الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

بين ميم الذكور ونون النّسوة

عبد الكريم النّاعم

*ليست الفوارق بين الرجال والنساء في التكوين الخلْقي لكلّ منهما، فهو تكوين، لمن يتأمّل فيه مُحْكَم الصنعة، ويبلغ غايته في ذلك الاكتمال بالاقتران الشرعي، ولستُ بصدد ذلك، فأنا وجهتي إلى غير ذلك، وربّما احتجت إلى السباحة خارج الحقل المحدّد، كي أصل، أو كي أوصل الفكرة.

*المعروف أنّ عدد الشاعرات في العالم، عبر العصور التي نعرفها، مقارنةً بعدد الشعراء، هو عدد أقلّ بكثير، ولا أعرف لذلك سبباً واضحاً، ولكنّه موجود ولا يُجادَل فيه، وربّما خطر بالبال أنّ السبب هو القمع الذّكوري منذ انتهاء عصر الأمومة، وعن العصر الأمومي لا نعرف تفصيلات وافية.

*عُذراً لهذه الفكرة الاعتراضيّة، فبظنّي أنّ تكاثر (كاتبات) الخواطر، واللواتي يصررن على تسميتها “قصيدة نثر”، لسوف يُرجح الميزان لصالح (هنّ) إنْ استمرّت الأمور بهذا الفلَتان، وفي غياب، أو تغييب من يميّز بين “قصيدة نثر” حقيقية، وبين التشبّه بها، وبظنّي أيضاً أنّ معظم اللّواتي يسوّدن الصفحات لم يعرفن شيئاً عن قصيدة النّثر، وعن تكثيفها، وعن بنيتها، بل كلّ ما عرفنَه عنها أنّها هذه الكتابة التي لا وزن لها، وهذا من أعجب المفاهيم في هذا السياق!.

*الشرائع السماويّة التي وصلتْنا، وأخصّ الحيّة منها، بمعنى أنّها التي ما يزال يُعمَل بحسب نصوصها، هذه الشرائع لم تفرّق بين رجل وامرأة لا في ثواب ولا في عقاب، وكذلك هي القوانين الوضعيّة، وذلك يشير ضمناً إلى ذلك التكافؤ في الغرض من إدامة الحياة، واستمرار النسل، وإقامة موازين العدل في المجتمعات الراقية، ولقد تعرّفنا إلى الصيغة الاجتماعيّة التي تتعامل معها المجتمعات الغربيّة في هذا المجال، ولستُ أدعو إلى الإباحة الجنسيّة، فلها نواتجها السلبية، ولكننّي أشير إلى مظهَر من مظاهر المساواة، فالعيب يعلق بفاعله، مهما كان جنسه.

*شكتْ أديبة معروفة من أنّ أحدهم أرسل لها طلب صداقة، فوافقت، وبعد يومين كان يوجّه لها دعوة للسرير، هذا ما أفصحت عنه بجرأة، ولعلّ الكثيرات من هواة الحرف، وعشاقه قد واجَهْن شيئاً من هذا، وفضّلن كتمانه على ما يمكن أن يشكّل فضيحة، وهذا عائد إلى ذلك الكبت المُزمن الذي يجعل معظم الرجال الشرقيين لا يفكّرون بالمرأة إلاّ كجسد، وفي هذه النّظرة من سطوة الغريزة ما يجعل حاملها عبداً لها، لا يعرف شيئاً من معاني الحريّة الإنسانية المتفتّحة، وما أن يسمع امرأة تقرأ شيئاً عن الحبّ حتى يذهب ذهنه إلى أنّها تغازل عشيقها، وهو، آليّاً يتسامح مع الذّكر، ويريد أن يُلقي القبض على الأنثى متلبّسة!.

*في مجتمع ما قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربيّة، حيث منابع الشعر الذي وصلنا، كانت المرأة الشاعرة تنشد قصيدتها دون خجل من المشاعر التي تحملها فهي مشاعر إنسانيّة، ولا تُتَّهم في عرضها، وظلّ هذا شطراً من زمن الأمويين والعباسيين، وحتى الدخول في عصر الجواري والإماء.

أمّ خالد النّميريّة شبّبتْ بأثال الكلابي فقالت:

إذا ما أَتَتْنا الريحُ منْ نحْوِ أرضهِ

أَتَتْنا بريّاه فطابَ هَبوبُها

أَتِتْنا بِمِسْكٍ خالَطَ المِسكَ عَنْبَرٌ

وريحُ خُزامى باكَرَتْها جُنوبُها

أَحِنّ لذكراهُ إذا ما ذكرْتُهُ

وَتَنْهلُّ عَبْراتٌ تَفيضُ غروبُها

حنينَ أسيرٍ نازحٍ شُدَّ قيْدُهُ

وإعوالَ نفسٍ غابَ عنها حبيبُها

أمّا أمُّ الضحّاك المُحاربيّة، وقد أحبّت رجلاً من “الضباب” فقالت:

يا أيُها الرّاكبُ الغادي لطيّته

عرِّجْ أبُثّكَ عن بعضِ الذي أَجِدُ

ما عالجَ النّاسُ منْ وَجْدٍ تَضَمَّنهمْ

إلاّ وجدْتُ به فوقَ الذي وجَدوا

حسبي رضاهُ وأنّي في مسرّته

وَوُدّهِ آخرَ الأيامِ أَجْتهدُ

أظنّ أنّ الرسالة وصلتْ.

aaalnaem@gmail.com