مجلة البعث الأسبوعية

تطورات الحرب الأمريكية الهجينة على إثيوبيا.. اشتد كل شيء فجأة!

البعث الأسبوعية- علي اليوسف

تواجه إثيوبيا هجوماً غير مسبوق في حرب مختلطة تتألف من عناصر عسكرية وسياسية واقتصادية ومعلوماتية تتطلب إستراتيجية شاملة للتصدي لها، حيث يستعد الجميع لمعركة كبيرة في وقت ما في المستقبل القريب بسبب تقدم ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” نحو العاصمة أديس أبابا خلال الأيام القليلة الماضية وإعلان الحكومة الفيدرالية لاحقاً حالة الطوارئ.

هذه المجموعة المصنفة كإرهابية مدعومة ضمنياً من قبل الولايات المتحدة بوسائل غير مباشرة من خلال توفير المساعدة المادية لها عبر قوات الأمم المتحدة، ومساواة واشنطن بين هذه المجموعة والحكومة الإثيوبية المعترف بها دولياً. هذا الدعم شجع ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ” على غزو منطقتي عفار وأمهرة، و ارتكاب جرائم حرب مع انتقاد دولي ضئيل، الأمر الذي يهدد وجود الدولة الإثيوبية.

الهجمات السياسية

حالياً تخطط السلطات لتوظيف حالة الطوارئ الخاصة بها لضمان الدفاع عن العاصمة، والرد بعد ذلك على القوات الإرهابية. ولهذا الغرض شجعت الحكومة الإثيوبية مواطنيها للانخراط في هذه الحرب إلى جانب الجيش، لأن عودة ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” إلى السلطة ستؤدي إلى إضعاف مكونات الشعب الإثيوبي عبر اللعب على اختلافات الهوية المستغلة خارجياً من خلال فرض سيناريو “البوسنة” من أجل تقسيمهم إلى أجل غير مسمى والحكم عليهم على هذا الأساس. هذا التوجه يخدم مصالح الرعاة الأجانب، أي الولايات المتحدة، لتلك المجموعة، وإذا ما تحقق هذا الهدف، فإنه من الممكن أن يؤدي التقسيم الداخلي الفعلي للبلد إلى تشكيل دويلات شبه مستقلة تتمحور حول الهوية.

الهجمات الاقتصادية

هناك أيضاً بُعد اقتصادي أكثر تركيزاً بشكل مباشر لهذه الحرب الهجينة والذي لا يقل أهمية عن البعد العسكري والسياسي. وهذا يتعلق بخطط الولايات المتحدة لإلغاء وصول إثيوبيا إلى السوق الأمريكية من خلال “قانون النمو والفرص الأفريقي”  في بداية العام المقبل، وبالتالي إثارة الذعر المالي وما يليه من تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد على الفور، والغرض من القيام بذلك هو التلاعب بالسكان لإفقادهم الثقة في حكومتهم في واحدة من أهم اللحظات في التاريخ الإثيوبي. لكن حتى لو لم يكن من الممكن إثارة أعمال الشغب المناهضة للحكومة لدفع سيناريو الثورات الملونة بسبب الإجراءات الوقائية المطبقة المرتبطة بحالة الطوارئ الأخيرة، إلا أن الولايات المتحدة تأمل على الأقل أن يفقد الشعب الإثيوبي الأمل وبالتالي يصبح أقل حماساً للدفاع عن بلادهم.

الهجمات العسكرية

من المهم ملاحظة أن الضغط الأمريكي تزامن مع التطورات العسكرية الأخيرة لـ ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي “. ليس ذلك فحسب، بل حدث كل هذا في نفس الوقت تقريباً الذي صدر فيه تقرير للأمم المتحدة يلوم كلا طرفي النزاع على جرائم الحرب. ولكن رغم هذا التظاهر بالحياد، فمن المتوقع أن يتم توجيه الضغط الدولي بأغلبية ساحقة ضد الحكومة الإثيوبية في محاولة لتشويه سمعتها في نظر الجميع، وربما توريط الدولة في ما يسمى بـ “الإبادة الجماعية”، بحيث يكون الهدف من  تسليح رواية حرب المعلومات هذه إلى ممارسة ضغط هائل على الحكومة من خلال دفع سيناريو “المسؤولية عن الحماية” الذي تم تطبيقه في ليبيا تحت ذرائع “إنسانية” زائفة مماثلة. بمعنى أن الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية والمعلوماتية للحرب الأمريكية الهجينة على إثيوبيا باتت منسقة ومتقاربة في هذه المرحلة بالذات من أجل إثارة أزمة وجودية للبلاد.

الدفاعات العسكرية

بعد تحديد أبرز أبعاد هذا الصراع، يبقى العنصر العسكري وما يرتبط به من تدابير للدفاع عن أديس أبابا نادر بسبب الطبيعة السرية خلال فترة الحرب هذه ، لذلك من الصعب تقييم فعاليتها بموضوعية حتى الآن، ولكن يمكن الافتراض أن الدولة ستبذل قصارى جهدها لضمان أمن الجميع مع الأخذ في الاعتبار كل ما هو على المحك، لذلك يتوقع المراقبون اندلاع معركة كبرى في وقت ما في المستقبل القريب، لا سيما وأن المحادثات بين الأطراف المتحاربة تبدو في الوقت الحاضر غير واردة لأن لكل طرف مطالب مختلفة عن الآخر، فمن جهة تريد ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ” العودة إلى السلطة بأي ثمن، بينما تعتبر الحكومة الإثيوبية المعترف بها أن الجماعة حركة إرهابية مدعومة من الخارج ولا يمكن التفاوض معهم، من جهة ثانية.

الدفاعات السياسية

على الصعيد السياسي، شجع رئيس الوزراء آبي أحمد قضية الوحدة الوطنية، وشدد هو وحكومته على الطبيعة الوجودية للصراع وحثوا مواطنيهم على الالتفاف حول دولتهم الحضارية من خلال توضيح الطبيعة الدقيقة للتهديد الذي تشكله ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ” على إثيوبيا، بحيث لا يمكن أن يكون هناك أعذار بين أولئك الذين لا يدعمون بلدهم في هذه اللحظة المحورية من تاريخها. وحتى أولئك الذين يرفضون القيام بذلك فقد اتهموا بأنهم – بشكل افتراضي- يتعاطفون مع رؤية “البلقنة” التي تسعى إليها ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ” والمتمثلة في زيادة إضفاء الطابع المؤسسي على اختلافات هويتهم من أجل تقسيم وحكم الشعب الإثيوبي المتنوع لصالح الرعاة الأجانب لتلك المجموعة. وأمام هذا المعطى –إذا تم- من المرجح أن ينزلق سكان البلاد إلى الفقر. علاوة على ذلك، يمكن أن تبيع ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ” الأصول الوطنية إلى رعاتها الأجانب مقابل دعمهم في إعادتها إلى السلطة، وهكذا سينتهي عصر النهضة الإثيوبي بكابوس، وستفقد أيقونة الاستقلال التاريخية لإفريقيا سيادتها.

الدفاعات الاقتصادية

فيما يتعلق بالدفاع الاقتصادي عن إثيوبيا، فإن الحل أكثر ضبابية على الرغم من أن الدولة تتوقع على الأرجح أن يتم إلغاء دخول “قانون النمو والفرص الأفريقي”  إلى السوق الأمريكية لأسباب سياسية بناءً على ذرائع “إنسانية” زائفة عقب تهديد الولايات المتحدة لهذه الغاية قبل بضعة أشهر. كما سيكون من الصعب استبدال الدور الذي لعبه “قانون النمو والفرص الأفريقي”  للاقتصاد الإثيوبي على الرغم من أنه ليس مستحيلاً. لذلك يجب على إثيوبيا أن تتواصل على الفور مع شركائها الصينيين والروس والهنود وغيرهم لاستكشاف إمكانية الوصول إلى أسواقهم كما كان الحال بالنسبة للأسواق الأمريكية. صحيح أن هذا الإجراء سيستغرق بعض الوقت، إلا أنه يمكن تجاوزه من خلال الأحكام التي تنطوي عليها حالة الطوارئ التي تم الإعلان عنها مؤخراً، بالإضافة إلى جهود الدولة في توضيح الطبيعة الوجودية لهذا الصراع في البلاد.

ولهذا الغرض قامت الدولة بالرد على حرب المعلومات على الرغم من الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة على وسائل الإعلام الحليفة لإخفاء الحقيقة حول ما يحدث في إثيوبيا. فقد لجأ النشطاء وأنصارهم في جميع أنحاء العالم إلى وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بهذا الأمر، وأن الشعب الإثيوبي متحد في معارضته لرؤية فرق تسد لـ “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، والمؤامرات الإمبريالية الأجنبية، وأكاذيب الإعلام السائد. ومن المحتمل أن تنتشر هذه الحملة بسرعة وبالتالي اختراق “جدار حماية المعلومات” الأمريكي لفرض رقابة على الحقيقة حول هذه الحرب الهجينة.

خاتمة

اشتد كل شيء فجأة في إثيوبيا بسبب التقارب الاستراتيجي بين المكونات المختلفة المرتبطة بالحرب الهجينة الأمريكية ضد هذا البلد. وليس هناك شك في أن الموقف – من المرجح- أن يزداد سوءاً، خاصةً أن ” الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ” تدفع ورعاتها الأجانب بإثيوبيا إلى حافة حرب شاملة. وتمهيداً لتلك الحرب، قاموا بتوسيع إستراتيجيتهم المتمثلة في إثارة الأزمات الإنسانية لتحقيق غايات سياسية من منطقة تيغراي الأصلية إلى البلد بأكمله بعد أن شجعتهم الولايات المتحدة وقوات الأمم المتحدة. وهذا بدوره من شأنه أن يزيد بشكل كبير من أهمية الجانب العسكري لهذا الصراع، وبالتالي من المحتمل أن يضع إثيوبيا في سلسلة من المعارك الكبرى لا أحد يستطيع بعدها تحديد النتيجة النهائية لهذه الحرب.