ثقافةصحيفة البعث

د. حسن حميد: مهمتي أن أولد كلمات من اللغة

د. حسن حميد الحائز على جائزة نجيب محفوظ والطيب الصالح وحنا مينه وسعاد الصباح، والذي حقّق شهرة على امتداد الوطن العربي وكتب لفلسطين وسورية والحب، حاوره الإعلامي ملهم الصالح في جلسة إصدار في مركز ثقافي كفرسوسة، وقد شغلت روايته “الجرجماني” الصادرة عن دار دلمون الجديدة الحيّز الأكبر من الجلسة، ولاسيما أنها مختلفة عن رواياته السابقة من حيث المضمون وإن اتبع فيها أيضاً صيغة الرسائل، ليتجاوز من خلالها – كما ذكر – رواية “مدينة الله” التي تجاوزت بدورها رواية “جسر بنات يعقوب”، إضافة إلى إشكاليات أخرى لا تخلو من شجن، منها قلة الحضور لهذه الجلسة الإبداعية.

البداية كانت من الخيمة، الكتاب الذي تعلّم منه حسن حميد الحياة والصبر الشديد، وبسؤال الصالح لحميد الذي يكتب الأدب الثوري ويتناول المسكوت عنه: لمن تكتب؟

أكتب لفلسطين ولسورية التي ربتني، لكل المحيطين بي لكل البسطاء من أجيال مختلفة، للجمهور الذي يقرأ، لكثيرين يقرؤون ولا يبوحون بذلك، أكتب لهؤلاء الناس الذين ما زالوا يعشقون فلسطين ضمن الرواية التي تجمع بين الوصف والحب والغزل والسياسة والعلاقات والإنسانيات.

ألا تغار من حسن سامي اليوسف وغسان كنفاني وغيرهما لأن الدراما والسينما ساعدتهما على نشر أعمالهما؟

عشرات المخرجين وكتّاب السيناريو زاروني لتحويل روايتي “جسر بنات يعقوب” إلى فيلم، ولاسيما أن الرواية كُتبت على شكل سيناريو مفصل من حيث الزمن والمكان والشخصيات والبداية والنهاية والمشاهد مرسومة وفق “الديكوباج”، لكن لم يتحقق شيء، وكذلك روايتي “مدينة الله”، وتوجد لي خيبات مع السينما والتلفزيون، إذ قدمت للمؤسسة العامة للسينما سيناريو فيلم “زهر الرمان” والعنوان يحمل دلالة، فشجرة الرمان تزهر لكن ليس كل زهرها يتحوّل إلى ثمر، فوجئت بالعرض الأول بأن المخرج غسان شميط عدّل بالنص وغيّر الاسم إلى “الطحين الأسود”، والصدمة كانت بأن اسمي كان في آخر الأسماء “فكرة وحوارا وسيناريو” بالتعاون مع حسن حميد. كما اشتغلت بالتلفزيون مع رويدا الجراح مسلسل “تحولات امرأة” ولم تخلُ من خلافات.

المدنية والبرية 

وكما أوضح حسن حميد، فإن كلمة “الجرجماني” ليست من اللغة العربية، بل أوجدها من نحت كلمتين: الجرجم تعني الهدام أو المخرب، وتمضي الرواية بصوت السارد الراوي الأحداث من خلال رسائل الجرجماني الطاغية إلى درجة الرعب.

أنا لا أخفي تأثري بألف ليلة وليلة، إلا أنني قلبت الصورة، فليست شهرزاد التي تحكي عن شهريار، وإنما شهريار نفسه يسرد لقرين أو صديق عن قباحاته التي لا يراها ويعترف له في رسائله عن قتله الشخصيات، هذا الطاغية المريض بالشيزوفرينيا مرات يحكي عن الحب إلى درجة يتمنّى القارئ أن يعيش لحظة من لحظات هذا الحب، وبعض المرات يكون قاسياً لدرجة مرعبة، هذا اللعب الفني الذي يقوم به الأديب، أنا لا أهاجم المدنية بل أهاجم الزيف وأنتصر للقيم، أردتُ من خلالها أن أتجاوز روايتي “مدينة الله” برواية مغايرة، ومن سيقرؤها سيجد اللغة وشواغل الإبداع أو الكتابة داخل هذه الرواية.

المعادلات الحاضرة والغائبة

وعقّب الصالح باستفسارات عدة استشفها: استحضارك المعادلات الرومانسية من عناصر الطبيعة التي استخدمتها في رواياتك السابقة بصور مختلفة؟ الآن الكتابة تحتاج إلى معادلات أخرى، إذ تغيب الأغنية والتشكيل والدراما والتكنولوجيا والفنون؟ وهناك تقارب ما بين بطل الرواية وبطل المسلسل السوري “قيد مجهول” الذي يعاني من مرض اضطراب الهوية التفارقي؟

الموضوعات كلها موجودة منذ زمن بعيد، الظالم والمظلوم، الجلاد والضحية، القبح والجمال، الحب والكره، الإبداع كيف تكتب؟ الجرجماني شخصية فقيرة من الريف ذاق مرارة الفقر والجوع قيّضت له الأمور ليصبح في منصب عالٍ، لم ينبهر بالزخرفة والشكليات، وكل حياة الرفاهية التي يعيشها لم تجعله ينسى طفولته في البرية، فذهب إلى هناك يتنفس عطر النرجس ويتمدّد على العشب ويؤنس المهر ويعشق نساء البرية، هذا المكان دون زيف، ودون بهرجة.

غسان كنفاني

المفاجأة في حديث حميد اعترافه بأنه لا ينافس خالد أبو خالد أو رشاد أبو شاور وغيرهما لأنه ينافس غسان كنفاني الذي وصفه بالمعجزة، وبأنه ما زال يتفوق عليه وهو في عالم آخر. ورغم أن أعماله ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والأرمنية والفارسية إلا أنه مستهدف فكتبه ترفض في فرنسا والخليج لأنها تتناول القضية الفلسطينية واليهود.

سُبقت الجلسة بفيلم توثيقي وتسجيلي في آن واحد جسّد مسيرة حسن حميد وقصة إبداعه التي تجاوزت أربعين عاماً.

ملده شويكاني