر سنوات، و11.5% لمدة 15 سنة، كما يمنح قروضا للإكمال بسقف 20 مليون وبنسبة 10.5% لمدة 5 سنوات، و11% لمدة عشر سنوات، أما بالنسبة لقروض الإكساء فلا تتجاوز الـ 25 مليون لمدة 15 عاماً كحد أقصى، على أن يتم التقدم بدخل لا تتجاوز نسبة القسط فيه 40%.

وأضاف حنا أنه بإمكان المقترض التقدم بدخل مهن علمية (طبيب، صيدلاني) أو تجاري أو صناعي، إضافة للدخل المحدود لاستكمال القرض، كذلك بإمكان الجمعيات السكنية التقدم بطلبات القروض ضمن الشروط الخاصة بها.

 

روتين

جابر القاسم عضو مجلس محافظة حماه أكد أن روتين المعاملات من ضرائب وتعقيدات أثر بشكل سلبي على حركة، البيع كما أن مشاكل النقل التجاري، وارتفاع أسعار المواد الأولية، وهبوط قيمة العملة المحلية لعب الدور الأبرز في ارتفاع الأسعار.

 

إشكاليات

ثمة إشكاليات كبيرة أدت إلى انخفاض كبير بعدد المعاملات العقارية مؤخرا، منها انقطاع الكهرباء لمدة زمنية طويلة جدا، وعدم توفر مادة المازوت لتشغيل المولدات، وضعف شبكة الانترنت، فعوضاً عن تخفيف العبء عن المواطن، أدت هذه العوامل إلى التأخر الكبير بإنجاز هذه المعاملات، كما لفت عدد من المحامين إلى مشكلة الموافقات الأمنية في محافظة حماة إذ أن هذه الموافقات قد تتأخر لأكثر من شهر أو اثنين، بينما لا تتجاوز مدتها القانونية ثلاثة أشهر مما يضطر الكثيرين لطلب موافقات جديدة وذلك لانتهاء مدة صلاحية الموافقة القديمة، وعدم استكمال المعاملة في المدة المحددة.

 

أخيراً

من الواضح أن مدينة حماه تعاني ومنذ سنين ضغطا سكانيا كبيرا وهذا ما أدى إلى تفاقم أزمة السكن وارتفاع أسعار المنازل والمحال التجارية. ويبدو جليا أن الحل – برأي الكثير من الخبراء – يكمن بتضافر كافة الجهود الحكومية لإعادة إعمار الريف الذي دمرته العصابات الإرهابية المسلحة وإعادة تأهيل كافة المؤسسات الخدمية وتحسين الواقع الخدمي بشكل عام ما سيؤدي لاحقا لعودة الكثيرين إلى قراهم وبلداتهم، وينعكس بشكل إيجابي على المدينة كما أنه سيعيد للريف ألقه.