مجلة البعث الأسبوعية

في سوق العقارات .. ركود مأزوم بالقرارات المالية.. وألاف “المعتاشين” على قارعة الحاجة ؟

البعث الأسبوعية_ بشير فرزان

الركود الكبير في سوق العقارات بات أكثر تأثيراً في حياة الآلاف من المعتاشين الذين يبحثون عن العمل “بالسراج والفتيلة ” كما يقال فمع توقف الكثير من المشاريع في قطاع البناء والتشييد والاكساء وعزوف المتعهدين عن العمل في هذه الظروف الصعبة تفاقمت البطالة وكثرت التحديات المعيشية التي يواجهها مئات الآلاف من العاملين في هذا القطاع الحيوي الهام أو من المتعاملين معه وبشكل انعكس  على عائلاتهم التي لم تعد تستطيع تأمين ابسط متطلباتها اليومية وبالكاد تتمكن من الحصول على الخبز وهذا مادفعها إلى اتخاذ قرارات صعبة و الدفع بأبنائها إلى العمل بشتى المجالات وبشكل يهدد البنية الأسرية في المجتمع السوري ويعرض الطفولة إلى أخطار متعددة.

وطبعاً قصة الطفل عبادة الذي يعمل مع أمه في تنظيف الحمامات في الملاهي والمطاعم  تشبه قصص ألاف الباحثين عن لقمة العيش مهما كان مصدرها ومهما كان الثمن للحصول عليها  فالمهم بالنسبةله كما قال لنا “أن يعيش ” وشاركته الأم الإجابة ذاتها دون أن تأبه لمستقبله الضائع بين الأوساخ وفي ليل عاصف بالانحراف والجريمة ولكن وبصراحة أم عبادة كان عندها حجة أقوى من أي قانون أو مفهوم أخلاقي حسب رأيهاوذلك عندما قالت لنا :تعالوا معي إلى الغرفة التي نعيش بها وشاهدوا زوجي “الملقوح” على الفراش بعد أن وقع وهو يقوم بحمل أكياس الرمل إلى الطابق الثالث وأطفالي الصغار الذين ينتظرون عودتي مع كسرات الخبز..ماذا تفعلون في هذا الزمن الصعب.

 

ضنك العيش

على الرصيف المحاذي لسوق باب الجابية كان جاسم ورفاقه يلاحقون أحدى السيارات التي كانت تحاول التوقف للتفاوض مع عامل لنقل بعض الأدوات المكتبية ولكنهم لم يعط السائق فرصة للوقوف فقد امتلأت السيارة بالعمال الذين تدافعوا وتمسكوا بالعارضة الحديدية للسيارة ورفضوا النزول وكأنهم يتمسكون بقشة الإنقاذ المعيشية وكم كانت مهمة صاحب الأدوات  صعبة في التفاوض مع هؤلاء العمال لإقناعهم بأنه يحتاج إلى عامل فقط و بعد جدال طويل استقرت المهمة على جاسم الذي كان أكثر عناداً وتشبثاً بها رافضاً أية محاولة لإنزاله من السيارة أما مبرر ماقام به فهو عائد كما قال إلى تعطله بسبب المرض لعدة أيام ولذلك فهو بحاجة ماسة للمال بأي شكل لإطعام عائلته المكونة من ستة أولاد مع والداه وأخته المعاقة.

وبينما جاسم يغادر على متن “البيك أب” عاد العمال الذين لم يحالفهم الحظ في هذه الفرصة

إلى أماكن جلوسهم على الرصيف لينتظروا فرصة أخرى وطبعاً الجميع دون استثناء أكدوا لنا ندرة الفرص خاصة مع توقف أعمال البناء والأكساء بشكل شبه تام بسبب ارتفاع أسعار المواد

وعدم قدرة الناس على العمل سواء في تشييد الأبنية أو الاكساء وحتى في الاصلاح والترميم وهذا ماأدى إلى انخفاض العائد اليومي لهم واعترفوا أنهم يواكبون موجة ارتفاع الأسعار بأجورهم العالية التي فرضتها الأعباء المادية الكبيرة الملقاة عليهم لتأمين مستلزمات المعيشة  هذا عدا عن الأدوية التي يحتاجون إليها لمعالجة نتائج الأعمال الشاقة التي يعملون بها.

دون عمل

في منطقة أشرفية صحنايا والتي تعرف بأنها من أنشط المناطق في البناء والتشييد كان “أبو حمزة” العامل في البناء يستعد لتجهيز “الجبلة” عندما التقيناه لنسأله عن واقع العمل الذي وصفه بالصعب وهو يخلط الرمل والاسمنت ويقول لنا :100 ألف ليرة تكلفة هالجبلة الصغيرة ومنيح الناس بعدها عبتشتغل لنترزق “.

وأضاف لم يعد هناك عمل ولم يعد هناك أيضاً عمال فقد هاجروا بحثاً عن رزقهم في بلاد أخرى  وأكد أنه أضطر إلى إخراج ابنه من المدرسة للعمل معه فالعلم برأيه مابطعمي خبز في هذه الأيام .

أما أبو حسام الذي كان يقود دراجته الهوائية بين الأبنية باحثاً عن عمل مهما كان نوعه لم يتوان بالقول بمجرد سؤاله عن عمله (الله يلعن هالحالة معلم بناء مثلي صار يدور على شغل بهذه الطريقة ..الحالة صعبة ومافي شغل والسوق جامد مافي حركة والناس تعبانه  ..الله يفرج  )

فورة سعرية

الشكوى من الركود كانت حالة مشتركة بين جميع الأطراف في السوق العقارية وخاصة أصحاب المكاتب العقارية الذين توقفت أعمالهم وانقطعت أرزاقهم نتيجة الظروف العامة والقرارات غير المدروسة التي صدرت دون الاخذ بعين الاعتبار العوائد المالية التي كانت تعود إلى الخزينة إضافة إلى فرص العمل الكثير التي كانت توفرها لمئات الآلاف ضمن حلقة متكاملة من العمل كما أكد الكثير من المتعهدين عن عدم رضاهم عمايجري في السوق فهم مع خفض الأسعار كونه يزيد من عمليات البيع ويحرك عملهم ولكن ارتفاع التكاليف يفرض حضوره في الحراك العقاري هذا عدا عن امتعاضهم من القرارات المالية الأخيرة التي عطلت أعمالهم وكانت من أسباب الركود في سوق العقارات .

في مكان أخر وفي أحد معامل مواد البناء تجدد الحوارعن واقع سوق مواد البناء وكان هناك نوع من التشنج من قبل أصحاب العمل الذين كانوا حريصين على إبراز التحديات التي تواجههم في عملهم وبيان الأسباب الحقيقية وراء هذه الفورة السعرية التي تشهدها مواد البناء والعقارات فقد اختلفت الأرقام تماشياً مع الواقع الاقتصادي والمالي وبرأيهم أن الأمور لم تختلف والأرقام هي ذاتها مع اختلاف بسيط في الزمن وفي التضخم بينما القيمة المالية  الفعلية هي ذاتها فتكلفة المتر غير ثابتة وتزيد  عن500000 على المتعهد

وكذلك وصل سعر أكساء المتر المتوسط الجودة إلى ما يقارب 450000 ألف ليرة سورية .

وأعادوا أسباب ارتفاع الأسعار إلى عوامل متعددة في مقدمتها ارتفاع أسعار القطع الأجنبي إلى مستويات غير مسبوقة كون غالبية مواد البناء تعتمد على مواد مستوردة من الخارج وارتفاع  أجور اليد العاملة في مجال البناء في ظل انخفاض مستوى المعيشة وهجرة العدد الأكبر من العاملين في مجال البناء إلى خارج البلد والعقوبات الاقتصادية الخارجية التي تضيق على المواطنين سبل العيش بشكل عام .

بالمحصلة

 

الركود في السوق العقارية أثر على فرص العمل مع انكماش كبير في سوق العمل داخل قطاع التشييد والبناء والقطاعات الاخرى التي لها علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا القطاع  كما زادت أزمة ارتفاع أسعار مواد البناء من فاتورة التكاليف وكان لها أيضاً تداعيات على  السوق العقارية التي تضاعفت أسعارها مرات عديدة لتواكب حالة الفوضى السعرية الموجودة في جميع الأسواق ولكن هنا ذات تأثير أكبر بعد أن تجاوزت حالة الجمود إلى حالة الركود التام.

ومع المؤشرات الانتكاسية لفرص العمل في السوق العقارية  على الجهات المعنية اتخاذ خطوات أكثر فاعلية تتمثل بإلغاء القرارات المالية الأخيرة التي قيدت السوق العقارية ولاشك أن المقارنة بين العائدية المالية لهذه القرارات على خزينة الدولة والعائدية على سوق العمل والمجتمع والخزينة ..تكشف مدى الايجابية التي تتحقق عند الرجوع عن مثل هذه القرارات وخاصة على حياة مئات الآلاف من المعتاشين من السوق العقارية ومايتبع لها . فهل هذا صعب المنال؟ .