دراساتصحيفة البعث

الحرب الدعائية ضد حضارة مختلفة ليست مبرراً

إعداد: عائدة أسعد

لعقود من الزمن شارك السياسيون الأمريكيون في حملات تشهير ضد الصين، وتصاعدت تلك الحرب الدعائية بعد أن استولت إدارة دونالد ترامب على السلطة، وازدادت حدّتها عندما شنّت حروباً تجارية وتقنية وأيديولوجية شاملة ضد الصين. لم تغيّر إدارة جو بايدن سياسات ترامب الكارثية، وبقيت سياستها تجاه الصين تشبه سياسة عهد ترامب أكثر من رئاسة أوباما والتي تشمل الحرب الدعائية التي لا هوادة فيها ضد الصين!.

إن أسباب تكثيف حرب الدعاية الأمريكية واضحة، فواشنطن تنظر إلى الصين التي تشهد صعوداً سريعاً على أنها تحدّ لأسبقيتها في جميع أنحاء العالم، كما أن نجاح دولة ذات نظام سياسي مختلف أمر غير مقبول للسياسيين في واشنطن، وخاصة عندما يبدو النظام الأمريكي معطلاً.

والسبب الآخر هو العنصرية التي وصفها رئيس التخطيط السياسي السابق بوزارة الخارجية الأمريكية كيرون سكينر في عام 2019 بالقول: “إنها معركة مع حضارة مختلفة حقاً، وأيديولوجية مختلفة، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، وسيكون لدينا منافس قوي غير قوقازي”.

هذا الهجوم لا يعتبر مفاجئاً، فقد شنّت الولايات المتحدة حرباً دعائية ضد اليابان في الثمانينيات، لأنها كانت تنظر إلى حليفها في شرق آسيا على أنه تهديد اقتصادي. كما تشبه حرب الدعاية التي تشنّها الإدارة الأمريكية ضد الصين تلك التي كانت في حقبة الحرب الباردة، حيث تعتبر الشركات الصينية التي تمّ الترحيب بها في وقت سابق الآن تهديداً للأمن القومي، وغالباً ما يشتبه في أن الطلاب والعلماء الصينيين الذين تمّ الإشادة بهم لزيادة التنوع في نظام التعليم الأمريكي وزيادة عائداته بأنهم جواسيس، وحتى معاهد “كونفوشيوس” التي تدرس اللغة والتاريخ والثقافة الصينية يُنظر إليها حالياً على أنها مصدر تهديد في الولايات المتحدة، لكن يعتبر ذلك تناقضاً حاداً واضحاً مع أيام أوباما، حيث تمّ تشجيع الطلاب الأمريكيين على دراسة اللغة الصينية في إطار مبادرة “100000 قوي”.

جدير بالذكر أن وسائل الإعلام الصينية ليست محصّنة ضد حملة الكراهية الأمريكية، ولم ينجح عضو الكونغرس الأمريكي السابق دانا روهراباشر عن ولاية كاليفورنيا لسنوات في تقديم مشاريع قوانين لقمع الصحفيين الصينيين المقيمين في الولايات المتحدة، لكن ذلك تغيّر عندما أجبرت إدارة ترامب وسائل الإعلام الصينية على التسجيل كعملاء أجانب بموجب قانون عفا عليه الزمن في عام 1938، كما قامت الولايات المتحدة بترحيل عشرات الصحفيين الصينيين وجعلت تجديد التأشيرات لمن يقيمون في البلاد تجربة مروعة.

إن الفضل في حرب الدعاية ضد الصين يعود لوزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، وهو يعتقد مثل وزير الدعاية النازي جوزيف جوبلز أن الكذبة التي تتكرر كثيراً تصبح حقيقة. من هنا أصبحت المنافذ الإخبارية الأمريكية شريكاً راغباً في تلك الحرب الدعائية، ومعظمها لا تهتمّ بالتحقق من الحقائق عندما تكون المعلومات المضلّلة تتعلق بالصين خوفاً من مهاجمتها لانحيازها إلى جانب الصين في مناخ واشنطن السياسي الجديد.

إن حرب الدعاية الأمريكية خطيرة للغاية، فقد زرعت بالفعل بذور سوء التفاهم وانعدام الثقة بين البلدين، مما يجعل التعاون الثنائي والمتعدّد الأطراف أكثر صعوبة ولاسيما في القضايا العالمية الحرجة مثل تغيّر المناخ، وعدم انتشار الأسلحة النووية، ووباء كوفيد-19. لذلك فقد حان الوقت للولايات المتحدة لتصحّح أخطاءها من خلال إنهاء الحرب التجارية، وحرب التكنولوجيا، وكذلك الحرب الدعائية ضد الصين.