دراساتصحيفة البعث

انحدار الغرب في استمرار

ترجمة وإعداد: عناية ناصر

ما حدث في أفغانستان في آب الماضي صدم العالم مرتين: سيطرة طالبان السريع على البلاد، وانسحاب الولايات المتحدة الفوضوي. وأثبت كلا الحدثين فشل الولايات المتحدة، حيث لم يعد بإمكان البلاد تحمل الحرب في أفغانستان، ولم يكن لديها خيار سوى صنع السلام مع طالبان. وقد أدى هذا إلى إطلاق لعبة “دومينو” لا يمكن تصورها.

إن تراجع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ليس موضوعاً جديداً، فبعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008، والبريكست، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً، وانسحاب بايدن من أفغانستان أظهر الغرب أمراً واحداً مشتركاً، وهو إنه مستعد للتخلي عن المسؤولية، وما حدث في أفغانستان يؤكد ذلك. لقد أدارت المملكة المتحدة ظهرها للاتحاد الأوروبي المضطرب لتدافع عن نفسها، كما أدار ترامب ظهره للعالم من خلال الانسحاب من المعاهدات الدولية لدعم شعاره “أمريكا أولاً”، أو حتى “الولايات المتحدة فقط”. كما تخلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل قاطع عن أفغانستان من خلال الإصرار على الانسحاب.

وحتى وسط تفشي وباء كوفيد-19، سارع الغرب للحصول على لقاحات في مرحلة مبكرة من خلال الاستفادة من مزاياه المالية. وفي وقت لاحق، سارع إلى تخزين اللقاحات، وتم اكتشاف أن بعضهم قد اعترض بشكل غير قانوني على اللقاحات التي كان من المقرر نقلها إلى دول ثالثة.

أثناء انهياره، أثار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قلق العالم من خلال التخلي عن مسؤوليته. والأهم من ذلك أنه كان أيضاً غير راغب في تقاسم المسؤولية مع عدد كبير من البلدان النامية في أنانية مطلقة. أكثر من ذلك، فرض قيوداً على البلدان الناشئة عالية الأداء.

“هواوي” الصينية هي مثال نموذجي على ذلك، حيث قامت حكومة الولايات المتحدة بمحاربتها بلا مبرر، وهذا الأمر ينتهك بشكل خطير مبادئ السوق وأحكام القانون التي يدعيها الغرب على نطاق واسع. إن حملة الولايات المتحدة على “هواوي” ما هي إلاّ هجوم على صناعة التكنولوجيا في الصين. لقد أدت محاولتها لابتزاز الدول النامية وتقسيمها لخوفها من لعبة جيوسياسية مع الصين إلى زعزعة استقرار النظام العالمي وتهديد السلام العالمي أيضاً. على سبيل المثال، يشهد العالم تواجد الولايات المتحدة بنشاط في بحر الصين الجنوبي، وهي توددت إلى الدول المجاورة للصين، لكن الجميع يعلم أن تحرك الولايات المتحدة كان يهدف فقط إلى خدمة مصالحها الخاصة، وهي ستتخلى عن المنطقة إذا لزم الأمر، تماماً كما فعلت في أفغانستان.

إن النظام الدولي الحالي الذي يهيمن عليه الغرب لا يمكن تحمله مع استمرار تحرك الغرب لإلقاء عبء المسؤولية على الآخرين، ورفضه تقاسم الأعباء مع الدول النامية. لذلك، يحتاج العالم إلى بعض الاستعدادات. أول شيء بالنسبة للدول النامية هو التخلي عن وهم الغرب، وإنها بحاجة إلى تطوير وتحسين القدرة على حل المشكلات اعتماداً على الذات، إذ تتمتع دول العالم الثالث بموارد طبيعية غنية وسكان شباب وقوى عاملة وفيرة.

من الممكن تماماً أن تصنع معجزة اقتصادية جديدة إذا استطاعت أن تجد مساراً تنموياً مناسباً لظروفهم الخاصة. لقد واجهت الصين صعوبات هائلة في بداية الإصلاح والانفتاح، من حيث الاقتصاد، وعدد سكان ضخم واقتصاد مخطط، لكنها أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال أربعة عقود فقط من خلال التنمية السلمية.

وإذا استطاعت الصين أن تفعل ذلك فإنه يمكن للدول الأخرى أن تفعل ذلك أيضاً. ثانياً، يتعين على الدول النامية أن تتكاتف لمواجهة التحديات التي يحدثها انحدار الغرب. هي بحاجة إلى حث الغرب على التوقف عن محاولة التخلي عن المسؤولية، ورفض تقاسم الأعباء، وتدمير وحدة الدول النامية، وبهذه الطريقة فقط يمكن للعالم أن يحول بشكل فعال النظام الدولي القديم إلى نظام سلمي وآمن قدر الإمكان.