ثقافةصحيفة البعث

عدوية ديوب: تكريس مواسم الحصاد ثقافياً تأصيل للخير والعطاء

اللاذقية- مروان حويجة

يتجاوز الحصاد كفعل لجني الثمار عند الفنانة التشكيلية عدوية ديوب إلى طقس إنساني إبداعي احتفالي يرمز إلى الخير والمحبة والفرح ليغدو طقساً اجتماعياً يختصر الكثير من عناوين الحياة في وجوهها المشرقة النابضة أملاً وخيراً وتجدداً، ولأن للحصاد كل هذه الرموز والدلالات والإيحاءات فإن الفنانة ديوب ترصد هذه المشهدية وهي تعيش هذه الأيام أجواء الحصاد في مواسم الخير التي تجود بها أرضنا الطيبة المعطاءة، والحصاد فعل خير وفرح وأمل، والفنانة ديوب التي تمارسه هذه الأيام في بيادر الخير كمحطة من محطات الحياة تتلقفه أيضاً بحس إبداعي وجداني، ما يجعلها تراه محفّزاً ودافعاً لتكريس قيم الخير بأبهى الصور والمعاني والدلالات، تقول الفنانة ديوب: لا يكفي أن يعرف أطفالنا شجرة الزيتون على الخريطة، أو في درس الجغرافيا، أو العلوم، أو أمام البيت، ولا يكفي أن يعرفوا أن القطن محصول استراتيجي بالكتب التعليمية، ولا السمسم أو الفستق على صفحات كتبهم أيضاً، لأنه عندما نجد أن هناك من يطالب اليوم باستيراد النسيج، أو بقطع الزيتون لصالح العقارات وغيرها، فلأنهم لم يعرفوا يوماً قيمة وأهمية وضرورة هذه المحاصيل لنا، فلابد أن يعرف أطفال اليوم رجال المستقبل أن المحصول أو المنتج أو الشجرة ذات بعد اجتماعي وجغرافي حيوي وتاريخي واقتصادي وتراثي، وعلينا أن نحوّل مواسم القطاف أو الحصاد لأهازيج تُفرح وتُسعد قلوب الأطفال والكبار، وتشكّل محبة ودهشة دائمتين لديهم، وتكرّس الانتماء لهذه الأرض ولعطاياها، وليتحول المحصول أو المنتج إلى رمز مجتمعي نحتفي به ونستعد له سنوياً، وهذه وظيفة كل المؤسسات الرسمية الثقافية والتربوية والتعليمية والإعلامية، بالإضافة إلى المؤسسات الأهلية لخلق ولتكريس هذا الطقس الاحتفالي.

وترى الفنانة ديوب في الحصاد إشارة مكثفة لصيرورة عمل قد تكون طويلة أو قصيرة صعبة، مركّبة أو بسيطة وسهلة، لكنها بالمجمل نتاج لمجهود متعدد الأوجه إنسانياً، اجتماعياً، بيئياً، اقتصادياً، معرفياً وعلمياً، وبمقدار ما يُقدّم من اهتمام ورعاية ودعم لهذه الثقافة، بمقدار ما يكون الحصاد جيداً وبنّاء ومثمراً، وعائداته تجلب الخير والبركة للمجموع البشري الذي يعتنق هذا الفعل وهذه الثقافة.

وتؤكد الفنانة ديوب على تكريس معاني ودلالات وثقافة الحصاد بشكل دوري اعتماداً على المهرجانات والملتقيات والأنشطة المجتمعية، ما يؤصل ثقافة الديمومة لهذا الطقس على مستوى الأفراد والمجتمع، ويوثّق ويجسّد التراث المادي واللامادي في المجتمع، ويدفع بمجهود تلك الشخصيات العاملة والمناضلة في المجتمع إلى الأمام كرموز للخير والعطاء يفتخر المجتمع بهم ويدعمهم، ويؤكد على خصوصية وهوية هذه الرموز الوطنية والإنسانية.

وتتوقف الفنانة ديوب عند أولوية ربط الحالة المعرفية والتعليمية بذلك الطقس، ما يجعله فعلاً معرفياً وبيئياً وإنتاجياً حيوياً عالي المستوى، لاسيما في المراحل العمرية الصغيرة، وممارسة هذا الطقس في الشعر والقصة والحكاية والأنشودة واللوحة، خاصة في عالم الأطفال، وهذا يجعل منه رمزاً للدهشة وللفرح وللخير أمامهم بعيداً عن الحشو والتلقين والحفظ، مقترباً من كل ما هو إبداع وجمال، وتشير ديوب إلى أهمية تفعيل دور المؤسسات الإعلامية ودعمها لهذه الطقوس بالمتابعة والتغطية الميدانية للوقوف عند المزايا والصعوبات والتحديات، ومحاولة التخفيف منها قدر الإمكان، وتؤكد على دعوة كل أفراد المجتمع من خلال المؤسسات الحاضنة لها: مؤسسات تعليمية، معاهد، طلائع، شبيبة، اتحاد الطلبة، جمعيات، جامعات، للمشاركة الداعمة لهذه الطقوس سواء بالزيارات والعمل التطوعي، أو بالتكريم للقائمين على هذا الفعل، أو التسويق لتلك المنتجات داخل وخارج البلد.

ولدى سؤالنا الفنانة ديوب عن دور الفنان في هذا المدى الرحيب المشرق الذي يتشكّل في الحصاد، وتجسيد الفنان لهذه الحالة إبداعياً، قالت: عليه أن يرسم ويرسم ويرسم الجميع وللجميع بمختلف التقنيات والتوجهات، المعاصر منها والقديم، ويشارك من الميدان بتوثيق هذه الطقوس والتعبير عنها وعن البعد الإبداعي والجمالي لها، وذلك من خلال الملتقيات أو المهرجانات أو اللقاءات الجماعية والاحتفالية والشعبية وحتى التراثية منها في الساحات والمدن والأرياف، وهذا في أغلب الأحيان يفوق قدرة الفنان على القيام به بسبب كثرة التحديات الحياتية اليومية حالياً، فاهتمام الفنان بهذا الطقس يحتاج إلى تبنّ ودعم مؤسساتي ونقابي ومجتمعي وتآزر أعلى بين كل المعنيين والمهتمين بنشر تلك الثقافة، لاسيما أصحاب الصالات العامة والخاصة وقدرتها على التسويق والترويج لهذه المواضيع الهامة، ويساعد في دعم تجربة الفنان.

وأوضحت الفنانة ديوب أن هناك تجارب لفنانين تشكيليين في موضوع الحصاد، ومن تجارب الفنانين السوريين سابقاً تجربة التشكيلي السوري والفنان العالمي لؤي كيالي، ولوحة “قطاف القطن” 1975، وهي لوحة تعبيرية تكثّف وتؤرخ لموسم وحياة ونمط عمل وهوية جغرافية وقيم نبيلة قدّمها صانع الحياة فلاح الأرض، القطن هذا المنتج الذي تجاوز حدود الخيط ليكون مؤشر عمل ونجاح لموسم سوري ضاهى العالمية بجودة حياكته وصنعه، بالإضافة إلى لوحة “مرمّم شباك الصيد” وما تحمله من تعبير ورمزية لمهنة الصياد وموسم الصيد البحري، وأكثر ما نحتاجه حالياً في الفن، لاسيما مع الأطفال، تكريس هوية بصرية واقعية وجمالية ووجدانية عالية للفضاء الجغرافي الذي نحيا به ويحيا بنا.