تحقيقاتصحيفة البعث

مخاوف غير مبررة يكشفها اقتصاد الندرة و”ذكاء الغذاء والماء” مشروع يواجه الاحتكار والتلاعب بالموارد

مازال معظم السوريين يستهجنون فكرة البطاقة الذكية، ويثيرون الجدل حول انعكاساتها على الواقع المعيشي، بل ويعتقد بعض المواطنين أنها سببت إشكاليات كبيرة في طريقة الحصول على المواد الأولية وتأمينها لدرجة أنهم نسجوا حولها النكات والحكايات المضحكة كتوزيع الهواء والماء عبر البطاقة الذكية التي تحوّلت إلى واقع حقيقي، حيث أدرج الماء في قائمة البطاقة، وأصبح توزيعه عن طريقها واقعاً لا مفر منه، وهذا ما أثار هواجس ومخاوف المواطن بكلمة: “لوين رايحين”، معتبرين أن هذه الخطوة دليل عجز حقيقي في موارد الدولة، وأنها مؤشر خطير لمرحلة قادمة سنكون مقبلين عليها، ولكن تعتبر ردة فعل طبيعية نتيجة جهل وعدم معرفة الغايات المرجوة من هذه الإجراءات، رغم تصريح العديد من المسؤولين حولها، وتوضيحها عبر منابر الإعلام الوطني، حيث مازال العديد من المواطنين غير متقبّلين للفكرة، ويربطونها بقلة الحيلة ونقص المواد لدينا!.

منع الاحتكار

لا شك أنه قبل صدور قرار إدراج المياه المعدنية في قائمة البطاقة الذكية، كانت هناك عدة مظاهر تشير إلى حالة الاحتكار غير المسبوقة للمياه، والتلاعب بأسعارها والتحكم بها، حيث وصلت العبوة الواحدة إلى أكثر من 3000 ليرة سورية، بالإضافة إلى وجود كميات كبيرة مجهولة المصدر، ما دفع الجهات المعنية لأخذ القرار في ضبط هذه السلعة وإدراجها ضمن مواد البطاقة الذكية، معاون المدير العام للسورية للتجارة إلياس ماشطة كشف لـ “البعث” عن فقدان السوق لكميات كبيرة من المياه المعدنية وعدم توفرها نتيجة احتكار التجار لهذه المادة والتلاعب بأسعارها، من هنا كان لابد من ضبط السوق، والتنبه لحالات الغش والتزوير الحاصل في هذه المادة، والخطوة التي قامت بها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لها أثر كبير في إعادة تنظيم توزيع المياه المعدنية ومراقبة المنتجات المزورة، فهناك فقط أربعة معامل منتجة للمياه المعدنية: “بقين والسن والدريكيش والفيجة”، سيتم تسويقها عبر التدخل الإيجابي كي لا يتم سحبها من السوق بكميات كبيرة واحتكارها، ويصبح من السهل جداً كشف المنتجات المزورة ومصادرتها.

عدالة التوزيع

ضبط عمليات الجملة لتوزيع المياه المعدنية هو السبب الأساسي والرئيسي للإجراءات التي تم اتخاذها من وزارة التجارة وحماية المستهلك، والمقصود هنا الكميات التي توزع على المنشآت السياحية والفنادق والمطاعم والمشافي وغيرها، حيث سيتم توزيعها ضمن سيارات السورية للتجارة عبر البطاقة الذكية، ويضيف ماشطة: سيتم تحديد هذه المنشآت من خلال قائمة تقدمها مديرية السياحة، ومصدّقة من المحافظ، تؤكد أن هذه المنشآت موجودة وغير وهمية، ليتم بعد ذلك إيصال المياه المعدنية إليها بأسعار الوزارة، بحيث تكون الجعبة للعبوات الكبيرة وعددها 6 بسعر 3000 ليرة، أما الجعبة للعبوات الصغيرة وعددها 12 بسعر 4000 ليرة سورية، وبذلك نحمي تلك المنشآت من ابتزاز بعض التجار الذين يرغبون بفرض أسعارهم وكسر حلقات الوساطة غير المجدية لعمليات التوزيع، وبحسب توجيهات الوزارة سيتم البيع عبر السورية للتجارة في حالتي المفرق والجملة، على أن تتم متابعة هذه العملية من قبل الوزارة بشكل مباشر.

اقتصاد الندرة

الأسباب التي جعلت المياه المعدنية تندرج ضمن البطاقة الذكية هي ذاتها المرتبطة بجميع المواد التي أدرجت فيها كضبط الأسعار والكميات وعدالة توزيعها ومنع احتكارها، ويرى أكاديميون واقتصاديون أن الظرف الحالي للعرض السلعي يفرض ضرورة ترشيد الموارد والسلع حتى نستطيع تأمينها للجميع ولو بالحد الأدنى.

الخبير الاقتصادي فادي عياش يوضح لـ “البعث” أن الواقع الحالي للأسواق والمنتجات يفرض استخدام أسلوب إدارة الندرة، أي الترشيد الشديد وكفاءته في إدارة المواد المتاحة، بحيث يمكن تأمين الحد الأدنى لمستلزمات الحياة الضرورية لكافة فئات المجتمع، وبهذه الظروف تكون الأتمتة واحدة من أهم أدوات التحكم بتوزيع الموارد، بما يكفل تخفيض الهدر، وتقييد الفساد إلى حدوده الدنيا، ومحاولة إيصال المستحقات إلى مستحقيها، بالتالي فإن البطاقة الذكية، وما يدرج فيها من مواد، يصنفان من أدوات الأتمتة التي تهدف إلى التحكم بالموارد وحسن إدارة توزيعها في ظل اقتصاد الندرة الناتجة عن ظروف الحرب الظالمة التي يعيشها البلد، وهنا لا يكون الهدف تقييد المواطن من السلع الأساسية بقدر ما هو إدارة المتاح من هذه السلع بما يضمن حداً مقبولاً لكافة شرائح المجتمع، ويضمن أيضاً عدالة التوزيع، بالإضافة إلى ضبط تدفق وانسياب السلع إلى المستهلكين دون تسربها، أي الحد من تسربها باتجاه الأسواق الاحتكارية، ومنع الإتجار غير المشروع للمواد المدعومة بما يؤدي إلى تحقيق العدالة الحقيقية ووصولها إلى مستحقيها.

مشروع أتمتة

إن إدراج المواد والسلع ضمن نظام الأتمتة “البطاقة الذكية” أصبح ضرورة ضمن الظروف الحالية من قلة الموارد أو تسربها واحتكارها، بمعنى آخر، الوفرة واستقرار السوق سيلغيان فكرة البطاقة الذكية، لكن عياش يؤكد أن اقتصاد الندرة يمكن أن يطبق في مرحلة قادمة، وأن البطاقة الذكية ليست لمرحلة آنية، وإنما هي مشروع أتمتة الموارد لتتحدد من خلالها الكميات التي تستهلك لكل مادة عبر الأشخاص أو الشركات، ومعرفة حاجة الأسواق المحلية ومتطلباتها، وإذا كانت المرحلة المقبلة تحمل الخير والانتعاش للوضع الاقتصادي، وهذا ينعكس تماماً على المواطن، إما بزيادة الكميات المخصصة له، أو من خلال إيصالها بفترات زمنية أقل، وكل ذلك سيكون أيضاً ضمن نظام الأتمتة الذي هو بالضرورة يوقف استنزاف الموارد والتحكم بها من قلة قليلة.

حماية الموارد

تشير جميع آراء الجهات المعنية وأصحاب الاختصاص من اقتصاديين إلى أن مخاوف المواطن من إدراج مادة في البطاقة الذكية ليس لها مبرر، بل على العكس تماماً هي ضمان للمواطن بإيصال السلع له بالسعر المقبول دون تدخل التجار والسماسرة بهذه المواد، وحتى خلال ارتفاع أسعارها تبقى هذه السلع متوفرة له في صالات التدخل الإيجابي ومنافذها، ولم يعد من الغريب إدراج أية مادة أو سلعة ضمن البطاقة الذكية إذا كانت ستوفر للمواطن حقه في الوصول إليها، وهنا لابد من التأكيد أن مشروع الأتمتة يحمي موارد الدولة من التلاعب والاحتكار، ما ينعكس إيجاباً على الفرد.

 

ميادة حسن