ثقافةصحيفة البعث

في مهرجانها الثقافي السابع.. دار الفكر رسالة نبيلة وثمار شهية

يتفق أهل العلم على أهمية نهل المعرفة منذ سن مبكرة، لما له من قدرة سحرية على صقل المهارات وتنمية القدرات، والطفل بطبعه كائن نهم للتعلّم، ويختلف عن البالغ بمقدار فضول يكاد لا يجد قعراً، ومن هنا تأتي ضرورة توجيه هذا الفضول ورعايته لتربية جيل قادر على النهوض بأمته إلى “بروج العلا”، إذ إن هناك علاقة طردية ما بين خلفية النشء المعرفية وتطور أمته.

من بين الجهود الجبارة المبذولة في سورية يبرز دور دار الفكر في توفير بيئة حاضنة لمواهب الأطفال وتنميتها، إذ عمد مؤسسها محمد عدنان سالم إلى تخصيص حصة من إيرادات الدار لرعاية الطفل، هادفاً إلى بناء إنسان يملك من المهارات ما يؤهله للنجاح والمشاركة في رفع راية سورية، أرض الحضارات. وتشجيعاً لجهود مريدي العلم اليافعين، أقام دار الفكر حفلاً في دار الأسد للثقافة والفنون لتكريم الفائزين في مسابقة دار الفكر للقراءة والإبداع 2021، بالتعاون مع وزارة التربية، وكان اللافت في الحفل عدد المشاركين في المسابقة الذي تجاوز الخمسة آلاف متسابق في القراءة واللغة الفصحى والمناظرات الشعرية وتأليف القصة والخط العربي.

العلم في الصغر

لم يخف وزير التربية د. دارم طباع سعادته بما حصد دار الفكر من ثمار، لافتاً إلى أهمية القراءة في بناء شخصية الطفل، وإلى مكانة الدور الذي تقوم به الدار لإنشاء جيل محب لثقافته ولغته، ومتجذر في وطنه، إذ إن المخزون الأكبر من الثقافة يتأتى في مرحلة الطفولة، وهنا تتمركز رسالة دار الفكر الثمينة.

من جانبه، أكد حسن سالم في كلمة دار الفكر أن رسالة المؤسسة تتمثّل في نشر الثقافة، وتشجيع المشاركات، وإقامة مسابقات دورية، والاهتمام بالفئات العمرية كافة، واستشرف مستقبلاً مشرقاً لسورية، ولم لا، وهذه “ألمانيا ونظيرتها اليابان” اللتان خرجتا من رماد الحروب ماردين يُحسب لهما حساب. وذكر أن المؤسسة تهتم بمنحيين: الأول هو القراءة، فتذكر نصيحة والده محمد عدنان سالم: “القراءة أولاً،وأولاً”، والثاني هو اللغة العربية التي اعتبرها لغة الثقافة والعلم وأم لغات العالم، ما جعلها هدفاً لأعداء الأمة الذين يحاولون طمس جمالها وإبعاد أبنائها عنها.

معايير قاسية

وتحدث بسام مطعّم من القسم الإعلامي في الدار عن المسابقة، وعدد المدارس المشاركة المتنامي على مر السنين، وتناول معايير وشروط المسابقة بحسب الاختصاص، حيث تقرر لجان متخصصة إن كان المشارك مؤهلاً بعد تجاوز المراحل كافة ليصل إلى مرتبة الفوز، ليتمتع بامتيازات عن غيره، أهمها منح شهادة تقدير، وحسومات على الكتب، وغيرها من المنتجات التي تقدمها الدار، إلى جانب تخصيص يوم له للقراءة المجانية، و”كوبون” استعارة لمدة عام.

ومن خلال الحديث مع إبراهيم عبد الله، عضو في لجان تحكيم الشعر، بيّن أن ثمة إقبالاً شديداً لم يكن متوقعاً في اختصاص الشعر، وترتب على ذلك وضع معايير قاسية لاختيار الأمهر في تقديم الشعر بدقة وسرعة دون أخطاء، والغاية هنا ليست المسابقة بحد ذاتها، وإنما إغناء الطفل بحصيلة لغوية كبيرة تمكّنه من لغته.

مكرّمون

كل عام تكرّم دار الفكر عدداً من الشخصيات الفاعلة التي شاركت في نشر رسالتها، وكان نصيب هذا العام لشخصيتين بارزتين كان لهما أثر بالغ لدى الأطفال والمؤسسة على حد سواء، وهما: د. نزار أباظة، والمعلمة ميساء السقا.

وأعرب د. أباظة، وهو ابن الدار منذ خمسة وعشرين عاماً، عن اعتزازه بهذه المؤسسة العريقة التي نجت إلى يومنا بالرغم من كل العوائق والتحديات، مبيّناً أنها ليست مجرد دار نشر، فهي تهتم بفعاليات كثيرة جداً، وتعمل على نشر الثقافة بأشكالها، ولفت إلى اهتمام طلاب العلم الكبير، واندفاعهم كل عام، وتزاحمهم للاشتراك بالمسابقة، وبأعداد كبيرة، وهذا يضيء بدوره على نجاح الدار في نشر رسالتها.

ورأت المعلمة ميساء السقا، التي تشغل رئيس مجلس إدارة جمعية الوئام السورية للنساء الكفيفات، أن تكريم الدار لها شرف كبير، وقالت: “أنا أسعى دائماً إلى تقديم نماذج ناجحة من أمثالي من الكفيفات، لأن نجاحهن هو نجاحي، وكان هذا اليوم مميزاً جداً، لاسيما أنني درست في معهد التربية الخاصة لتأهيل وتعليم المكفوفين لفترة طويلة، ودرست اللغة العربية في معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ولي محاولات في التأليف والكتابة”.

ثمار أينعت

تفخر دار الفكر بما قطفته هذا العام وكل عام من ثمار نضجت بإبداع له ألوان وطعوم وروائح متنوعة، كان لحمها وعصيرها اللغة العربية، وهذا ما يتذوقه المرء ويشتمّ عبقه عند الوقوف أمام الأطفال الفائزين الذين كان فيهم من حفظ أكثر من أربعمئة بيت شعر، ومن ألّف قصصاً استقاها من واقعه، إلى جانب إبداعات أخرى، لكن الأجمل أن جميعهم اتفقوا على جمال اللغة العربية بجميع مكوناتها، فهي “أم اللغات، وتعبّر عن انتمائنا وهويتنا وشخصيتنا، كلما تعمّق الإنسان فيها زاد عشقه لها”.

علاء العطار