دراساتصحيفة البعث

أفغانستان والأمن العالمي

عناية ناصر

تواجه أفغانستان مستقبلاً غامضاً بعد أن أجرت الحكومة مراجعة ميزانية منتصف العام لأهداف الإيرادات، وخفضت الاعتمادات لنفقات التنمية. تؤدي التخفيضات الحادة في المساعدات الدولية الآن إلى انهيار خدمات الصحة والتعليم الأساسية، مع الخسارة المفاجئة لنشاط القطاع العام التي تمثل توقعات اقتصادية وتنموية للبلاد. بينما يهدد اتساع ميزان المدفوعات والعجز التجاري الضخم (28 في المائة) بدفع 10 ملايين شخص إضافي تحت خط الفقر.

يرسم تقرير الأمم المتحدة صورة قاتمة لأفغانستان، ويحذر من أن واحداً من كل اثنين من الأفغان سيعاني انعدام الأمن في فصل الشتاء. لقد أدى الجفاف المدمر، الذي أثر على 25 من أصل 34 مقاطعة أفغانية، واشتداد الصراع، ودفع أكثر من 664 ألف شخص إلى ترك ديارهم، إلى اندلاع أزمة الغذاء الحادة. ومع ذلك، أدى تجميد 9.5 مليار دولار من الأصول الوطنية إلى تفاقم الوضع حيث أدى الاقتصاد المحتضر إلى تعطيل النظام المصرفي، وتسبب تخفيض قيمة العملة في ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

بعد أن استولت طالبان على كابول، جمدت الولايات المتحدة الأصول الأجنبية لأفغانستان، وأوقفت شحنات النقد إلى الدولة التي تعاني بالفعل، مما عرض السكان الذين يعانون من ضائقة مالية لتحديات إنسانية وتنموية خطيرة. إن تصرفات واشنطن تهدد الاقتصاد الأفغاني، الذي يعتمد 43 في المائة منه على المساعدات الخارجية، ويواجه 97 في المائة من الناس خطر الانزلاق تحت خط الفقر. و في مؤتمر استضافته الأمم المتحدة في أيلول الماضي في جنيف، تعهد المانحون بتقديم أكثر من مليار دولار من المساعدات الإنسانية، بما في ذلك 200 مليون دولار لبرنامج الغذاء العالمي، بعد أن قالت الوكالة إن 14 مليون أفغاني على شفا المجاعة. وبما أن 93 في المائة ليس لديهم ما يكفي من الطعام، فإن كراهية الولايات المتحدة تجاه طالبان يجب ألا تمنعها من مساعدة الأفغان على تجنب ندرة الغذاء المروعة والانهيار الاقتصادي. حتى إن المساعدات الإنسانية التي تقدمها واشنطن لكابول (474 ​​مليون دولار) هي أقل من يومين من نفقات الحرب الأمريكية في أفغانستان والتي بلغ متوسطها 300 مليون دولار يومياً في العشرين عاماً الماضية. علاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة مترددة في تقديم المساعدة الاقتصادية أو على الأقل في  الإفراج عن أموال الأفغان لتعزيز حربهم ضد الجوع ودعم التنمية طويلة الأجل في البلاد.

اتفقت مجموعة العشرين في قمة خاصة في وقت لاحق من هذا العام على توحيد الجهود مع طالبان للتركيز على الأزمة الإنسانية التي تلوح في الأفق والناشئة عن الانهيار الاقتصادي في أفغانستان، لكن ما لم تُرفع العقوبات عن كابول، وظلت واشنطن تصادر مليارات الدولارات، فإن أي محاولات لمواجهة الكارثة الإنسانية لن تنجح. وفي محاولة لتجنب تكرار أزمة الهجرة عام 2015، عندما تجمع أكثر من مليون طالب لجوء، بما في ذلك من أفغانستان حول الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، أعلنت بروكسل عن حزمة إنسانية بقيمة مليار يورو لأفغانستان. ومع ذلك ، أوقف الاتحاد مساعداته  التنموية البالغة مليار يورو التي كان من الممكن أن تساعد في التخفيف من حدة الفقر وخلق فرص العمل وتحفيز الاقتصاد.

لذلك من المهم أن يدرك الغرب هذه الحقيقة بسرعة وأن يجد حلاً ما، كما لا ينبغي لواشنطن أن تجعل الدولة المتضررة من الجفاف تدفع ثمن إخفاقاتها في الحرب الأفغانية أو لمجرد أن الجيش الأمريكي لم ينتصر في المعركة وكان يخسر قوته أمام طالبان كل عام.