مجلة البعث الأسبوعية

الوصول للبطل الأولمبي بحاجة إلى تكاتف الجميع وذهنية تؤمن بالمصلحة الرياضية

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

أقيم نهاية الشهر الماضي مهرجانان رياضيان لدعم مسيرة الحركة الرياضية، وهما على التوالي: مهرجان دعم الألعاب الفردية الرياضية، والثاني جاء بعده، وأقيم على يومين بعنوان “تطوير الرياضة المدرسية والجامعية”.

وما حدث ينم عن حرص المسؤولين على دعم الرياضة ضمن الأصول والخطط والبرمجة بعيداً عن الارتجال والعشوائية، والملاحظة المهمة التي لفتت الأنظار أن الدعم القادم سيتوجه إلى الألعاب الفردية القادرة على التألق في الميادين العالمية، وعلى المواهب الصغيرة التي هي القاعدة في تحقيق نقلة نوعية بالرياضة، وهذا أمر مطمئن، ويدخل السرور على قلوبنا وقلوب كل الرياضيين، ويمنحنا الأمل والثقة للارتقاء والتطور والنجاح.

المؤتمران وضعا النقاط على الحروف، ولم يبق من ذلك إلا التنفيذ، والتنفيذ هو من اختصاص الرياضيين بمختلف مواقعهم واختصاصاتهم، والمهم أن يبدأ العمل بالسرعة الكلية وصولاً إلى الهدف، وعلينا رسم الاستراتيجية وتحديد المدة وتهيئة كل عوامل النجاح لنرى بذور هذا الهدف وقد أثمرت وأينعت.

 

عوامل النجاح

أي مشروع رياضي يحتاج ليحقق النجاح إلى عوامل متعددة، أهمها وجود مكان التدريب والتأهيل، ووجود الخبرات الرياضية المتميزة، ووجود التجهيزات والمستلزمات الرياضية، ووجود الدعم المالي من أجل السير بالعمل الرياضي قدماً نحو الأمام، وعندما تتوفر هذه الأمور فلا بد من تحقيق النجاح.

والنقطة التي بصالح رياضتنا أنها مملوءة بالأبطال والمواهب، ولم يكن اختيار الألعاب الفردية في هذا المشروع رمية من غير رام، إنما نتيجة دراسة معمقة أثبتت أن الرياضة الوطنية قادرة على المنافسة عالمياً بمثل هذه الرياضات.

والألعاب الفردية وألعاب القوة كثيرة، ولا بد من دراسة واقع هذه الألعاب على كل الصعد: العربي والآسيوي والعالمي، وبعد ذلك علينا تحديد الألعاب التي يمكنها المنافسة على الصعيد العربي، أو على الصعيد الآسيوي، أو على الصعيد العالمي؛ إذ من المستحيل أن ندخل المنافسات العالمية بكل الألعاب دفعة واحدة، والتدرج بذلك يكون خطوة خطوة ضمن برنامج علمي مدروس.

ومن خلال متابعتنا للرياضات العالمية في البطولات الكبرى، نجد أن هناك دولاً مختصة بألعاب معينة، ودولاً أخرى يشهد العالم بتفوقها في ألعاب محدودة، لكن اسمها عن منصات التتويج العالمي، لا يغيب مهما كان موقع المنافسة ومكانها وحجمها، فالقضية ليست كماً، بقدر ما هي نوع.

والخطوة الأولى في رحلة الألف ميل لنصل إلى طموحنا تبدأ من القوانين والآليات التي تعرقل العمل الرياضي، فهناك الكثير من المواد بات بحاجة إلى تغيير وتعديل ليتلاءم مع هذه الخطوة الجبارة.

وأول هذه القوانين هو القانون المالي، فالرياضيون بهذه الألعاب يحتاجون إلى رعاية خاصة، ونظام تغذية ورعاية صحية؛ وهذه الأمور قد يعجز عنها الرياضي لأنها تحتاج إلى مال وفير، لذلك لا بد من دخول الاحتراف عالم هذه الرياضات بكل الوسائل المتاحة، ليتمكن الرياضي من الوصول إلى المستوى الفني المطلوب. ونشير هنا إلى موضوع إذن السفر الذي بات لا يعادل “سندويش”، وهذه المعاناة تشمل كل الرياضيين بكل الألعاب، لنجد أن الرياضيين يصرفون على الرياضة بدل أن تصرف عليهم، وضمن هذا المبدأ لن نصل إلى البطل الأولمبي، ويبقى حديثنا عنه عبارة عن كلام في الهواء.

أيضاً القائمون على هذه الألعاب يجب أن يحترفوا العمل – سواء الإداري أو الفني أو غيره – فالرياضة التطوعية لم تعد تغني أو تسمن من جوع، وهذا الأمر يجب أن يكون بالحسبان، وأن يؤخذ بعين الاعتبار، فالمال عصب الرياضة، وعندما يكون الجميع مرتاحين مالياً والرياضة تؤمن لهم ضرورات الحياة، فإنهم سيتوجهون بكامل إمكانياتهم نحو العمل، ولا شيء غيره.

وعندما تكفي الرياضة أبناءها فإننا نقلص مساحة الفساد في الرياضة، ولا يستطيع أحد تجاوز القوانين والأنظمة المالية والبحث عن طرق الاحتيال والنصب ليكفي نفسه وعائلته؛ مع العلم أن الرياضي في هذه الألعاب يدفع المال الكثير من أجل التدريب والتغذية، حتى يصل إلى بطولة للجمهورية، وليس إلى بطولة عالمية.

ومن عوامل النجاح – وقد يكون من أهمها – مكافحة الفساد الرياضي، وهذا منوط بأصحاب الشأن، ونحن نطالب به بقوة، لأن الرياضة النوعية لا يمكن أن تنمو وتتطور مع وجود الفساد والفاسدين والمتطفلين والمستغلين.

 

خارطة رياضية

أكثر من مرة، نوهنا إلى ضرورة وجود خارطة رياضية صحيحة توزع فيها الألعاب على المناطق الجغرافية حسب الاختصاص، بحيث تشمل الألعاب الرياضية أغلب المناطق، ووجودها بكثافة في منطقة ما على حساب أخرى يفرضه وجود النوع والكم من الأبطال والمواهب؛ فالعشوائية في الرياضة والتخطيط الرياضي لا يمكن أن توصل للهدف، ولا بد من رسم معالم رياضية لكل الألعاب ليكون الانتشار معقولا وملائما للأجواء المحيطة. وهنا نجد ضرورة التخصص في الأندية، فألعاب القوة والألعاب الفردية ماتت على حساب كثافة الألعاب في الأندية واهتمام هذه الأندية بلعبة أو لعبتين – على الأغلب هما كرتا القدم والسلة – لذلك ماتت هذه الرياضات في الأندية بسبب الإهمال والتعامل معها باللامبالاة.

من هنا، نجد ضرورة الوصول إلى التخصص؛ والأندية المتخصصة لا تحتاج للمساحة الوفيرة، ولا الكلف العالية، فإذا كان ناد متخصص بألعاب القوة (ملاكمة – مصارعة – جودو – كاراتية – كيك بوكسينغ – رفع أثقال – قوة بدنية – بناء أجسام) فهذه الألعاب لا تحتاج إلا لصالة معقولة متعددة الأغراض مع تجهيزات لكل لعبة على حدة؛ وليس من الضروري أن يحمل كل ناد كل هذه الألعاب، والمفترض ألا يضم أي ناد أكثر من ثلاثة ألعاب. وعلى سبيل المثال، فالملاكمة تنسجم مع الكيك بوكسينغ، ورفع الأثقال تنسجم مع القوة البدنية وبناء الأجسام، ووفق ذلك يتم التوزيع.

نخلص مما سبق إلى أنه إذا أردنا التفوق بألعاب القوة تحديداً، فإن علينا العناية بالأندية الريفية وأن يتم افتتاح مراكز تدريبية في هذه الألعاب، ومن الطبيعي أن نصل بذلك إلى التفوق الذي ننشده، وعلينا أن نقتنع أن منجم المواهب موجود في الريف.

 

مواصفات أخرى

هناك العديد من الألعاب الرياضية الفردية تحتاج إلى إمكانيات كبيرة ومنشآت متطورة وغير ذلك. ومن هذه الرياضات الدراجات، وهي الرياضة الميكانيكية، وقد لا تجد ضالتها في الأندية للتكاليف الباهظة التي تتطلبها من ثمن دراجات ونفقات إصلاح وصيانة. ومن الممكن أن يتبنى هذه الرياضة الأندية الكبيرة ذات الموارد الاستثمارية، وأن يتم اعتماد مراكز في المحافظات لها بإشراف اللجان التنفيذية؛ ولا بأس إن كانت ضمن المدن الرياضية الكبيرة كمدينة تشرين والفيحاء والجلاء، فهذه المدن قادرة على رعاية هذه الرياضة وتأمين كل مستلزماتها.

هكذا الكلام ينطبق أيضاً على أم الألعاب التي تحتاج مساحات واسعة، وأعتقد أن اعتماد المدن الرياضية لهذه الرياضة أمر في غاية الصواب؛ والاعتماد حالياً على ملعب تشرين فقط. والمفترض أن تتوسع هذه الرياضة لتشمل كل المدن الرياضية، وكل الملاعب بالمحافظات، وأن تتبناها اللجان التنفيذية بكل ما تحتاجه من مستلزمات وتجهيزات ونفقات.

ومن الممكن أن تنتشر بعض مسابقات ألعاب القوى الخفيفة التي لا تتطلب المساحات الواسعة والتكاليف الباهظة في الأندية الريفية، كمسابقات الجري القصير والمتوسط والماراثون.

رياضة الرماية، أيضاً، لها مراكزها، وتتطلب نفقات باهظة، ومن المفترض تفعيل أنديتها تماشياً مع النهضة المطلوبة بالرياضات ذات الطابع الفردي.

أما السباحة فتعتبر رياضة جماهيرية وعشاقها كثر؛ ومن الممكن أن تمنحنا هذه الرياضة أبطالاً بالسباقات الأولمبية، كما منحتنا أبطالاً بسباحة المسافات الطويلة.

والمشكلة في هذه الرياضة أنها موسمية لأنها رياضة صيفية ومسابحنا أغلبها مكشوفة تعمل حوالي ثلاثة أشهر فقط ومن أراد أن يصبح بطلاً فالأشهر الثلاثة هذه لا تصنع الأبطال، وقد تصنع سباحاً.

وليس لدينا مسبح مغطى إلا مسبح تشرين، وهو لا يفي بالغرض، لذلك لا بد من مشروع لتغطية كل مسابح الأندية من أجل التفكير بأبطال السباحة الأولمبيين؛ وفي هذه الحالة، تستفيد رياضة الترياتلون، ومن الممكن إحياء رياضة الغطس التي انقرضت منذ زمن بعيد، وكذلك كرة الماء.

 

ذهنية المال

من الرياضات الفردية الجميلة الموجودة بكل الأماكن الرياضية وغير الرياضية هي كرة الطاولة والبلياردو، وللأسف فإن هاتين اللعبتين استثمرتهما الأندية مالياً ولم تستثمرهما رياضياً، فلا يخل ناد من أنديتنا إلا وبه طاولة أو طاولات بلياردو، وللأسف نجد إنها تعامل معاملة (الفيشة) وهي موجودة في كل الأماكن الرياضية لجلب المال لا لصناعة المواهب والأبطال، ولو أن أنديتنا هذه اهتمت بهاتين اللعبتين لوجدنا أكثر من هند ظاظا بملاعبنا وصالاتنا، ويبقى الاهتمام بهما محصوراً بأندية قليلة جداً وهذا لا يفي بمنهج التطور والتقدم.

 

مسؤولية الجميع

الحديث عن دعم الألعاب الفردية وألعاب القوة لا يعني أن نبقى مكتوفي الأيدي، وأن ننتظر الدعم فقط، فالمسؤولية في هذا الشأن منوطة بالجميع.. منوطة بكل رياضي وبكل المؤسسات الرياضية مهما كان حجمها وموقعها.

ونجاح العمل يأتي من التكاتف والعمل الجاد المخلص وتوزيع المهام واستقطاب كل الخبرات، لأن المرحلة القادمة تستوعب كل خبراتنا وتتطلب وجودهم في العمل الرياضي، وبالتالي علينا إلغاء شعار “هذا معي وهذا ضدي!!”، فكلنا للرياضة، ومنها جئنا، ونعمل لأجلها، والمواضيع الشخصية لا علاقة لها بالعمل الرياضي، فقد نحب فلاناً ونكره آخر، وهذا لا علاقة له بالعمل الرياضي لأن المقياس يجب أن يبنى على ميزان الخبرة والكفاءة والنزاهة.

ولأن هذا التحول بالعمل الرياضي يتجه نحو القواعد والاهتمام بالمواهب فإننا نتمنى من القائمين على العملية الرياضية بكل المؤسسات الاهتمام بالبراعم والخامات الرياضية لأنهم أمل رياضتنا، وسبق أن كتبنا عن الإهمال الذي طال هؤلاء من نواحي الإقامة المزرية، وعدم الاهتمام واللامبالاة؛ وآخر هذه الصور السلبية ما حصل في نهائي بطولة المحافظات للأشبال بكرة القدم، وقد فاز ببطولة الجمهورية منتخب حلب، وفوجئ الجميع بعدم وجود تتويج رغم حضور ثلاثة من أعضاء اتحاد كرة القدم المباراة النهائية، واقتصر الأمر على كأس تخجل فرق الأحياء الشعبية تقديمه، والمتعارف عليه أن يتم توزيع الميداليات على الفائزين الثلاثة الأوائل وشهادات تقدير وحضور وما شابه من الأمور البروتوكولية المتعارف عليها، والتي تفرح البراعم وتجعلهم يتعلقون بالرياضة أكثر، ويبذلون الجهد والتعب من أجل لعبتهم؛ ولكن للأسف فإن رياضتنا بكل مؤسساتها تهمل هذا الجانب النفسي والمعنوي، وهو الأهم ببناء الطفل الرياضي.