مجلة البعث الأسبوعية

 300 يوم سطوع شمسي في العام وكمون كبير من الرياح.. الاستثمار في الطاقات المتجددة لا يجذب المستثمرين..!

“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار

في وقت نشكو نقصا حادا من توافر الطاقة، وانقطاعا متكررا لتيار لا نكاد نرى شيئا من نوره، فإننا نعوم على بحر من كوامن الطاقات المتجددة النظيفة، التي ما زالت بعيدة عن أي استغلال حقيقي ومجد؛ فإذا توافرت الحاجة ومصادر الطاقة والتشريع الخاص بهذا النوع من الاستثمار، فِلمَ ما زال إنتاجنا من هذه الطاقات محدودا وغير مركز، اللهم من بعض الجهود المبعثرة هنا وهناك؟!

 

سطوع وفير..

تعد سورية من البلاد المشمسة، ووفقا لدراسات قام بها المركز الوطني لبحوث الطاقة بالتعاون مع جهات أخرى، تبين أن أيام السطوع تتجاوز300 يوم في العام، وأن معظم الجغرافية السورية تمتلك شدة إشعاع شمسي متقارب جداً، حيث يقدر وسطي كمية هذا الإشعاع على سطح أفقي بـ 5 كيلواط ساعي على المتر المربع في اليوم، وهو رقم يدل على أن الاستفادة من الطاقة الشمسية سواء في تسخين المياه أم في توليد الكهرباء أمر مجد وذو مردود، فيما أثبتت الدراسات أن لدى البلاد كمونا نظريا من طاقة الرياح لأكثر من 40 ألف ميغاو واط، وأنه من الناحية العملية يبلغ الكمون القابل للاستثمار في توليد الكهرباء حوالى 8000 ميغاواط، ما يعني إمكانية كبيرة للاستفادة من هذا الكمون مستقبلا، أما طاقة الكتلة الحيوية المتمثلة بالمخلفات الحيوانية والنباتية والآدمية فمتاحة أيضا بنسبة محددة، حيث أظهرت دراسة خاصة أجراها المركز، بالتعاون مع جامعة دمشق عام 2010، بأن الكمون الطاقي الممكن استخراجه من هذه المخلفات، يبلغ حوالى 2.3 مليون طن مكافىء نفطي. أما الطاقة الكهرومائية، فمستفاد منها عمليا بنسبة كبيرة من خلال سد الفرات، ولكن لا تزال هناك إمكانية للاستفادة من الكمون المتاح على بقية السدود ومجاري الأنهار وقنوات نقل المياه بأنواعها المختلفة، حيث يقدر الكمون الإجمالي لهذه المصادر بحوالى 100 ميغا واط لا أكثر.

 

تنظيم القطاع..

ويؤكد المدير العام للمركز، الدكتور يونس علي، أن عملية تنظيم قطاع الطاقات المتجددة تحتاج عديد المحددات أبرزها تحديد المصادر المتوافرة في البلاد، والتي يمكن الاعتماد عليها بشكل رئيس في هذا التوجه، ووجود خارطة واضحة لاستثمارها، واستراتيجية وخطة واضحتين للاستفادة من هذه المصادر، وحوكمة القطاع، بحيث تكون الأطر القانونية والتنظيمية والمؤسساتية محددة وواضحة، مشيرا إلى أن البند الأول محقق، حيث حصرت الدراسات والبحوث والمسوحات التي أجراها المركز، خلال الفترة الواقعة بين عامي 2004 – 2009، المصادر الرئيسة المتاحة وأماكن وجودها، والتي تتمثل بالطاقات الشمسية والريحية والكتلة الحيوية، بالإضافة لكمون محدود جداً من الطاقة الكهرومائية.

ويضيف علي أنه، وبالنسبة للخطط الاستراتيجية، فإن أول خطة وطنية اعتمدتها الحكومة، كانت بناءً على مؤتمر الطاقة الذي عقد في 2010، وتضمنت الوصول إلى مساهمة هذه الطاقات حتى 2030 بنسبة 10% من الطلب على الطاقة الأولية؛ وفي 2019، أعيد النظر في هذه الخطة، واعتمدت أخرى أيضا حتى عام 2030، وتضمنت تركيب2400 ميغاواط من المحطات الكهروشمسية والمزارع الريحية (1500 من الشمسية و900 من الريحية)، بالإضافة لتركيب 1.2 مليون سخان شمسي منزلي، وكل الآليات والإجراءات المرتبطة بذلك.

 

عن الوفر والتكاليف..

ثمة وفر يحققه كل كيلواط ساعي منتج عبر الطاقات المتجددة قياسا بنظيرة التقليدي، لأنه يجنب إحراق كمية من الوقود الأحفوري (فيول، غاز)، بما يعادل حوالى 250 غراما من الوقود المكافىء، وتتنوع تقنيات تحويل الطاقات إلى كهرباء بتنوع المصادر؛ فالطاقة الشمسية تحتاج إلى لواقط كهروضوئية مصنوعة من خلايا سليكونية مع خلائط من أنصاف النواقل، وهذه التقنية تعرف بالتقنية الفوتوفولطية، ولا يقل العمر الافتراضي لهذه الخلايا عن 25 عاما، وقد شهدت هذه التقنية في السنوات الأخيرة تطورا كبيراً في مواصفاتها الفنية وانخفاضا في أسعارها، ما جعلها تنتشر حول العالم بشكل ملحوظ.

أما الطاقة الريحية، فتحتاج إلى تقنية المراوح، أو ما يعرف بالعنفات الريحية، حيث تقوم بتحويل الطاقة الحركية والكامنة للريح إلى طاقة ميكانيكية دورانية للعنفة تؤدي إلى انتاج طاقة كهربائية، علما بأن العمر الافتراضي لهذه العنفات حوالى 29 عاما، وأسعارها تنخفض هي الأخرى، ولكن ليس بالوتيرة نفسها التي تنخفض بها نظيرتها تقنية اللواقط الكهروضوئية. وعلى الرغم من أن التكاليف التأسيسية لمشاريع الطاقات المتجددة هي أعلى من تكاليف المشاريع التقليدية، إلا أنه بسبب عدم حاجة هذه المشاريع إلى وقود، فإن تكلفة إنتاج الكهرباء على مدى العمر الاستثماري هي أقل من تكلفتها التقليدية.

 

العزل الحراري..

بعيدا عن الاعتماد على هذه الطاقات، تبرز مسألة العزل الحراري للأبنية، كعامل توفير يسهم في تخفيض استهلاك حوامل الطاقة داخل هذه الأبنية صيفا وشتاء، حيث تبين الدراسات أن تطبيق العزل الحراري في المنزل يؤدي إلى تخفيض استهلاكه من الطاقة اللازمة للتدفئة والتكييف بنسبة لا تقل عن 40 بالمئة، ما يشكل رقماً ملموساً في ميزان الطاقة المحلي، في حال تطبيقه في الأبينة الجديدة خلال المرحلة المقبلة، ويحتاج لتنفيذه تعاونا بين المركز ووزارة الكهرباء والجهات ذات الصلة، سيما نقابة المهندسين ووزارة الإدارة المحلية والبيئة وغيرها من الجهات ذات الصلة.

 

بيئة تشريعية..

خطت الحكومة خطوات مهمة – تشريعيا – باتجاه جذب استثمارات مهمة إلى هذا القطاع، حيث صدرت مجموعة من القوانين ذات الصلة، مع الحاجة طبعا لوجود تشريع واحد وشامل، يكون بمثابة المرجع والإطار التنظيمي لهذ القطاع، ومن هذه القوانين:

− القانون رقم 3 لعام 2009، ويعرف بقانون الحفاظ على الطاقة، ويستهدف التوسع في استخدام المستهلكين لها.

− القانون رقم 32 لعام 2010، ويعرف بقانون الكهرباء، ويتضمن أحكاما ونصوصا تشجع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال.

− قانون الاستثمار، والمعدل مؤخراً بالقانون رقم 18 لعام 2021، مع بعض المزايا والحوافز للمشاريع.

 

يُعول على وعي طاقي..

يعول المركز على زيادة الوعي الطاقي عبر نشر ثقافة الطاقات البديلة بين الناس، مع ما يرافقها من ترشيد، سيما ما يتعلق بأهمية هذه المشاريع على الصعيد اقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي لا بد من أن تكون هناك حملات توعوية هادفة إلى تعزيز وتكريس هذه الثقافة، التي تعزز نشر مفاهيم التنمية المستدامة في مجال ترشيد الطاقة، واستخدام الطاقات المتجددة، والإضاءة على منعكساتها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وإمكانية استخدامها في الأنشطة المختلفة للشرائح الاجتماعية كافة، وهو ما يجب أن يكون محل حملات إعلامية وتوعوية مؤثرة.

 

حول العالم..

مع زيادة الطلب على الطاقة حول العالم، والنقص الحاصل في المعروض منها، باتت الدول تتسابق على التوسع في هذه الصناعة، وهو ما نجحت به الصين، على نحو غير مسبوق، حتى وصلت حصتها السوقية عالميا إلى حوالي 75 بالمئة، مقابل تراجع حصة الولايات المتحدة الأميركية من 22 بالمئة قبل 20 عاما، إلى واحد بالمئة؛ ووفقا لشبكة “بلومبيرغ”، فإن عدد المصانع المنتجة لتقنيات وأدوات الطاقات المتجددة، آخذ بازدياد بشكل ملحوظ، إذ وصل عددها حسب ترتيب الدول في هذه الصناعة على التوالي: الصين 261، الهند 51، تركيا 25، الولايات المتحدة وتايون 16 لكل منهما، فيتنام 15، اليابان 14، ألمانيا 12، كوريا الجنوبية ثمانية مصانع.