دراساتصحيفة البعث

روسيا تنقذ أوربا من الانهيار

سمر سامي السمارة

تصدرت مناقشة أسعار الغاز القياسية وسائل الإعلام الأوروبية مؤخراً، حيث يواجه سكان دول الاتحاد الأوروبي تهديداً حقيقياً، كما تقترب الصناعة الأوروبية من نقطة حرجة.

ومع تحطيم أسعار الغاز والكهرباء أرقاماً قياسية جديدة كل يوم، توقفت بعض الشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة عن الإنتاج، إذ أصبح الحفاظ عليها مكلفاً للغاية. وجدير بالذكر، أنه يمكن لهذا الوضع أن يتفاقم، إذا انتقلت أزمة الطاقة من صدمة الأسعار إلى العجز، الأمر الذي سيتعين على المزيد من الصناعات اتخاذ خطوات حاسمة لإيجاد الحل.

كانت مناقشة ارتفاع أسعار الطاقة موضوعاً ساخناً في اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ في 4 تشرين الأول في لوكسمبورغ. وعلى هذه الخلفية، ظهر بالفعل انقسام جغرافي في الاتحاد الأوروبي، إذ تخشى أوروبا الشرقية من أزمة وقود، بينما أصبحت مصادر الطاقة المتجددة أكثر تكلفة في دول أوروبا الغربية، كما يدعو شمال أوروبا إلى خفض حاد في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتخشى البلدان الأكثر اعتماداً على الوقود الأحفوري من أن تصبح الطاقة من المصادر المتجددة باهظة الثمن أيضاً.

كتبت “الإندبندنت” البريطانية: “أفلست بعض الشركات المستهلكة للغاز في أوروبا وآسيا بسبب ارتفاع الأسعار،  ففي بريطانيا وحدها أربع شركات طاقة لم تصمد أمام ارتفاع الأسعار في الأسابيع الأخيرة” .

 

يؤكد محلل السوق البريطاني بيل بلاين أن البريطانيين سيعانون كثيراً من البرد هذا الشتاء، فمع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة، ستكون التكاليف عبئاً كبيراً على الفقراء.

في 7 تشرين الأول الجاري، قدم أحد أبرز مراكز الأبحاث في لندن “كابيتال إيكونوميكس” أبحاثه حول تحديات الطاقة الحالية في أوروبا، مشيراً إلى أن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ستظل خلال العام المقبل عند مستويات لم تشهدها من قبل. وترجح الزيادة غير العادية في أسعار الغاز أن تضطر الحكومات الأوروبية إلى فرض لوائح تقييدية في إمدادات الكهرباء والغاز الطبيعي للاستخدامات المنزلية والصناعية، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية ملحوظة في اقتصاد منطقة اليورو.

علاوة على ذلك، تستخدم ملايين العائلات الأوروبية الغاز الطبيعي للتدفئة المنزلية والطهي، وفي حال لم يؤمنوا أنفسهم بعقود توريد طويلة الأمد بسعر ثابت أو لم يتلقوا المساعدة من السلطات الوطنية، فقد يواجهون صدمة في الأسعار. كما يمكن أن تتفاقم صدمة أسعار الطاقة في أوروبا، إذا نفذت الجزائر تهديدها بإغلاق خط أنابيب الغاز الجزائري إلى إسبانيا والبرتغال.

وسط أزمة الطاقة في أوروبا، اقترحت فرنسا وإسبانيا وجمهورية التشيك ورومانيا واليونان إجراء تحقيق في أسباب الارتفاع القياسي لأسعار الغاز، حسبما ذكرت دول الاتحاد الأوروبي الخمس في بيان مشترك أصدرته “بلومبرغ”.

استطاعت بعض الدوائر السياسية في أوروبا، التي رعتها في السنوات الأخيرة دعاية واشنطن المعادية للروس، تعزيز هجماتها غير المبررة على روسيا، متهمة إياها بالمسؤولية عن الزيادات الكبيرة في أسعار الغاز في الفترة الأخيرة.

في 17 نيسان الماضي، أرسل 42 نائباً غير حزبي خطاباً إلى المفوضية الأوروبية يطالبون فيه بالتحقيق في التلاعب المشتبه به في الأسعار من قبل شركة “غازبروم” الروسية التي تصدر الغاز إلى أوروبا. وفي 22 أيلول الماضي، انتقد كبير مستشاري وزارة الخارجية لشؤون أمن الطاقة، عاموس هوشستين ، روسيا في مقابلة تلفزيونية لرفضها إمداد الغاز عندما يكون هناك احتياطيات كافية.

وفي اليوم نفسه، حث وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين في مقابلة له مع “بلومبرغ” روسيا على عدم استخدام إمدادات الطاقة لتعزيز مصالح سياستها الخارجية أو “كسلاح لسياستها الخارجية”، متناسياً عمداً الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة في تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، وهي سياسة الأسعار الاستفزازية لواشنطن في إمداد السوق الأوروبية بالغاز الطبيعي المسال.

كانت الولايات المتحدة تستخدم أوكرانيا وبولندا وغيرهما لإبطاء بناء روسيا لخط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” على الرغم من أنه، لو تم تشغيل خط الأنابيب، لمنع عجز الغاز في أوروبا منذ فترة طويلة.

ومع ذلك، فقد بددت الاستنتاجات المقنعة للعديد من السياسيين الألمان والخبراء الدوليين كل هذه الحملات الافترائية المنتظمة المعادية للروس، وبالتالي، نشرت الوكالة الدولية للطاقة  بياناً في 21 أيلول الماضي علقت فيه على ارتفاع أسعار الغاز ودحضت بشكل واضح الاتهامات الكاذبة ضد روسيا. كما أكدت نشرة “ياهو نيوز جابان” أن كافة العوامل التي أدت إلى ارتفاع الأسعار التي استشهدت بها وكالة الطاقة الدولية، اقتصادية، وما من دليل على أن نوايا روسيا السياسية أو الجيوسياسية وراء انخفاض الإمدادات أو التلاعب بالأسعار.

في 22 أيلول أيضاً، قال ممثل عن وزارة الاقتصاد والطاقة الألمانية ، إن روسيا تفي بالتزاماتها التعاقدية، و أكدت شركة “يونيبر” الألمانية، التي تشتري الغاز الروسي أنها تتلقى إمدادات الغاز من “غازبروم” وفقاً للعقد.

لم يكن من الممكن وقف ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا أو حتى خفضه إلا بعد أن شارك الرئيس الروسي بوتين في حل هذه المشكلة، كما تعترف “بلومبرغ” بعد أن قال الرئيس الروسي: “إن روسيا مستعدة للمساعدة في استقرار أسواق الطاقة العالمية، فإن بوتين ينقذ أوروبا حرفياً”. الآن، يعيد التاريخ نفسه، ومرة أخرى، تنقذ روسيا أوروبا والأوروبيين من الانهيار.