ثقافةصحيفة البعث

قراءة في المجموعة الشعرية “الشراع”

مجموعة شعرية صادرة عن دار بعل للنشر والطباعة ضمّت بين جوانحها سبعاً وتسعين قصيدة من الشعر العمودي والتفعيلة. بداية سأبدأ كما يقول ريلكه: “لا تكتب الشعر إلا عندما تشعر أنك ستموت”، إذا لم تفعل وهو يحاول أن يجعل للشعر قدسية المترفع الشاعر علي سعادة يمتلك اللغة القادرة على نثر الإغواء في القلب الذي يعرف الجمال، هو شاعر يمتلك قدرة ليست عادية ليقول في قصيدة “عذراء الروح”:

رأت عيناك (قديسا) رويدا

أما رأت الحرائق في دمائي

رغبت عن الجمال ومات قلبي

وقد أحيا الهوى طيني ومائي

طلعت على دجى الأيام نورا

فكيف لغير عينيك انتمائي؟

كانت المرأة هي التي تمتلك النص بإيحاءات شعرية، فبدت كمعزوفة إيقاعها الوجودي ونغماتها الكونية وتحولات الحياة، كل ذلك للبحث عن الخصوصية وإظهار مرايا الواقع برسالة إبداعية، وقد أثارت قصائد الشاعر علي سعادة جميل الأسئلة حول أهمية التعبير لغوياً وعن مدى تأثير الأحداث على المشاعر الإنسانية، فهي توثق وقائع في قصائده ويعلن بوضوح وجرأة عن رفضه للظلم. وفي قصيدة “براءة مغتصب” يقول:

بكيت على القضاء الحر لما / قرأت قرار (قرقوش) الصغير

أخاف على النساء بعيد حكم / إذا هجم الوحوش على السرير

(فباسم الشعب) لم يصدر قرار / ولكن باسم سمسار خبير

قصيدة تحمل دلالات كثيرة وتجسّد واقع القضاة والظلم، وقد امتزجت قصائده بين الرومانس وقطرة الاحتياج العاطفي، ولا يلتزم الشاعر بنوع معين من الكتابة، نجد حرية في التعبير وانتقاء الكلمة تمنح قصائد الشاعر إمكانية الخروج عن القوالب المعروفة ويوظف الصور الشعرية والمواقف ببوح صادق مؤثر وفي قصيدة “بوح” يقول:

ياصيف.. طيف حبيبتي ضيف المساءات الحزينة/ وحبيبتي بوح الشذا النشوان في فم ياسمينة.

يا أنت:

لا خمر الكلام معتق عندي ولا عسل السكينة/ ويدي تسائل عن يد ملأى بأشواق ضنينة

من تزرع الأحلام بعدك في صباحات المدينة؟/ من تشعل الأسلاك أنغاما وآهات سجينة؟

طبع الشاعر أحزانه وآلامه وأمل الحياة ليحول بأسلوبه حديقة للشعر لتنثر على أهداب القصيد أفق للوجود والذكريات وتكرار للحالات الوجودية التي يكابدها الشاعر، وحاول الهروب من الواقع عبر النص الشعري الذي تلقى فيه الوجع ليعبر عن الولادة والرغبة في الحياة، وقد منح السطر الشعري إيقاعاً خاصاً باقتناص فني للصورة والمشهد الشعري، وفي قصيدة بعنوان “ياسيد القلم المدافع” هذه القصيدة لروح الشاعر حامد حسن يقول:

لم تخش في قول الحقيقة لائما / هل كان قول الحق يوما هينا؟

علمتنا أن الكتابة موقف / وأمانة التاريخ في أعناقنا

ياسيد القلم المدافع لم تزر / إلا ميادين الهوى أقلامنا

نم هانئا.. إن السؤال مؤرق

فارفق بنا واطلب لنا نوم الهنا!

ومن خلال التعبير المباشر ولما تعانيه الذات ومقاربة دلالاتها والتعرف على تقنية النص وأبعاده الفكرية والإيديولوجية واستخدام التكثيف لاستنطاق تراكيب مكونة من علامات لغوية دالة، يسترسل الشاعر في استعادة ذكرياته بكل تفاصيلها المحزنة الذكريات المعلقة بالبيوت القديمة حيث تغلب الذات المتمثلة بانتقال الأحداث والحب والبحث عن الإنسان، كل هذا نجد لوحات شعرية نابضة بالحيوية وفي قصيدة “شراع” يقول:

لي (معبد) فوق الهضاب وخيمة/ والياسمين هنا وناي الراعي

عسلية الشفتين: لا تتهربي/ حكم الهوى وعليك أن تنصاعي

(للخافضات الرأس) نشوة عابر/ ولنا خلود الحب والإبداع.

استخدم الشاعر لغة شفيفة ذات إيقاع جذاب بنسج القصائد على شكل حكاية مكتملة العناصر، وقد أبدع، حيث عبر بصدق عما يجيش في النفس الإنسانية. مجمل المجموعة الشعرية هي قصائد وجدانية متنوعة ولغة منسجمة مع وظيفة الشعر.

الشاعر علي سعادة متمكن من أدواته، استطاع أن ينسج النص بطريقته الخاصة لتصل إلى حد الدهشة. مجموعة تستحق القراءة لعمق المفردات ولتنوع المواضيع الفكرية والأسلوب المتقن كأنه أجزاء من مقطع موسيقي.

هويدا محمد مصطفى