دراساتصحيفة البعث

جنون العظمة هو التهديد الحقيقي

إعداد: هناء شروف

 

كان العالم بأسره يتكهن حول سبب إعلان البحرية الأمريكية “إيقاف الملاحة” لقوات الغواصات قبل أيام بعد أن أتى أمر أطقم الغواصات بمراجعة إجراءات التدريب والسلامة الملاحية في أعقاب الحادث الذي شمل الغواصة الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية.

لم يتم الكشف عن سبب اصطدام الغواصة بجبل تحت البحر في بحر الصين الجنوبي في أوائل تشرين الأول الماضي، لكن قيادة البحرية الأمريكية تشعر بوضوح أن هناك دروساً يمكن تعلّمها، سواء من حيث المشكلات الفنية، أو الإجراءات، أو الإدارة.

يقال إن الصيانة المتأخرة لغواصاتها هي المسؤولة جزئياً عن المشاكل، إذ تأخرت الصيانة اللازمة بسبب تواتر المهام، وقد أدى ضعف الانضباط والإدارة إلى عدد من الاصطدامات التي شملت السفن البحرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتي أسفرت عن وقوع قتلى.

تحتاج حكومة الولايات المتحدة وجيشها إلى طرح السؤال على نفسيهما: هل من الضروري حقاً أن يكون لهما وجود دائم في بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى؟.

قال قائد القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ الأدميرال جون سي أكويلينو في حديثه مؤخراً الذي كان غريباً إلى حد ما: “نحن نقاتل من أجل قيمنا وقدرتنا على التحرر، وهذه هي المخاطر، ولكن أين هذا العدو المفترض أنهم في حالة حرب معه”؟.

هذا الكلام يكشف ببساطة عن جنون العظمة في الولايات المتحدة، إذ تظهر كلمات أكويلينو أن هناك البعض في الولايات المتحدة يسكنهم واقع، وهو بديل عن الواقع الذي نعيشه، فقد كان من الواضح أنه غافل عن حقيقة أن الولايات المتحدة هي التي تتسلّط وتفرض سيطرتها، وأن الجيش الأمريكي هو الذي يحاول بنشاط إغلاق الباب على الآخرين بدعوى أن هناك فرقاً بين منطقة المحيطين الهندي والهادئ فيما إذا كانت منطقة حرة ومنفتحة أو سلطوية ومنغلقة.

لا توجد دولة واحدة في العالم لديها القدرة العسكرية على تشكيل تهديد على القوة العسكرية الأمريكية، ناهيك عن التهديد العسكري الذي تمثّله أمريكا على دول العالم من حيث الميزانية العسكرية، والتقنيات العسكرية، وكذلك حجم القوات الجوية والبحرية، كما لا توجد دولة منافسة لها، وليست هناك حاجة للولايات المتحدة لاستعراض عضلاتها العسكرية هنا وهناك وفي كل مكان بالطريقة التي تفعل بها ذلك، بحسب أكويلينو.

إن جنون العظمة لدى الولايات المتحدة هو الذي أدى إلى تفكيرها الاستراتيجي بأنه يجب عليها توسيع قدرتها على الردع النووي، وتحفيز سباق تسلّح لتحفيز اقتصادها، وكبح الاقتصادات الأخرى، وقد أدى هذا التفكير إلى دعوة الدول الأوروبية غير النووية للمشاركة في التدريبات التكتيكية على الأسلحة النووية هذا العام، ويمكن أيضاً أن تُعزى ميزانية الدفاع البالغة 753 مليار دولار لإدارة بايدن في وقت مبكر من هذا العام إلى مثل هذا التفكير.

إن التوسع العسكري الأمريكي الأحادي، وانتشار الأسلحة النووية، هما اللذان يشكّلان أخطر تهديد سلطوي للسلام والاستقرار العالميين.