دراساتصحيفة البعث

خطة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية قد تذهب أدراج الرياح

ريا خوري

بعد أن وصلت إلى نسبة 4.8% في هذا العام 2021، قدّمت المفوضية الأوروبية خطتها لرفع النمو في منطقة اليورو معوّلة على 4.5% في العام القادم 2022. وبيّنت المفوضية الأوروبية في بيان لها أنّ انتعاش الاقتصاد الأوروبي سيكون أسرع مما كان متوقعاً بفضل تحسّن الوضع الصحي بشكل عام، والرفع السريع للقيود المرتبطة بمكافحة فيروس كوفيد-19.

كما أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء في الاتحاد الأوروبي “يوروستات” أن اقتصاد منطقة اليورو انكمش بوتيرة أقل كثيراً مما كان متوقعاً في الربع الأول من العام الجاري 2021 مع زيادة المخزونات والاستثمارات، مقابل انخفاض الإنفاق الاستهلاكي. وأكد “يوروستات” أن الناتج المحلي الإجمالي في دول منطقة اليورو البالغ عددها تسع عشرة انكمش إلى نسبة 0،3% على أساس ربع سنوي، ليسجّل انخفاضاً بـنحو 1،3% على أساس سنوي حيث تتمّ مقارنته مع تقديرات قبل ثلاثة أسابيع بنحو 0،6% حتى وصل إلى 1.8% على التوالي. أما انكماش الناتج المحلي الإجمالي فقد جاء بزيادة 3% بعد انخفاض 6% وذلك على أساس فصلي في الأشهر الثلاثة السابقة، مما يعني أن اقتصاد منطقة اليورو كان من الناحية الفنية في ثاني ركود منذ بداية جائحة كورونا.

خطة الاتحاد الأوروبي لا تخلو من كونها مجازفة كبرى بكل المعايير، فبعد إجراء العديد من المفاوضات المكثفة، وافقت الكتلة على إصدار ديون مشتركة لأول مرة على الإطلاق، وذلك بهدف تمويل جهود التعافي والخروج من الأزمة والمرونة ضمن إطار الصندوق المشترك الذي سيقدّم المنح المالية والقروض طويلة الأجل لدول الاتحاد الأوروبي بهدف بناء الأنماط الاقتصادية المستدامة، وإصلاح الاقتصادات الراكدة داخل الكتلة، لكنه وعلى الرغم من أن كل الثناء الذي يستحقه الصندوق المشترك الجديد، فإنَّ الحكم على نجاحه سيكون من خلال النتائج التي يقدمها ويمكن أن تجني ثماراً وافرة.

الأوروبيون ومن خلال خبرتهم الكبيرة يتوقعون نتائج إيجابية وليس فضائح، فمن غير الممكن أبداً أن تنتهي الحال بالأموال المخصّصة للخروج من الأزمات في الاتحاد الأوروبي إلى التسرب لمصلحة مخططات احتيالية على نطاق واسع، بحيث ستتضرّر فكرة الصندوق المشترك وتؤثر على آفاق الاتحاد المالي الأوثق والأكثر قوة إذا كان كل ما يتذكره الأوروبيون ويقومون به من جهود التعافي هو أن الأموال ذهبت إلى جيوب سياسيين كبار متنفذين فاسدين، أو مسؤولين لا يتمتعون بالنزاهة  والأمانة والمسؤولية.

منذ البداية كان البرلمان الأوروبي يدرك هذه المخاطر الجمّة عندما أنشأ صندوق التعافي والمرونة، أي الصندوق المشترك، ونتيجة لهذا فإن النص القانوني الذي يحكم توزيع الأموال يتضمن التزامات صارمة بشأن رفع التقارير والمعلومات الموثوقة والشفافية الكبيرة، فضلاً عن القيام بأدوار إشرافية “كونترول” أساسية لهيئات المراقبة في الاتحاد الأوروبي، بما فيها تضمين المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال والتهرب من المسؤولية والفساد المالي والإداري، ومكتب المدعي العام الأوروبي الذي تمّ تشكيله لهذا الغرض والذي بدأ تشغيله حديثاً، ومحكمة المدققين والمحاسبين الأوروبية.

كان هذا الصندوق المشترك نتيجة لقضية سابقة وهي اختلاس إعانات الدعم المقدّمة من الاتحاد الأوروبي والتي احتلت مكاناً بارزاً بين القصص الإخبارية التي انتشرت في مختلف أنحاء القارة الأوروبية، ففي العام 2018 أكدت التحقيقات المتواصلة مقتل الصحفي يان كوتشياك وخطيبته مارتينا كوشنيروفا اللذين قاما بتحقيق أجرياه في إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي في سلوفاكيا، وفي العام التالي، استقال عدد كبير من الوزراء في الحكومة البلغارية بعد الكشف عن ضلوعهم في سرقة أموال هائلة مخصّصة للتنمية الزراعية تابعة للاتحاد الأوروبي من أجل شراء عقارات ومعدات ومستلزمات العمل الزراعي. أما في المجر، فقد كشف مكتب مكافحة الاحتيال والفساد الإداري والمالي التابع للاتحاد الأوروبي عن مخالفات خطيرة في مشروع نقل بقيمة مليار وسبعمائة مليون يورو، إلى جانب عقود أخرى جرى التفاوض عليها مع مسؤولين كبار لتوفير إنارة الشوارع في البلاد.

اليوم يبدو الوضع أشدّ خطورة من السابق لجهة أن الاتحاد الأوروبي يقوم حالياً بالتوسع في ميزانيته المالية إلى مستويات تاريخية، وذلك بالتزامن مع ارتفاع مخاطر الاحتيال والفساد والاختلاس، حيث ينفق الاتحاد الأوروبي الآن أموالاً طائلة جداً، لكن المؤسّسات اللازمة للحفاظ على مصداقية نفقاته ومراقبتها تفتقر إلى التمويل المالي الكافي، وبالتالي يمكن لخطة عام 2022 أن تذهب أدراج الرياح.