ثقافةصحيفة البعث

قراءة في مجموعة “العالم الثالث” لعفيف حمدان

اختار الكاتب والصحفي والقاص عفيف حمدان قصة العالم الثالث التي تشير إلى الدول النامية برمزية ثنائية المرأة والرجل التي تظهر الرجل الضعيف المتغافل عن إساءة زوجته، فتنسحب إلى قراءات متباينة، ليعنوّن بها اسم مجموعته القصصية. وقد اعتمد فيها على الراوي متعدد الأصوات، إذ يسرد بضمير الغائب مجريات القصة ويعطي فسحة لتدخل الشخصيات بالسرد عبْر الحوارات، ويعود السارد للتدخل بالتحليل والوصف وربط جسور الحبكة الدرامية. كما وظّف السارد بذكاء عناوين القصص التي بدت غريبة عن المضمون بصورة مباشرة، فبعضها تهمس به الأحداث، وأخرى تكون مفاجأة للقارئ.

الملفت بالسرد هو وقوف القاص على جزء من القصة تظهر حالة الشخصية التي تعيشها، وفي أغلب القصص تبقى النهاية مفتوحة لمشاركة القارئ بالتفكير وتخيّل النهاية. أما لغة الكاتب تتميز بتراكيب لغوية إبداعية ذات إيقاع موزون، “وجدت مخبأ تحت أكمة مشجرة حتى بزوغ الفجر”، واستخدم أسلوب الاقتباس من القرآن الكريم في مواضع متعددة “في جيدها حبل من مسد”، وأقحم الوصف بين التعبير عن المشاعر الذاتية والصراع بين الشخصيات، وتطرق إلى مسائل إنسانية إلى حد العجز والضعف.

على طرفي نقيض

وصوّر المرأة بحالات مختلفة، منها حالة الانتظار الميؤوس واقترب بمباشرة من الزمن الذي يمرّ بطيئاً في قصة “باندول” التي تسرد حكاية أنثى تتوهم قدوم الحبيب فتفرش وسائد الورد والمسك فوق السرير، وعبّر حمدان ببراعة مفرداته عن الانتظار القاتل “في أرجاء البيت المسحور، أطلقت العنان لفراشات جسدها المسجون” لتأتي النهاية التقليدية “فغفت على صوت الباندول المعلق بعقارب العمر النازل متدلياً ذهاباً وإياباً”

في قصة كابوس نكتشف دلالة العنوان في نهاية القصة حينما يعترف البطل بأنه كان يحلم بكابوس مزعج مخيف، وبالاستباق يدخلنا إلى عوالم حكاية وتفصيلات مخيفة “أذهلني النبأ وشل تفكيري… زوجتي صارت جثة” لكن الخبر كاذب افتعلته زوجته لترى ردة فعله إزاء الحدث، إلا أن الأقدار تسوقهما للوقوع في حادث “فارقت الحياة بعد أن انقصفت رقبتها” ويفاجئنا في قفلة القصة بصوت المنبه الذي يعلن انتهاء الكابوس المرعب.

العنوان الغريب “فيلم رعب” نستشف دلالاته من ثنايا حكاية امرأة هربت من قسوة زوجها وسلوكياته اللا إنسانية باستقبال عشيقاته في المنزل على مرأى من زوجته بحصولها على عقد عمل في بلاد الاغتراب، فتقرر الطلاق والخلاص من زوج منحط شرير، لكن المفاجأة القاتلة بالنسبة إليها حينما تصل إلى المطار بسرية تامة ولم تخبر أحداً بقدومها، لترى زوجها باستقبالها وتضطر خوفاً منه إلى العودة إليه ثانية، ويترك القاص النهاية مفتوحة “وها هي تعود لتجد قدرها الأرعن والطاغي قبل بزوغ الفجر، مازال بتحايله ونفاقه بانتظارها.. وكأنها على موعد مع الشؤم وسوء الطالع دوماً”.

في منحى آخر أظهر الوجه الآخر للمرأة ففي قصة “الكنة” صراع يصل إلى التشابك بالأيدي وكسر زجاج الباب من قبل الكنة رغم أنها مدرسة وصاحبة رسالة، ويظهر شخصية الزوج الذي يتحكم بالطرفين بعقلانية، ويدخل القاص حضور الحمار وتحليل رمزية صوته “نهيق الحمار” دلالة إلى التعب والمعاناة.

“جريمة السرقة” كانت حاضرة أيضاً عبْر صفحات قصة طرف الخيط، فيضعنا القاص مباشرة إزاء الحدث “ما إن سحبت المفتاح من الباب لتدخل المنزل، حتى وقفت مشدوهة لأنها لم تجد نتوء القفل الأصفر موضع المفتاح”.

من القصص المؤلمة “قصة إنسان” التي تطرق فيها إلى معاناة الأطفال المتسولين من خلال حكاية طفلين، يرمي أحدهما بنفسه على السيارة ليشعر بأنه إنسان حينما يتجمع الناس حوله، وفي الطرف الآخر يظهر حمدان معاناة صاحب السيارة الذي اشتراها بالتقسيط وتراكمت عليه الديون إرضاء لزوجته المتطلبة.

بين دفتي المجموعة يقف القاص على طرفي نقيض لقصص الحب، ففي قصة “كم معطف” نشعر بصدمة الرجل من الأنثى اللعوب، في حين تعترف الأنثى في قصة وجود بأن لا مكان لها في حياة الرجل الذي أحبته سنوات لتمسكها بالتقاليد التي تركتها أسيرة الزمن “وسكتت حبيبتي مشتتة بحيرتها تاركة بسمة يأس مضن عالقة على حواف شفتيها”.

ضمت المجموعة الصادرة عن ديار للنشر والتوزيع في تونس ثلاث عشرة قصة كانت بداياتها متشابهة باستخدام الجملة الفعلية وبالتحديد الفعل الماضي باستثناء قلة بدأ فيها بالأسلوب الإخباري والانشائي، ويبلغ عدد صفحاتها مئة وخمس عشرة صفحة.

ملده شويكاني