مجلة البعث الأسبوعية

شارع بارون.. حكاية بلا نهاية!

البعث الأسبوعية- غالية خوجة

 

لم تسكت شهرزاد عن الكلام المباح، هذا ما يؤكده شارع بارون بحلب وأنت تمشي فيه زائراً أو سائحاً، ولابد لذاكرة هذا الشارع أن تظهر لك يوماً بهيئة شهرزاد وهي تحكي عن تأريخها حكاية بلا نهاية، خصوصاً وأن هذا الشارع من أهم معالم مدينة حلب القديمة والمعاصرة رغماً عن كل إرهاب.

فخامة الذاكرة

لهذا الشارع ذاكرة عريقة من الحركة التجارية والسياحية والأثرية والفخامة المركزية في مدينة هامة استراتيجياً واقتصادياً محلياً وعربياً وعالمياً، وكان لا يقل أهمية عن بعض المعالم مثل الداون تاون دبي التي يقع فيها برج خليفة، أو ساحة برج إيفل في باريس، أو ساحة برج بيزا في إيطاليا. ومن هذه الذاكرة العريقة نلاحظ حضور فندق بارون الذي يزيد عمره عن قرن من الزمان، قريب من متحف حلب الوطني، وساعة باب الفرج، ثم قلعة حلب، ويشتهر هذا الفندق بطرازه المعماري العريق، الذي أضاف له الأخوان مظلوميان طابقاً آخر، كما يشتهر بحضوره في المشهد التراثي الحلبي كموقع استراتيجي للمواقف الوطنية، ولذلك سمي الشارع باسمه بعدما كان يسمى بشارع غورو.

لقد أقامت في هذا الفندق شخصيات عديدة، منها الرئيس الخالد حافظ الأسد عندما كان وزيراً للدفاع، والرئيس جمال عبد الناصر الذي أقام فيه أيام الوحدة بين سورية ومصر، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الإمارات العربية المتحدة، كما ألقى الملك فيصل خطاب الاستقلال من شرفة إحدى غرفه وذلك بعد الثورة العربية الكبرى، وأقام فيه كل من رائدي الفضاء يوري غاغارين، وفالنتينا تيلشكوفا، إضافة للورانس العرب، والروائية آغاثا كريستي وزوجها المستشرق الباحث ومنقب الآثار ميتر ماكس فالوين.

فلافل من الفيحاء إلى الشهباء

من مختلف جهات هذا الشارع وحاراته تطل علينا المقاهي والمطاعم، ومنها مطعم فلافل الفيحاء الشعبي الذي أسسه الحاج محمد الشريف جزائري منذ 1950 ميلادية، وأصبح معلماً شهيراً من معالم شارع بارون، واختار له مؤسسه اسم الفيحاء كناية عن دمشق التي جاء منها إلى حلب، ومن دلالة أخرى للمعنى، انتشار رائحة الفواح العطرة، ورائحة التوابل، إضافة إلى معناها المتسع كدار واسعة مزدانة بالنباتات والأشجار والاحتمالات الخضراء، ورغم الحرب الإرهابية العشرية على سورية، استمر المطعم بإطلالته المتوارثة من زاويته القريبة من مقر فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب، واستمرت حكايته القديمة تدور حول شخصيات الأجداد التي يجسدها الأبناء ثم الأحفاد، فمنذ المؤسس الأول الحاج محمد الشريف جزائري (1926-2013)، بدأت نكهة الفلافل بالانتشار في حلب، ويعود نسب هذا الرجل إلى الأشراف من آل البيت الكرام، أمّا لقبه جزائري فيرجع إلى جده أحمد الذي هاجر مع الأمير عبد القادر الجزائري إلى دمشق عام 1889م، وحارب مع أبناء جيله الاحتلال الفرنسي بالحجارة، وواجه المحتل مع شباب وثوار الميدان والشاغور، وعانى من اليتم، فوالده مصطفى توفي وهو في عمر السابعة، وبعدما توفيت أمه انتقل من دمشق إلى حلب عام 1948، بينما ما زال أولاده يواصلون مسيرته محافظين على تراث هذا المطعم بعاداته وطقوسه المفتوحة على كرم الاستقبال والجودة وحسن الضيافة، ولذلك، ترى الناس يزدحمون على الطاولات، وعلى كوة الشراء، أمّا  العابرون فيثقون بكرم القائمين على مطعم فلافل الفيحاء، فيمدون أيديهم إلى الطاولات لتناول ما يشاؤون من المخللات والفليفلة الخضراء وما يضعه أصحاب المطعم على الطاولات.

بطل سورية ومحكم دولي

المتابع لأجواء المشهد الحياتي الحلبي، لابد وأن يلاحظ كيف أعاد هذا المطعم الحركة النشطة إلى كل من شارع بارون والعبّارة وشارع القوتلي وباب الفرج والمناطق القريبة، وأصبحت الحيوية ميزة يومية، والمفاجأة أننا اكتشفنا بطلاً سورياً رياضياً شهيراً يدير المطعم هو محفوظ الشريف جزائري ابن مؤسس فلافل الفيحاء، الذي عرّفنا عن نفسه: مدرب أكاديمي رياضي في الكاراتيه، كابتن وحكم دولي رياضي، ثم أخبرنا عن نكهة الفلافل التي يصنعها هذا المطعم من خلطة خاصة ومميزة، وعلامة مسجلة للاسم، وكيف توقف المطعم عن العمل في ظل الحرب إلى أن تمّ الإقلاع عام 2021، بعدما كان معروضاً للبيع، لكن الورثة اجتمعوا وأعادوا افتتاحه، لأنه من ذاكرة وتراث حلب.

وتابع: منذ اللحظة الأولى لإعادة الافتتاح، لاحظت أن أغلب الزبائن هم من زبائن الوالد رحمه الله، ولهم ذكرياتهم التي يتحدثون عنها، فمنهم من أكل في هذا المطعم قبل 30 عاماً، وكان يأتي مع أهله، والآن، يأتي مع أبنائه وأحفاده، ويؤكد الرواد السابقون أن ما يتذوقونه اليوم هو الطعم ذاته الذي تذوقوه قبل عشرات السنين، مع فارق السعر الطبيعي لأن ثمن “الصندويشة” الواحدة كان أيامها ربع ليرة سورية. واستعاد مستذكراً ما حدث مع أبيه حينما سأله بعض الحلبية: من أين أتيت بهذه الأكلة الرخيصة والطيبة، لأننا أهل حلب لا نأكل إلاّ الكباب واللحم والكبب؟ فأجابهم والدي الملقب أبو الشام: سيحبها جميع أهل حلب.

وأضاف: وبالفعل، اشتهر المطعم بجودته وعراقته وتراثه وهو مذكور في أغلب كتب السياحة التي تتحدث عن حلب ومنها كتاب السياحة العالمي، فما أجمل أن يشعر الإنسان بإنسان آخر يأكل وهو مرتاح وسعيد وواثق بما يأكله، ويدعو لصاحب المطعم: ليرزقك الله، ويبارك لك.

الروح الرياضية حياة

وعن العلاقة بين الروح الرياضية والبنية الاجتماعية وثقافة الطعام كحضارة، أكد: نتيجة حضوري في أكثر من مجال رياضي وسياسي واجتماعي، ومنها وجودي أثناء افتتاح الجامع الأموي بحلب عام 2006 بحضور السيد الرئيس بشار حافظ الأسد، وكان لي شرف اللقاء به، وجدت أن تجربتي الاجتماعية المتعددة عامل من عوامل الاندماج مع الناس في هذا المطعم، إضافة لدراستي في مجال إدارة الأعمال وإدارة الموارد البشرية كوني خريج جامعة حلب – كلية التجارة والاقتصاد، فدمجت هذه الخبرة مع خبرتي الرياضية التي منحتني روحاً رياضية تستوعب تحولات النفس الإنسانية، والتغلب على جميع الصعوبات الحياتية، وهذا ما تؤكده مقولة الرئيس الخالد حافظ الأسد:”إني أرى في الرياضة حياة”، وأضاف إليها السيد الرئيس بشار الأسد عندما قال:”الرياضة أسلوب حياة”، وهي منهجية حياة وشعارها “الأمل بالعمل”، وبهذه الثقافة تصبح العلاقة مع الذات والآخر أكثر حضارية.

رسالة المحبة قيادة بالفطرة

ورأى جزائري أن هناك تشابكاً ثقافياً بين الروح والجسد والأخلاق، لأن هذا التشابك من يومياته المتواصلة التي بدأت مع تواجده في المطعم مع أبيه سواء بعد المدرسة، أو الجامعة، أو التمرين، أو التدريب، أو اجتماعاته في المحافظة، ولا بد من الابتسامة لإيصال رسالة المحبة للجميع، لذلك، لا بد من تقديم هذه الوجبة الخفيفة بأسلوب رياضي اجتماعي محبب لأغلب قلوب الناس، للوصول لأفضل النتائج في العمل والرياضة والحياة، لذلك أنا مدعو حالياً لأكون رئيس جمعية المطاعم في حلب، وأؤكد بأن كل رياضي هو قائد ناجح، ومثالي الرفيق أحمد منصور أمين فرع الحزب بحلب فهو حكم دولي في رياضة السلة، وقائد رياضي ناجح، ومتسلم القيادة السياسية في حلب، وكذلك فراس معلا بطل عالمي وسبّاح واستلم رئاسة منظمة الاتحاد الرياضي العام، لذلك الرياضيون يصلون لمناصب قيادية على مستوى القطر، لأنهم قياديون بالفطرة، لكن تصقلهم الحياة.

واختتم الكابتن محفوظ جزائري قائلاً: أجد نفسي في ساحات التدريب، ومن المفترض أن يكون التدريب الداخلي مادة أساسية في الكليات الشرطية والحربية من أجل إيصال كافة العناصر إلى مهارات قتالية فنية عالية، وهذا التدريب قادني إلى اتساع التعامل مع البنية الاجتماعية بكافة أطيافها بأسلوب فني متناغم مع مرونة الروح الرياضية، وهذه بحد ذاتها ثقافة لا تكتمل إلاّ مع انتهاج كل منا “العمل بالأمل” لأنه لا حياة دون عمل وأمل.

بطل سوري في الفنون القتالية

ولمزيد من التعرف على هذه الشخصية الرياضية التي استطاعت التغلب عل كافة الصعوبات الحياتية الراهنة، وساهمت في تدريب كتائب البعث بين عامي 2011 و2017، أي ليوم انتصار حلب، نذكر أن محفوظ جزائري حاصل على دبلوم دولي في التدريب والتحكيم كاراتيه طوكيو 2008، خريج الأكاديمية الأولمبية السورية بدرجة محاضر في القانون الدولي كاراتيه، رئيس لجنة الحكام الرئيسية العليا للكاراتيه بسورية بين 2017 و2021، وتمّ خلالها إعداد حوالي 400 حكم على مستوى القطر، واستلم 17 حكماً منهم، وكان عضو مجلس محافظة حلب دورة 2003-2007، وهو أقدم حكم دولي في سورية مصنف في الاتحاد الدولي للكاراتيه ابتداء من عام 2002 مدريد أستراليا، ، حكّم أكثر من 20 بطولة على مستوى العالم، كما زار عدة دول في العالم كمحكم دولي منها فرنسا، فنلندا، هيلسينكي، المغرب، ماليزيا، تركيا.

كما أقام عدة دورات في مصر بين التدريب والتحكيم على مستوى أكاديمي بإشراف أنطونيو أوليفا المدرب العالمي المعتمد للاتحاد في الكاراتيه، وسافر إلى دول أخرى منها مصر، السعودية، الإمارات ـ دبي، وأيضاً، حضر في أماكن أخرى على مستوى الشرق الأوسط ممثلاً لسورية بصفته حكماً دولياً، إضافة إلى حيازته لبطولة الجمهورية العربية السورية أكثر من مرة في القتال الفردي-الوزن الحر، وحالياً، مدرب للفنون القتالية وحماية الشخصية كاراتيه لدى مدرسة الشرطة بحلب.