مجلة البعث الأسبوعية

هموم الرياضة على بساط البحث… المؤتمرات الرياضية كشفت المستور والاتجاه نحو التخصص خير الأمور

البعث الأسبوعية- ناصر النجار

أصدرت اللجنة المؤقتة لاتحاد كرة القدم جدول مباريات مسابقة كأس الجمهورية للموسم 2021/2022، بمشاركة هي الأوسع قياساً على السنوات العشر السابقة، 61 نادياً من الدرجات المختلفة ثبتت مشاركتها هذا الموسم، وفوجئ الجميع بمشاركة فرق عديدة من محافظات مختلفة، وربما كانت بعض الفرق مجهولة نسمع باسمها للمرة الأولى.

هذا الموضوع شائك ومعقد ومستغرب من حيث مشاركة فرق لا تجد أدنى مقومات وجودها ولا نجد أي تدخل مسؤول تجاه الزحف الأعمى نحو كرة القدم التي أهلكت أنديتنا وأفلستها، والقضية ليست ممارسة بقدر ما الجدوى والفائدة منها وخصوصاً أن كلفة المشاركة تبلغ أكثر من ثلاثة ملايين ليرة لقاء مباراة واحدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن فرق ريف دير الزور ستأتي من أقصى الشرق لتلعب مبارياتها في حمص وحماة، فكم ستكلف رحلة الفريق الواحد لهذه المباراة إضافة لتكاليفها الباهظة؟.

رئيس اللجنة التنفيذية في دمشق مهند طه في أحد مؤتمرات أندية دمشق كان قال على العلن: كرة القدم تأكل الأخضر واليابس وتذهب بكل الإيرادات المالية وتقع الأندية من خلال نفقاتها الباهظة تحت العجز والدين، ولو خيرت لما أبقيت في دمشق إلا ناديين فقط يمارسان كرة القدم (الوحدة والمجد) باعتبار أندية الهيئات مستقلة لا تتبع لدمشق وباقي الأندية عليها الاعتناء بالمدارس الكروية والعمل على تنمية كرة القدم من خلالها وبيع اللاعبين وهي بذلك تحصل على هدفين، أولهما مالي من خلال بيع اللاعبين الموهوبين وثانيهما: تساهم في بناء كرة قدم وفق الأصول بعيداً عن زحمة المنافسات والنقطة والصعود والهبوط.

هذا الموضوع يقودنا إلى أمر مهم وهو متعلق بالأندية، فعملية ترخيص الأندية على أي أساس تتم؟، الجواب جاءنا على الشكل التالي: من أهداف المنظمة الانتشار في كل الأراضي السورية وبالتالي يمكن الموافقة لأي قرية أو تجمع سكاني على تأسيس ناد رياضي.

هذا الكلام بالمطلق مقبول ومنطقي، لكن من غير المنطقي أن تتوجه هذه الأندية وتزحف نحو كرة القدم ولا تملك الإمكانيات لذلك من ملاعب وكوادر ولاعبين ومال.

ونحن نلاحظ أن فرقاً قديمة بمجال كرة القدم ما زالت تستعين بلاعبين من خارج المنطقة لاستكمال فرقها كالضمير ومعضمية الشام وجرمانا وخطاب ومورك وقمحانة وغيرها كثير، فكيف بنا بقرى تريد ممارسة كرة القدم وهذه الأندية لا تملك مقومات وجودها فنرهقها بكرة القدم؟ وإذا اعتبرنا أن اللعبة شعبية ولها روادها ومحبيها فيمكن ممارستها كترفيه ونشاط شعبي وليس كنشاط رسمي مكلف ومرهق مالياً، ويمكن كما قيل الاتجاه نحو المدارس الكروية من أجل استيعاب أبناء المنطقة والكشف عن الموهوبين منهم وهو السبيل نحو امتصاص شغف كرة القدم.

الاتجاه نحو كرة القدم أفلس أندية كبيرة فكيف بالصغيرة والفقيرة، ولو كان الانتشار مجدياً لوجدنا الكرة السورية بخير ولوجدنا الدوري قوياً وفاعلاً، وللأسف فإننا لا نعرف كيف ندير الرياضة وكيف نوجه الأندية وخصوصاً الحديثة منها.

والحق هنا على اللجان التنفيذية في المحافظات التي عليها توزيع الألعاب حسب قدرة الأندية وحسب الإمكانيات المتاحة وعدم السماح للأندية بالانتساب إلى اتحاد كرة القدم إن لم يكن هذا النادي يملك المؤهلات لتحقيق قفزة كروية، والفكرة أننا نريد ممارسة كروية فاعلة وليست هامشية تكون باباً للإنفاق والهدر، ولنا في نادي سلحب مثال عندما اختص برفع الأثقال فنال ميدالية أولمبية ولو اختص بكرة القدم لما رأينا معن أسعد وغيره يمارسون هذه اللعبة الذهبية.

الملاحظ أن الأندية الكبيرة بدأت تتهاوى بعد أن أعلنت إفلاسها بشكل رسمي ونلاحظ أن أندية كبيرة تسيرها لجان مؤقتة كنادي حطين والكرامة والوحدة ولم تستطع القيادة الرياضية إيجاد أي إدارة لنادي بردى منذ أكثر من عشرة أشهر، هذا في الظاهر أما في الباطن فإن الكثير من الأندية تعيش على الإنعاش وقد تلحق بغيرها وقد تكون الأشهر القادمة فاصلة في مسيرة هذه الأندية عندما يحين وقت الدفع وتنفيذ العقود.

فالأخبار الواردة أن العديد من الأندية وقعت عقوداً آجلة الدفع لمدربيها ولاعبيها ولشركات التجهيزات الرياضية وغيرهم وهي لا تملك المؤنة المالية لتغطية هذه العقود وستعيش تحت رحمة المحبين والداعمين.

أدنى المقومات

كل ماسبق أكدته المؤتمرات السنوية للأندية الكبيرة التي كشفت المستور وعرت حقيقة رياضتنا، وبغض النظر عن إن الهموم والطلبات والشكاوى لم تتغير منذ أكثر من ثلاثين سنة فإن الواقع يرخي بظلال سوداء على واقعنا الرياضي ونخشى أن نقول: لا يوجد أمل!، أبناء الأندية للأسف ما زالوا يطالبون بحذاء رياضي وكرات للتمرين وبدلة كاراتيه وقميص للتمرين!!

فإذا كانت أنديتنا غير قادرة على تامين أبسط الوجود الرياضي، فبأي كلمات يمكننا أن نصف هذه الأندية؟، وهذا الكلام يخص الأندية الكبيرة التي تملك المقرات الضخمة والمنشآت والملاعب والصالات والاستثمارات فكيف بنا بالأندية التي لا تملك إلا اسمها؟

المشكلة في الإجابات التي كانت أمرّ من الواقع، أحد القيادات الرياضية قال في أكثر من مؤتمر: أتمنى أن ترتقوا في طروحاتكم وأن تبتعدوا عن سفاسف الأمور!!

ونحن بدورنا نسأل هذا القيادي: ماذا تريد من اللاعبين والكوادر أن يطرحوا في المؤتمر إذاً؟،فهذه همومهم وهذه مشاكلهم يطرحونها لإدارة النادي على مرأى ومسمع من القيادة الرياضية علّها تكون قادرة على الحل إن لم تكن الإدارات قادرة على تأمين المستلزمات.

لكن الجواب المدهش أكثر كان باتهام إدارات الأندية بسوء الإنفاق، وبالفعل هذا سبب مهم، كل أنديتنا تعاني من سوء الإدارة المالية وذلك لأسباب متعددة: السبب المهم أنها غير اختصاصية بالإدارة المالية، وإستراتيجيتها تعتمد على مبدأ: أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، وهذا الكلام باطل من أساسه، لأن الأندية ليس لها استراتيجية رياضية ليكون لها استراتيجية مالية.

والحل الذي يجب أن يطبق في هذا الإطار له ملامح مثل أن كل ناد بالدرجة الممتازة قبل أن يشتري اللاعبين ويوقع العقود يجب أن تكون ميزانيته تسمح له بإبرام العقود التي سيوقع عليها، وأن تكون هذه الميزانية موجودة بالبنك، لكن نجد أن أغلب استثمارات أنديتنا في اكبر الأندية لا تتجاوز نصف المليار ونجدهم يوقعون عقوداً بمبالغ تتجاوز هذا الرقم بكثير ناهيك عن النفقات الضرورية للمشاركة بالدوري من سفر وإقامة وأجور مباريات وما ينجم عنها من عقوبات وغيرها ورواتب موظفين، لذلك نجد الأندية ميزانها خاسر لأنها تتعامل مع الواقع بالأحلام.

أندية أخرى تعتمد على الداعمين وهذا يعني أنها تعتمد على أرضية هشة، فعندما ينسحب الداعم يتهاوى النادي وهذا ما حدث في أندية حطين وجبلة والكرامة والاتحاد والطليعة والنواعير وحرجلة، وتبدأ إدارات الأندية بالبحث عن داعمين جدد أو عمن يقرضها المال لتتابع الموسم، ولا يغرنا أن العديد من الأندية تقف على رجليها الآن، فأغلبها مديون بمبالغ كبيرة وفي أي لحظة قد يطالب الدائنون بمالهم فتنهار الأندية، وهذه رسالة تحذيرية ليست أكثر.

ربما الأندية معذورة بالجانب المتعلق بالأسعار التي ارتفعت كثيراً، لكننا نسأل من المسؤول عن بقاء قيم الاستثمار كما هي؟ وإذا كانت الحكومة أقرت بالزيادات سواء على الحاجيات أو الرواتب، فلماذا هذه الزيادات لم تشمل المستثمرين في الرياضة؟ أليس في هذا الموضوع حلقة مفقودة؟ وإذا كانت الحجة أن العقد شريعة المتعاقدين، فإن هذا البند له حلول قانونية، فعندما تتغير أسعار السوق على الجميع تتغير كل القيم، فعندما يرفع المطعم (مثلاً) ثمن الوجبة من خمسة آلاف إلى خمسة وعشرين ألفاً عليه أن يرفع بدل الاستثمار خمسة أضعاف، ومثله مستثمر الصالات والمسابح وغيرهم، لكن المستثمرين تمسكوا بقانونية عقودهم ورفعوا أسعارهم كما يحلو لهم، فزادت أرباحهم وانتعشت صناديقهم، وبقي النادي الخاسر الوحيد في هذه الصفقات أمام مرأى وسمع القائمين على الرياضة.

التخصص مطلوب

ربما هذا الموضوع يقودنا إلى التخصص الرياضي، وما طرحه رئيس اللجنة التنفيذية في دمشق غير مجد ولا يحل المشكلة، فالطرح كان بإلزام الأندية بممارسة عشر رياضات على الأقل والتخصص بها، ورأى في ذلك تخفيفاً للأعباء بعد أن كانت الأندية تمارس ألعاباً أكثر من ذلك.

في الشكل العام الأمر منطقي وفي الأحوال العادية الأمر معقول، لكن سنرجع إلى مشكلة اهتمام الأندية بالألعاب، فعندما لا توجد ميزانية قادرة على الإنفاق على الألعاب فستكون هذه الألعاب مهملة وطي النسيان وحبراً على ورق.

الحل يكمن بالدرجة الأولى بكبح جماح كرة القدم وإصدار القوانين الملزمة لتقويم اعوجاج الاحتراف وهو ما سيوفر بعض المال لبقية الألعاب ويقضي على الهدر والإنفاق بلا أي طائل، والأهم التوجه إلى الأندية التخصصية، فنادي الثورة اختص بكرة السلة ونجح بها ولا يمكنه حمل لعبة أخرى وهذا أمر جيد، وهو مثال يمكن تعميمه.

الأندية الكثيرة المجهولة رياضياً والتي شاركت بمسابقة كأس الجمهورية لكرة القدم يمكن تحويلها إلى أندية اختصاصية بألعاب معينة، وكما نعلم أن الأندية المنتسبة للاتحاد الرياضي العام تتجاوز السبعمئة ناد، وتوظيف إمكانيات هذه الأندية برياضة واحدة أو اثنتين سيكون له الآثار الجيدة مستقبلاً، مع تقديم كل وسائل النجاح لهذه الأندية وأغلبها ريفي، من هنا يمكن الانطلاق نحو رياضة تخصصية ناجحة قادرة على التطوير وتحقيق قفزة رياضية نوعية، فالأندية هي القاعدة الرياضية وكلما كانت القاعدة سليمة كانت الرياضة ناجحة.