مجلة البعث الأسبوعية

اقتصادات أفريقيا بين الحرارة والفيضانات والحلول ليست بعيدة المنال

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

على الرغم من ضآلة ما تشغله انبعاثات أفريقيا من غازات الاحتباس الحراري العالمية، إلاّ أن القارة الأفريقية تعاني من الآثار الضارة لتغير المناخ بدرجة غير متناسبة، وهذا يتطلب التزام أخلاقي بمساعدة دول إفريقيا ، ولا سيما المناطق الريفية ، والتخفيف من تأثير تغير المناخ ، ليس فقط لمساعدة إفريقيا، ولكن لمساعدة بقية دول العالم.

تظهر البيانات وقائع مروعة يجب أن تجعل الجميع – بما في ذلك قادة الدول الملوثة الرئيسية والدول المانحة وكذلك قادة الدول الأفريقية – يلتزمون بتنفيذ السياسات، وتخصيص الموارد، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الوضع، فارتفاع درجات الحرارة يسبب موجات حرارة قاتلة. كما يؤدي تباين هطول الأمطار إلى حدوث فيضانات في بعض المناطق وحالات جفاف في مناطق أخرى، وكلاهما يقلل الإنتاج الزراعي، ويزيد من انعدام الأمن الغذائي وأسعار الغذاء، ويسبب تهجير سكان الريف المنكوبين بالفقر إلى مناطق حضرية مكتظة بالفعل وغير مهيأة لقبولهم ، أو إلى دول أخرى، بما في ذلك تلك الموجودة خارج إفريقيا، التي تتصارع مع مشاكلها المتعلقة بالمناخ. يجب أن يعالج مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 26)  تأثير تغير المناخ على إفريقيا وفي حال عدم حدوث ذلك، يجب أن يدعو الاتحاد الأفريقي إلى مؤتمر خاص بأفريقيا لمعالجة هذه القضية.

تغيير المناخ يضرب أفريقيا بقوة

يهدد تغيير المناخ حياة وسبل عيش أكثر من 100 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، ومن المتوقع أن يؤدي الاحتباس الحراري إلى جفاف الأنهار المتبقية في إفريقيا في العقود القليلة القادمة، وسيؤدي انخفاض المياه الضرورية للإنتاج الزراعي إلى انعدام الأمن الغذائي والفقر وتشرد السكان. كما يمكن أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بنسبة تصل إلى ثلاثة في المائة بحلول عام 2050. وبصرف النظر عن التأثير الضار لتغير المناخ، فإن الفقر هو أحد أسوأ مشاكل العالم، إذ  تشير التقديرات إلى أن واحداً من كل ثلاثة أفارقة، أو أكثر من 400 مليون شخص، يعيشون تحت خط الفقر العالمي، والذي يُعرّف بأنه أقل من 1.90 دولار في اليوم.

الزراعة أمر بالغ الأهمية للنمو الاقتصادي في أفريقيا، و يمكن أن يؤدي تغيير المناخ إلى زعزعة استقرار الأسواق المحلية، وزيادة انعدام الأمن الغذائي، والحد من النمو الاقتصادي، وزيادة المخاطر على مستثمري القطاع الزراعي. والزراعة الأفريقية معرضة بشكل خاص لتأثيرات تغيير المناخ لأنها تعتمد بشدة على هطول الأمطار، وقد أثر تغير المناخ بشكل خطير على هطول الأمطار في جميع أنحاء القارة. تعتمد منطقة الساحل، على سبيل المثال، إلى حد كبير على الزراعة البعلية ، وهي تعاني بالفعل بشكل منتظم من الجفاف والفيضانات، وكلاهما يقتل المحاصيل ويقلل من  الإنتاج الزراعي. ومع توقع ارتفاع درجات الحرارة 1.5 أعلى من بقية العالم بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، ستشهد البلدان الأفريقية فترات رطوبة أقصر (تؤدي إلى الجفاف) أو أمطار غزيرة (تسبب فيضانات)، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاج الغذاء، ومن المتوقع أن تنخفض غلات المحاصيل بحلول عام 2030 في جميع أنحاء القارة بكميات متفاوتة حسب المنطقة، ومن المتوقع أن تشهد جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، انخفاضاً بنسبة 20 في المائة في هطول الأمطار.

بين الأرياف والمدن

المناطق الريفية في أفريقيا، رغم معاناتها أكثر من غيرها من تغير المناخ، إلا أنها ليست وحدها، إذ غالباً ما تؤدي الأزمات في المناطق الريفية إلى تهجير سكان الريف إلى المناطق الحضرية، ووفقاً لتقرير عام 2017 الصادر عن الأمم المتحدة، يعيش أكثر من نصف سكان العالم في مناطق حضرية، و تتميز القارة الأفريقية بأسرع معدل تحضر في العالم، ففي عام 1960 كان 20 في المائة فقط من السكان يعيشون في المدن. و المعدل الحالي هو أكثر من 40 في المائة، وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يكون الرقم 60 في المائة. و تعتبر منطقة أفريقيا جنوب الصحراء أسرع مناطق التحضر في العالم، حيث بلغ عدد سكانها 472 مليون نسمة في عام 2018 ، ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2043. ولن تؤدي قضايا المناخ إلا إلى تفاقم التوسع الحضري والأزمات المرتبطة به. ففي البلدان النامية، غالباً ما يؤدي الانتقال من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية إلى تحسين مستويات المعيشة، و نادراً ما يحدث هذا في أفريقيا جنوب الصحراء.

في حين إن التحضر قد أدى تاريخياً إلى زيادة الرخاء في أفريقيا، إلاّ أن  معظم عمليات الترحيل المتعلقة بالطقس تنطوي على الانتقال من الحرمان في الريف إلى الفقر في المدن. يعيش ما يصل إلى 70 في المائة من سكان الحضر في إفريقيا في أحياء فقيرة، فالظروف المعيشية في هذه المناطق الحضرية سيئة بسبب مستويات الثروة النسبية، والافتقار إلى التنمية الاقتصادية في المدن التي تتناسب مع معدل التحضر، والبطالة، وضعف الوصول إلى الخدمات، والاستياء الذي ينفجر أحياناً في عنف كره الأجانب. ومع ذلك، فإن الأشخاص الفارين من المناطق الريفية المتأثرة بالمناخ لن يكونوا في مأمن من تغير المناخ في المناطق الحضرية، لأن هذه المناطق الحضرية معرضة بيئياً للفيضانات. كما تتأثر بعض المناطق بسوء استخدام الأراضي واختيار مواد البناء، والتي تحبس الحرارة وتساهم في تأثير الجزر الحرارية الحضرية، مما يؤدي إلى موجات حرارة شديدة مع المخاطر الصحية المصاحبة لها.

التخفيف من آثار ذلك

وفقاً للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (أي إف بي أر أي) سيؤدي تغير المناخ بحلول عام 2050  إلى ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار المختلطة، مما يؤدي إلى تغيرات في غلات المحاصيل ونمو القطاع الزراعي، وارتفاع أسعار الغذاء، وقلة توافر الغذاء، وزيادة سوء تغذية الأطفال. ومن المتوقع أن يكون الاحترار في أفريقيا جنوب الصحراء أعلى من المتوسط ​​العالمي، وستكون هطولات الأمطار في العديد من مناطق القارة أقل، وسيكون انخفاض هطول الأمطار مدمراً بشكل خاص في تلك البلدان التي تعتمد بشكل كبير على الأمطار في الإنتاج الزراعي. ومع تزايد معدل النمو السكاني في أفريقيا، ستتعرض الإمدادات الغذائية لضغوط شديدة لمواكبة الطلب.

إن الفشل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري يلحق الضرر بجميع دول العالم، ولكن البلدان الأفريقية، كونها الأكثر عرضة للخطر، سوف تتضرر أكثر من غيرها. وستؤدي المستويات المرتفعة من الفقر، والاعتماد على هطول الأمطار في الإنتاج الزراعي، وضعف البنية التحتية أو فقدانها، ونقص شبكات الأمان الاجتماعي إلى تفاقم الوضع المتردي بالفعل، في حين إن بعض مسؤولية معالجة هذه المشاكل تقع على عاتق الحكومات الأفريقية، بحيث تتطلب العدالة المناخية أن يكون هناك تعاون دولي لمواجهة هذا التهديد الوجودي. كما يجب على الحكومات الأفريقية، بالشراكة مع المجتمع الدولي، الالتزام بالعمل المستدام للتخفيف من تأثير تغير المناخ، ولا سيما الآثار على الفئات الأكثر ضعفاً داخل بلدانهم.

خطة عمل للتخفيف من تغيير المناخ

هناك بعض الإجراءات ذات الأولوية التي يجب القيام بها بشكل عاجل الفور، إما في   (كوب 26) أو في مؤتمر يرعاه الاتحاد الأفريقي، ومن هذه الإجراءات:

  • مواجهة عامل الهجرة المدفوعة بالطقس في تصميم وبناء المناطق الحضرية.
  • تعزيز النمو المستدام ، وخاصة في المجتمعات الريفية.
  • تشجيع السياسات الزراعية الصديقة للمناخ، مثل الطاقة النظيفة والفعالة والري الدقيق.
  • توفير سهولة الوصول إلى معلومات الطقس والمناخ، وخاصة للنساء اللواتي يشكلن نسبة كبيرة من القوى العاملة الزراعية وأكثر ضعفاً.
  • زيادة الاستثمار في البحوث الزراعية زيادة كبيرة، إذ تضم إفريقيا حالياً 17 في المائة من سكان العالم وتعتمد بشدة على الزراعة، ولكنها لا تتلقى سوى أربعة في المائة من الاستثمار في البحوث الزراعية من جميع المصادر، بما في ذلك الجهات المانحة أو الميزانيات الحكومية الداخلية، حيث توفر زيادة الاستثمار في البحث فهماً أفضل لمناخ إفريقيا وتأثير تغير المناخ، لذلك يجب أن يتم الجزء الأكبر من هذا البحث، على الرغم من أنه قد يكون ممولاً دولياً بشكل أساسي ، من قبل الأفارقة.
  • تقديم دعم واسع ومستدام للأمن الغذائي وتوسيع نطاق الحصول على الرعاية الصحية، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً.
  • زيادة التعاون بين البلدان الأفريقية لإدارة الصراع وتقديم الإغاثة في حالات الكوارث.