اقتصادصحيفة البعث

رغم فشله في تجارب الأسواق الأخرى.. التوجه لـ”البصمة” كرادع لسوء استخدام التأمين الصحي

دمشق – فاتن شنان

حمل خبر أتمتة التأمين الصحي وربطه بـ”مشروع البصمة” الموقع حديثاً ارتياحاً كبيراً لدى الجهات المعنية، وذلك لقدرة المشروع على تقليص حالات سوء الاستخدام وضمان ضبط النفقات الطبية، ما ينعكس على ارتفاع نسبة جودة الخدمة المقدمة للمؤمن لهم، حيث نوه الخبر إلى أنه يمكن من خلال التطبيق الوصول لاستخدام التأمين الصحي بالبصمة فقط دون الحاجة إلى بطاقة التأمين.

وعلى الرغم من أهمية التطبيق وضرورته في تنظيم التأمين الصحي، إلا أنه – ومن وجهة نظر أخرى قد تختلف عن رؤية صانع القرار – يبدو أن اعتماد التطبيق في الوقت الراهن يفتح عدة تساؤلات لعل أهمها: هل بلغت نسب سوء الاستخدام درجة عالية وهدرت مبالغ ضخمة.؟ ليصار إلى تنفيذ مشروع  بمئات الملايين، بينما ينوء التأمين الصحي تحت وطأة العديد من الإشكاليات الحقيقية – والتي تلامس أسسه ومبادئه – والتي من الأولى اجتراح حلول لها ما من شأنه تطوير التأمين وارتقائه عن وضعه الحالي؟!.

جانب إنساني

بداية الأمر وجب التنويه إلى ماهية سوء الاستخدام والتفريق بينها وبين الاحتيال، فبحسب خبراء التأمين فإن سوء الاستخدام يتمثل باستخدام البطاقة سواء من المؤمن له لفحوصات أو تحاليل لا تستوجبها حالته الصحية، وهنا لا يمكن كشف الأمر كونه يندرج ضمن النوايا المبطنة لديه، أو من قبله لذويه وأقربائه وربما أصدقائه، وقد تقل النسبة بوجود البصمة الشخصية، إلا أنها لا تنعدم في ظل تغاضي الطبيب وفحصه لزوجة أو ابن المؤمن له، أو وصف أدوية غير لازمة لحالتهم الصحية بل يحتاجها أفراد الأسرة، وهنا يفشل التطبيق في تخفيض تلك الحالات، ما استوجب على أصحاب القرار التفكير باتجاه أس الإشكالية واتخاذ قرارات من الضروري تطبيقها، ولطالما تمت المطالبة بها كتشميل أفراد الأسرة بمظلة البطاقة التأمينة كيلا يلجأ المؤمن له لهذه الطرق لمعالجة أسرته، لاسيما في ظل ارتفاع أسعار المعاينات الطبية والأدوية والمعالجات بالتوازي مع انخفاض القدرة المادية للمؤمن لهم كونهم من موظفي الدولة، مع التنويه إلى أن المؤمن له يدفع أقساطه شهرياً للتأمين، لذا فحل الإشكالية تأتي بإضافة أفراد الأسرة والزوجة والتي تعود بالفائدة على المؤمن له عندما يقدم التأمين خدماته بشكل كامل وبالمقابل يعود بالفائدة على المؤسسة للتأمين ومعها وزارة المالية بارتفاع قيمة القسط أو عدد المؤمن لهم قياساً للمبدأ التأميني “الكل يحمل الكل”، وينسحب الكلام السابق على تشميل المتقاعدين أيضاً وهي الفئة الأكثر احتياجاً لتأمين صحي.

تكاليف وإرباك

وعلى الرغم من تكفل الشركة المقدمة للخدمة بتقديم البرمجيات والمعدات اللازمة للمشروع، وصيانتها وتزويد كل مزود خدمة متعاقد مع التأمين ( مشفى – طبيب – صيدلي – مخبر…) بجهاز بصمة الكتروني مرتبط بشركة الإدارة، يحمل بيانات بصمة المستفيد من التأمين، حذر مدير عام شركة إيمبا للرعاية الطبية مروان مطرجي بأن التطبيق سيؤدي  إلى انكفاء مقدمي الخدمة من مخابر ودور الأشعة  وأطباء، والأطباء بشكل خاص، لاسيما وأن الطبيب المتعاقد مع التأمين يتأفف من حامل بطاقة التأمين، فكيف سيتم الطلب من الأطباء تركيب أجهزة البصمة وتعريفها للمرضى، لاسيما أنها تتطلب  كمبيوترات مرتبطة بها وسكرتير يقوم بالعمل، والكثير من الأطباء لا يملكون أجهزة أو سكرتارية وينسحب الكلام على جميع مقدمي الخدمة، منوهاً إلى جانب آخر من الموضوع وهو تعريف البصمة، فهناك فئات كالنساء والتي تعمل أعمال منزلية دائمة تتعذر الأجهزة أحياناً عن قراءة بصماتهم، وكذلك الأطفال والمسنين وبعض المرضى قد يعانون من صعوبة تعريف بصماتهم يضاف إلى هذه الإشكالية قضية أخرى وهي انقطاع الكهرباء المستمر والذي سيعطل العمل غالباً لدى معظم أطراف العمل.

تجارب عربية

شركات الرعاية الطبية قدمت حلول في هذا المسار  كالكود السري، و “كلمة سر لمرة واحدة” والتي يحصل عليها المؤمن له بعد إدخال المعلومات من قبل الطبيب وإرسالها لمركز التخديم الذي يرسل كلمة سر على جواله وتستخدم الكلمة في الكشف على المؤمن له، وبينما تطبيق البصمة سيؤدي إلى تقليل نسبة سوء الاستخدام مبدئياً على أن تعاود الارتفاع لاحقاً باستناده إلى تجارب دول عربية كالأردن والتي تم استخدام التطبيق من قبل شركة ميدكسا في الأردن وفشلوا فيه، والسعودية التي طبقت الاستخدام وحصدت نتائج مضاعفة لاحقاً لسوء الاستخدام ومن ثم قامت بإلغائه.

نسب مقبولة

ولفت مطرجي إلى أن سوق التأمين السورية من أفضل الأسواق انضباطاً، كونها تعتمد بيانات رسمية شهرية وسنوية تتابعها هيئة الإشراف على التأمين وتنشرها، ولكن يبدو أن هناك إصرار على أن سوء الاستخدام إشكالية كبرى ويتطلب حلاً على الرغم من تراوح نسبته بين 5 إلى 7% وأحياناً أقل من تلك النسبة، وهي نسب عالمية ولا تعتبر مرتفعة مع العلم أن شركات التأمين تضيف هذه النسب على الأقساط مسبقاً، ويبدو أن النسب التي حرضت لاعتماد  تطبيق البصمة والتي بلغت 30 % لم تكن نسب سوء استخدام بل هي نسب الرفض في شركات الرعاية الطبية – بحسب كلام مطرجي – إذ يتم الرفض لعدم تغطية بوليصة التأمين للمطالبات الواردة أو تكرار الأدوية وغيرها من الأسباب ولا تعكس النسبة سوء الاستخدام، مبيناً أن خسائر المؤسسة تعود لضعف القسط الشهري مقارنة بالتكاليف الحقيقية  الراهنة،  ليؤكد مجدداً أن تطبيق البصمة لا يعتبر رادعاً، إذ يمكنه تحصيل نتائج أولية جيدة على هذا الصعيد وقد تنخفض المطالبات، ولكنها لاحقاً ستعاود الارتفاع حكماً، وهي نتيجة حتمية لكافة الأسواق العالمية التي خاضت تلك التجربة وألغتها بعد ذلك لعدم جدواها، ولدى السؤال لماذا وافقت شركات النفقات الطبية على هذا التطبيق كان الجواب بأن القرار جاء من أصحاب الشأن ولا نملك الاعتراض، حيث تندرج تحت بند التنظيم الإداري فقط، ولكنهم هم غير مقتنعون بجدواها وأهميتها في الوقت الحالي، بل هناك وسائل عديدة لإيقافه وضبطه بفعالية أكبر، كـ OTP وهو مصطلح يسمى البصمة ولكنه ليس محصور ببصمة الأصبع أو أنظمة أخرى مثل “PI   ” أي ذكاء الأعمال والتي تستطيع لفت نظر مقدم الخدمة للتجاوزات الحاصلة إن وجدت وتساعده في إنجاز عمله، وشركة إيمبا للرعاية الطبية تطبقه وهي شركة رابحة بحسب بياناتها في هيئة الإشراف على التأمين.