ثقافةصحيفة البعث

نكهة الماضي وعبق التراث.. سلمية رسائل من التاريخ للمؤرّخ أمين قداحة

حماة- يارا ونوس

من أجمل الأشياء تلك القلوب التي لازال فيها الخير والتي تشتاق إلى تاريخ أمتنا وعظمة أسلافنا، هناك من يقدم إضاءة في تاريخنا، ولولاه كنّا قد نسينا وجودها، دوّن التاريخ وبحث في أدق تفاصيله، ومن منطلق إيمانه بأنّ حلقة الوصل النابضة بين الماضي والحاضر قام بإحياء تراث مدينته، لطالما أغلب سكانها جهلوا حقائقها.

“البعث” التقت الباحث والمؤرخ أمين قداحة الذي استحضر عبق التاريخ ونسائم الآباء والأجداد في كتابه “سلمية رسائل من التاريخ” معززاً الوعي بالتراث السوري، وتنمية الحس الوطني، كخطوة في طريق التنمية المستدامة.

المؤرخ قداحة ابن مدينة سلمية، حاصل على إجازة في التاريخ من جامعة دمشق، دبلوم بالآثار، ماجستير بالتراث الشعبي،  وهوَ عضواً باللجنة التطويرية لمناهج مادة التاريخ، شارك بتأليف المناهج المطوّرة، بدايةً درّس في مدارس حلب ومن ثم مدينة سلمية، وحالياً يعمل كمدرّس تاريخ في ثانوية السيدة زينب.

حدثنا قداحة عن حكاية شغفة بالتاريخ وذلك منذ الصف الخامس يعشق المادة ويعتبرها مقدّسة، وحبّه لوطنه ومدينته جعله يصبّ جلّ اهتمامه على تاريخ سورية بشكلٍ عام وتاريخ سلمية بشكلٍ خاص، وأوضح أن سلمية لم تأخذ حقّها بالتاريخ فهي مدينة غنية جداً بتراثها وتحتاج إلى الكثير من الدراسات، مشيراً إلى أنه قديماً أُطلق على مدينة سلمية أم القاهرة ونُسبت لـ”طه حسين”، إلّا أنّ قداحة يرى أنّها أم المهديّة وجدّة القاهرة.

ولفت قداحة إلى أن هناك شقين من التراث، تراث مادي مثل الآثار، الوثائق، نقود، وتراث غير مادي كـ (الكُتب، شيء نستقيه من العادات والتقاليد (طقوس الحزن، اللباس الشعبي، تقاليد الحرف، الأمثال الشعبية.. إلخ). وبرأيه أنّ التاريخ لا يعيد نفسه، ولا يمكن أن تتشابه الأحداث التاريخيّة، فالتاريخ حركة مستمرة من مبدأ الاستمرار والتغيير (علم قائم بحدّ ذاته) يُلهمنا برؤية المستقبل لأنّه ينطوي على نوع من التفكير المبصر، وأكد أنه من الخطأ أن نبدأ دراستنا من الصفر، وإنما ما تركه الباحثون قبلنا من الدراسات السابقة.

وعن كتابه “سلمية رسائل من التاريخ” أوضح أنه يشمل على دراسة حضارية، آثاريّة، تاريخيّة، رصدتُ فيه ٤٠ ألف عام من التطوّر التاريخي لسلمية، اعتبرتُ كل فترة زمنية رسالة، وتضمّن الكتاب دراسة للمواقع الأثرية داخل المدينة وعلى أطرافها، وتناولت أهمية موقعها الجغرافي والاقتصادي، إضافة إلى عوامل التطور التي مرّت بها، وجميعها موثّقة بالخرائط والصور استمدها من مصادر تاريخية متنوعة بعد أن أطّلع عليها اطلاعاً واسعاً، مبيناً أنّ الكتاب مؤلف من قسمين: قسم خصّص للحديث عن تاريخ سلمية منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وحتى عام ١٩٤٦ للاستقلال، ضمن تسلسل تاريخي مع التنويه والإشارة إلى الإستيطان البشري الذي كان يعود إلى الألف العاشر قبل الميلاد أي قبل نشوء الزراعة، معتمداً بذلك على وثائق رسمية في الفترة العثمانية والفرنسية (التاريخ المعاصر). وتحدث ضمنه عن النظرية التي تحاول تفسير وأصل التسمية لسلمية.. مدينة السلام.

أما القسم الثاني فقُسم إلى بابين الباب الأوّل تحدثّ عن الآثار الثابتة في سلمية كقلعة شميميس، وقلعة سلمية، والحمام الأثري.. غيرها. والباب الثاني عن الآثار المنقولة من مدينة سلمية إلى متاحف القطر وخاصة في دمشق، وحماة وحلب، مبيناً  أنّ الهدف من الكتاب توثيق لتاريخ وآثار المدينة قدر المستطاع وليكونَ حجر أساس لدراسات لاحقة تكشف عن تاريخ أعمق ودور حضاري لعبته مدينة سلمية على مرّ العصور.

وحول الصعوبات التي واجهته خلال بحثه قال قداحة: هناك غياب كامل للتوثيق، حيث لا يوجد تاريخ مكتوب، وعدم وجود تنقيبات أثريّة، وإن وجدت فهي إسعافيّة مفردة لبعض المواقع، إضافة لعدم تعاون وخوف من قبل الأهالي بالإفصاح عن معلومات أثريّة في أغلب الأحيان وذلك بسبب غياب الوعي الأثري لديهم، ولذلك فترة إنجاز الكتاب وإنهاء الأبحاث عن المدينة استمرت لمدة سبع سنوات.

أما عن مشاركاته فكانت متعددة، حيث شارك بالموسوعة السورية للآثار وهي موسوعة متخصصة صدر منها خمسة مجلدات تضمنت تاريخ التعليم، تاريخ العلوم، مدينة سراقب، مدينة سلمية، وشارك بمجلات (مجلة المعرفة تضمنت مقالات متنوعة تاريخية وتراثية، مجلة عاديات حلب، عاديات سلمية). إضافة لمشاركاته بندوات ومؤتمرات تاريخية، حماة التاريخي عام ٢٠٢٠، ومحاضرات بالمركز الثقافي ضمن المدينة وريفها.

وبالنسبة لمنهاج التاريخ المطوّر أكد أنه منهاج يحقق كل المعايير من خلال تنمية الذات والتواصل والمواطنة، وبالتالي ينمي لدى الطالب المهارة والمحاكمة العقلية والربط بين الماضي والحاضر لتطوير مستقبلنا، لاسيّما أنّ الطالب يجهل التاريخ وهذا ما لمسه قداحة من خلال تجربته في المدارس وهو أمر مخيّب للآمال، واختتم الباحث قداحة حديثه بالإشارة إلى مشاريع مستقبلية بما يخصّ التراث والتاريخ، لافتاً إلى أن سر النجاح في أي مجال هو بالعودة إلى التاريخ في أي اختصاص، وخاصة عندما نواجه مشاكل.