رأيصحيفة البعث

نفاق “جو” .. و”الأدوات” المبتذلة!!

أحمد حسن

ربما كان تصريح الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الأخير بشأن سورية هو الأغرب هذا العام، فبكلمات مخاتلة وصف الرجل الوضع الحالي في سورية بأنه يمثل “تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة”، واستنتج من “اكتشافه” هذا بأن حماية هذا “الأمن القومي” وتلك “السياسة الخارجية” لا يستقيمان ولا يتحققان إلا من خلال “تجديد إعلان الحكومة الأميركية حالة الطوارئ الوطنية بشأن التعامل معها”، التي أعلنها سلفه دونالد ترامب في 14 تشرين الأول عام 2019، وتتضمن إجراءات عقابية، “اقرأ عدوانية”، على الأشخاص والكيانات الذين يشكلون هذا التهديد غير العادي.

في الوقت ذاته كانت بعض الجهات التي تسمي نفسها “معارضة سورية” تنهي “حجّها” إلى “البيت الأبيض” بمطلب استبدال دنيء – ومقصود في عملية كي الوعي التي لا يفهمونها – للاءات الخرطوم الشهيرة ضد العدو الصهيوني، بـ “لاءات” ثلاثة جديدة ضد “العدو السوري” وهي: “لا تطبيع، ولا رفع للعقوبات ولا أموال لإعادة الإعمار” حتى يتم التوصل إلى “حل سياسي” بشروطهم وأهدافهم وتطلعاتهم التي يبدو أنها لا تخرج عن مقتضيات “الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية”.

والحال فإن في الأمرين نوعا من النفاق والابتذال السياسي غير المسبوقين، وإن كانا متوقعين، فأن يعلن بايدن مسؤولية سورية عن تهديد “غير عادي” للأمن القومي الأمريكي فذلك قمة جبل عال من النفاق لدولة تهدد يومياً الأمن القومي لدول العالم بأسره، وتحتل قواتها جزءاً من الأراضي السورية لا العكس، وتدعم فصيلاً انفصالياً بما يهدد وحدة الأراضي السورية لا العكس، وتسرق يومياً ثرواتها الباطنية علناً لا العكس، وترفض علناً محاولات إخراجها من أزمتها، وتفرض على الآخرين، تحت سيف العقوبات، السير خلفها في ذلك، ثم يخرج رئيسها دون أن يرف له جفن ليقلب الحقائق رأساً على عقب.

بيد أن هذا النفاق يمكن فهمه، لا تفهّمه، في سياق تحليل سياسات الهيمنة والتغلب في عالم الغابة هذا، لكن ما لا يمكن فهمه ولا تفهّمه حجم الابتذال السياسي والوطني والأخلاقي لسوريين يتسولون من إدارة بايدن إبقاء العقوبات الجائرة – وهي وفق القانون الدولي ليست عقوبات شرعية بل “بلطجة” سافرة اسمها “الإجراءات القسرية أحادية الجانب” – ضد من يفترض أنه شعبهم وأهلهم، كما ويطلبون الاستمرار في منع إعادة إعمار ما هدمته الحرب حتى تتحقق شروطهم بما يؤكد أنهم يريدون الحكم ولو على الخراب، لينطبق عليهم ما قيل يوماً عن “إخوان مصر” على لسان الراحل “فرج فودة” في نبوءة باهرة تحققت عام 2013، بأنهم، و”إن أعجزهم حكم مصر..هدموا مصر”.

بيد أن الطامة الكبرى في الأمر أن بعض هؤلاء “السوريين!!” عاد من واشنطن متباهياً بقدرته على إبقاء قوات المحتل الأمريكي في أرضه، ومفاخراً أن هذا المحتل تعهد “بفعل كل ما يمكن لتدمير داعش والعمل على بناء البنية التحتية في شمال شرقي سورية”، متجاهلين حقيقة أن بقاء واشنطن في سورية، وفي كل منطقة “الشرق الأوسط”، يخضع لحاجات وغايات أمريكية بحتة، جزء معتبر منها إسرائيلي – وهذا هو مقصد جملة “الأمن القومي الأمريكي الذي تهدده سورية – وليس لحاجاتهم أو لمحاربة “داعش” الذي كانت لهم اليد الطولى في خلقه واستمراره، وأنه حين تقرر واشنطن الخروج لأسبابها الخاصة فإن مصير – بعضهم – ليس أقل من التعلق بـ”دواليب” الطائرات والعربات الأمريكية المغادرة ليكتشفوا حينها “الحكمة” التي سبقهم إليها بقية عملاء واشنطن حول العالم ومفادها: “المتغطي بالأمريكي عريان”.

وبالتزامن مع ذلك كله كان العدو الصهيوني يضع “بصمته” المعتادة على نفاق بايدن وابتذال أدواته المشين بعدوان جديد ليس له في الحقيقة سوى أن يفضح هذا النفاق ويعري ذاك الابتذال.

لكن “الفضح” و”التعرية”، على أهميتهما، لا يفيدان في عالم الغابة هذا ما لم يقترنا بفعل على الأرض يشعر الجميع أن “كلفة” الاحتلال والعمالة أكبر وأقسى وأصعب من مردودهما، فـ”السيف أصدق إنباء من الكتب” كما يقول حكيمنا القديم.