اقتصادصحيفة البعث

عندما تجتمع أزمتا “الإدارة” و”الوفرة” على تجميد ضخ التدفئة.. ولو بحسبة الـ 50 لتر!!

دمشق – علي بلال قاسم

يقتحم برد هذا الشتاء -المتأخر نسبياً- أغلب المنازل الفارغة من حوامل التدفئة، في ظل القلة التي سببتها محدودية الكميات المتاحة لدى أجهزة النفط، وبالتالي محدودية القدرة على الدعم باعتراف المؤسسة الحكومية المعنية بهذا الملف المتهالك بفعل عوامل وظروف التوريدات المتذبذبة والإخفاق في إدارة المخزون المتوفر وفق أفضل شكل ممكن.

وإذا اتفقنا على الاعتراف بمفاعيل الحصار والعقوبات وسلسلة قرصنة ومنع وصول الشحنات والبواخر، يظهر التوافق لدى جموع الرأي العام على رسوب واضح في إدارة وتوجيه عمليات التوزيع المتناقضة وغير المتزنة والتي أوصلت الأمور إلى درجة دخولنا نهايات الشهر الحادي عشر دون أن تحصل عديد من الأسر المستحقة على نصيبها من ليترات التدفئة التي لا تتعدى الخمسين ليتراً، وفق ما تفتقت إرادة القائمين على القطاع بأنها الحل السحري لحصول الجميع على حصص ولو كانت قليلة على نية العدالة والشمولية والتغطية الأوسع.

في هذا المضمار بالذات، لا يمكن نسيان الشكل الذي تم تسويق القرار المتعلق بمنح الخمسين ليتر قبل شهور، عندما راح المروجون للتوجه يقدمون حسبة بدت رياضية ومنطقية في شكلها النظري، ولكن في النهايات ما هو مختلف تماماً بالقياس للتطبيق والوقائع والمواصيل التي تشهد عليها نسب الاستهداف الضئيل، فما عادت حسابات الحقل المتمثلة بـ “50 ليتر مازوت دفعة أولى – كما  قيل- = 3800000 عائلة مشمولة بالتوزيع، بينما لو كانت الكمية 100 ليتر مازوت سينخفض عدد العائلات المشمولة بالتوزيع إلى 1900000 عائلة، ولو كانت الدفعة الأولى 200 ليتر ينخفض العدد إلى 950000 عائلة”، تنطبق على مجريات البيدر، حيث يؤكد غالبية من استطلعنا آراءهم أن رسائل المازوت لم تصلهم رغم أنهم في طليعة من بادروا لتسجيل الطلب والحصول على دور في تطبيق الوين “المشؤوم” وفق تعبيرهم، ولسان حالهم يتساءل هل سينتظرون لنهاية موسم الشتاء ليحصلوا على ما يسدون به رمق البرد في عز الشتاء، وبالتالي أين دعاة الترويج لنظرية الحسبة التي لم تجلب الليترات للعبوات المنتظرة وراء باب البيت على أمل البريد الذي إن وصل يلهث رب العائلة المدعوم للبحث عن إحداثيات تواجد فخامة الموزع الذي أعاد مشهد الطوابير التي استبسلت الوزارة في طريق القضاء عليه وإسكات صوت مستغلي الأزمة والتأزيم.؟

عبر شهور مضت لم تنقطع التصريحات الحكومية القائلة بأن إصلاح ذات بين آليات إيصال الدعم لمستحقيه هو الهدف من أية خطوة متخذة حتى ولو أزعجت المواطن – فالمهم هو بلوغ المادة وتوطين العدالة في التوزيع – ومع ذلك لا يمكن الجزم بأن واحداً من هذين الهدفين قد تحقق بالشكل الذي رسم لهما والدليل قلة المستفيدين واتساع فجوة النقص واستفحال عمليات المتاجرة بأسعار تفوق السعر الرسمي المحدد، وما لم يصلك بقنوات الدعم يصلك حراً من مزاريب المخصصات أو المهربات وبأية كمية تريد المهم أن تدفع، لدرجة ضاعت آلاف الليترات وملايين الليرات، حتى استفاقت عين المؤسسة الغافية أو المتعامية أو المفتحة على فتح باب البيع خارج البطاقة بسعر شبه حر يضمن عائدية الفروقات لجيب الدولة وليس للتجار وشركائهم في إدارة القطاع.

عبر محاولات متكررة نعترف بأننا أخفقنا في استنطاق أي مسؤول أو موظف لمعرفة الكميات الموزعة خلال الفترة السابقة ومحاولة تثبيت حقيقة البيانات والجداول وإظهار قرائن ادعاء المواطن على محروقات بأنها لم تصدق في وعودها هي وشركائها في إدارة التوزيع، علماً أن البرامج والخطوات التي اتخذت كلها كانت تشي بأن خراطيم الضخ “لعبوات” الناس سيكون متدفقاً، لاسيما أن تكتيكات تقزيم الكميات كانت نشطة، فمنذ مطلع العام الحالي خفضت كميات المازوت 24% – كقرار مؤقت – ثم خفضت مرة أخرى بنسبة 20% عندما تأخر وصول توريدات المشتقات المتعاقد عليها بسبب العقوبات والحصار، والتبرير الذي تم توثيقه إعلامياً الاستمرار في تأمين حاجات المواطن – وهذا ما لم يتحقق – وإدارة المخزون المتوفر – وهذا ما لم يتم التأكد والتحقق منه لعدم التجاوب الرسمي وغياب الشفافية.

وفي يوم من الأيام استبشر السوريون خيراً عندما أعلنت وزارة النفط عن عودة مصفاة بانياس للعمل، بالتوازي مع وصول شحنات النفط الخام، وقتها أعلن عن بدء ضخ كميات إلى المحافظات، ولكن لم يلتمس المراقب والمعني أي تحسناً إلى الآن، إذ تواترت نبضات الشح واستتبعت بمشاهد طوابير السيارات على البنزين الذي لم يك حاله بأفضل من شقيقه في عائلة المشتقات.

قصارى القول ثمة أزمة وفرة وأزمة إدارة اجتمعتا في توقيت واحد وبات الحصول على الليترات الخمسين شاقاً، لتبدو المسألة لا تعدو كونها ترحيلاً لمجريات الإخفاق وقلة الحيلة وقصر ذات اليد، وعند كل مفترق نجتر الخطأ من جديد حتى الدفعة الأولى تتلاشى والعشم في حلم الدفعة الثانية.

هامش 1: تحتاج سورية يومياً 146 ألف برميل، المنتج حالياً 24 ألف برميل بفجوة 122 ألف برميل لتدارك النقص بالتوريدات.

هامش 2: كلفة توريدات النفط الخام والمشتقات 820 مليون دولار بحسب كلام رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس في النصف الثاني من 2020.