ثقافةصحيفة البعث

عباس النوري: الفنّ جزء من الثقافة، ونحتاج إلى سوق لحماية درامانا

“كلما عززنا المشهد الثقافي بالحريات كان فيه استمزاج حقيقي للشارع وقراءة للإبداع ونقد حرّ بناء” هذه المفردات قالها الفنان عباس النوري في فعالية تكريمه من قبل اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين في صالة الرواق بإدارة وحوار الإعلامي ملهم الصالح لمسيرته المبدعة خلال نصف قرن.

وقد رحبّ أمين سرّ الاتحاد غسان غانم باسم الاتحاد بالحاضرين، ونوّه إلى أهمية العلاقة التواشجية التي تربط بين الدراما والفنّ التشكيلي، ثم كرّم مع أعضاء المكتب التنفيذي النجم عباس النوري بتسليمه درع التكريم ولوحة تشكيلية له من أحد أعماله بالبيئة الشامية، التي أبدع من خلالها وكرّست شخصياته الشغف بهذه الأعمال.

نصف قرن

وتعقيباً على الفيلم التوثيقي التسجيلي لحياة ومسيرة ومواقف عباس النوري لاسيما من الحرب الإرهابية على سورية، -فكما ذكر- كل من يحاول تفتيت نسيج المجتمع السوري هو عدو لي، والجيش العربي السوري خط أحمر. وسأله الصالح ما هي تطلعاتك بعد نصف قرن من العطاء والإبداع؟ فأجاب:  مازلتُ أبحث وأعمل الرقم لا يهمّ، المهم هو النظرة لما جرى في الخمسين سنة المنصرمة، علينا قراءة الحقائق من خلال تجاربنا التي قدمناها ومنعنا من تقديمها وتماسكنا وأتممناها، علينا أن نطوّر الثقافة والفن جزء منها، ونذهب باتجاهات أكثر جرأة، فأنا ابن حارات الشام ملكة الثقافات والحضارات بكل التناقضات وبكل الحب، وأعني بالشام سورية، وأنا حريص على أن أبقى فيها وأموت فيها.

وعاد الصالح إلى المسرح الجامعي وأهمية أعماله التي كانت نواة للانطلاق نحو التلفزيون، فسأله: أين المسرح من حياتك الآن حتى لو كان مونودراما أو الإخراج؟ فقال النوري: المسرح محطة وقود بالنسبة لي، وأنا ابتعدت عنه ومرت مراحل ذهبت فيها إلى اتجاهات أخرى، وأنا لستُ مؤمناً بالمونودراما، وما قدمه أيمن زيدان وغسان مسعود على صعيد الإخراج تجارب شخصية لابد من احترامها، لكنني حينما أعود سأقدم مشروعي الخاص لاسيما أنني أكتب مسوّدات.

أسماء مغيبة

ومن المسرح إلى السينما ففي مسيرة عباس النوري خمسة أفلام سينمائية ووقف مؤخراً أمام كاميرا ابنه المخرج ميار النوري، فأوضح بأن السينما هي خلاصة ثقافات وحريات تعبير بالمشهد العام، فهناك أسماء مغيبة وبعيدة، والأسماء الموجودة هامة لكننا نطالب بالأكثر، وفي سنوات الحرب نشطت السينما السورية وقدمت أفلاماً لقراءة الحرب الإرهابية، إلا أن مهمتها كانت إعلامية أكثر منها ثقافية وفنية، فلا يكفي أن نصوّر الأبنية المنهارة أو الجندي الجريح، السينما بحاجة إلى تعبير الناس عن حالها ووجعها بحرية، السينما السورية بشكل عام ماتزال حالة للاحتفاء بالمهرجانات، وهذا نوع من التزوير على الواقع.

وتحدث عن دور النقابة في حماية عمل الفنان الذي يجب أن يفكر بحرية متسائلاً أين دورها؟

أما عن سؤال الصالح لماذا أنت بعيد عن صناعة القرار؟ فأوضح بأنه لا يرغب بالعمل الإداري ولا يتطلع للإدارة لأنه يبحث عن صيغ جديدة للفنون بمحاولة الكتابة والإخراج والتمثيل.

 حماية درامانا

المحطة الأساسية كانت في الدراما إذ شارك بمئة وخمسين مسلسلاً بين التاريخي والاجتماعي والمعاصر والكوميدي وأكثرها شهرة البيئة الشامية، وتشارك مع زوجته الكاتبة عنود الخالد في بعضها، فسأله الصالح هل أساءت أعمال البيئة الشامية إلى تاريخ دمشق؟

فأجاب النوري: بالمعنى الحرفي ليست إساءة وإنما أخطاء تخالف زمنها وتغفل عن حقائق ففي عام 1930 كانت هناك نهضة وطنية وعلمية وثقافية ورجالات سياسة وحركة سياسية لم نلمسها، إضافة إلى دور المرأة السياسي مثل نازك العابد التي منحها الملك فيصل رتبة ضابط، المشكلة أن الأعمال بقيت ضمن إطار معين يعود إلى غياب سوق تسويق درامانا، فالسوق الخليجية تصادر أعمالنا وتتحكم بمستوى أمية الكاتب ولا تريد جامعة وسياسة وحضور المرأة الفاعلة والعاملة، فعلى سبيل الذكر في مصر يوجد أكثر من مئة وستين قناة، ثمانون منها فاعلة على صعيد الإنتاج والدورة البرامجية والسياسة الإعلامية، وفي لبنان ست قنوات، لذلك في مصر لا يحتاجون إلى السوق الخليجية ويبيعون في بلادهم، فالدراما مثلها مثل أي منتج، وحينما يكون لها سوق نحمي الدراما، فلاتكفي قناة سورية –دراما لحماية درامانا هي أفادت ضمن إمكاناتها، نحن بحاجة إلى السوق والحريات وإلى صلاحيات نعبّر من خلالها عن الحسّ الوطني، إضافة إلى دور المُنْتج الذكي الذي يعرف لعبة السوق مثل منتج العمل الذي يصوّر حالياً حارة القبة.

الرقابة والإبداع

حديث الدراما قاد إلى الرقابة التي تحدّ من الإبداع فاستحضر عباس النوري تجربته بعمل ترجمان الأشواق، هذا العمل شُنت عليه حرب شعواء ومنعته الرقابة من العرض، ثم حذفت منه مشاهد وعدّل بتصوير مشاهد جديدة كتبها زياد الريس حتى عُرض ولم يكن كما يجب.

وخلال مسيرة عباس النوري لم يشكّل ثنائية مع أحد لا بالكتابة أو التمثيل أو بالإخراج، ويتدخل بالنصوص ليصل الصالح إلى سؤاله، ألا تفكر بتأليف كتاب يوثق الدراما؟ فرد النوري: أنا أفكر بصوت عال لذلك أتدخل بالنصوص، وأناقشها وكتبت شارة الأميمي، وخصصت بصفحتي الرسمية زاوية لكتابة أفكاري المبعثرة بجرأة، أتمنى أن أجد الوقت الكافي لتأليف كتاب أوثق فيه ما شهدته في الدراما وفي حياتي.

الذاكرة الانفعالية

حظي الحوار بتشعبات كثيرة طالت ما وصفه النوري بالبعد الانتهازي فهو لم يدعم ابنه ميار، لأنه يؤمن بالجدارة أو عدم الجدارة.

كما تمحورت أسئلة الحاضرين حول غياب النص المسرحي السوري ويعود ذلك برأي النوري إلى الرقابة، وأجاب عن مثله الأعلى القامات الفنية عبد اللطيف فتحي ونهاد قلعي وتيسير السعدي وحسن عويتي وضرورة تدريسهم بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ورأى أن الأعمال الشامية لم تخرج من الحارات إلى الشوارع إلى أحياء دمشق التي أفرزت رجالات السياسة، وأن نجاحه بالبيئة الشامية يرتبط بالذاكرة الانفعالية، وليس لأنه دمشقي فالنجم بسام كوسا أجاد بالأعمال الشامية وهو حلبي.

وختاماً ودع عباس النوري محبيه قائلاً “مازال لديّ الكثير من الشغف والجرأة على التجريب”.

ملده شويكاني