دراساتصحيفة البعث

الإرهاب يستوطن القارة الأفريقية

ريا خوري 

بدأ الإرهاب في القارة الإفريقية  منذ ما يقرب من ثمانية عقود، حيث مرّ بسلسة مراحل متتالية، وكان ظهوره منذ تدخل الاستعمار القديم في الشؤون الإفريقية وحتى  الوصول إلى المرحلة الأخطر التي اتخذ فيها العمل الإرهابي الطابع المنظم الذي يسير وفق قواعد ومناهج محدّدة، من خلال تشكيل تنظيمات وجماعات إرهابية عابرة للحدود.

في ستينيات القرن الماضي كانت العوامل الرئيسية الهامة المحركة للعنف ونشاط الإرهاب هي فشل وعود التنمية والاستقرار بعد الاستقلال، ومشكلات الحدود بين البلدان التي لم يوضع لها حدّ، وكذلك انتشار الفساد المالي والإداري والأمني، وضعف مؤسسات وإدارات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وسوء الإدارة والتهميش المجتمعي والقبائلي، والاستيلاء على السلطة وإدارة الحكم، وحتى الاختلافات الأيديولوجية بين النظم السياسية والحزبية والعديد من الجماعات ومن مكونات المجتمعات الإفريقية المتنوعة، وصولاً إلى النزعات الانفصالية التي ازدادت انتشاراً في العالم.

تشير العديد من الدراسات المتخصصة في مكافحة الإرهاب أن المرحلة الثانية من الإرهاب في أفريقيا في السبعينيات كانت مرتبطة بقضايا غير أفريقية، أما المرحلة الثالثة وهي الأخطر، فقد اتخذ العنف فيها الطابع المؤسسي الرسمي الممتد داخلياً والمحكوم خارجياً، من خلال هيمنة تنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين على عمليات العنف والإرهاب في القارة الأفريقية .

لقد شكّلت هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي في سورية والعراق هزّات عنيفة للتنظيمات المتطرفة، بحيث وجدت في القارة السمراء بيئة خصبة ومناسبة للتمدد وفرض السيطرة، وبناء قواعدها ومراكز تدريبها وانطلاقها من جديد، فقد عملت على استقطاب عناصر جديدة، مستغلة  للمشكلات التي تغرق فيها العديد من الدول الأفريقية، لا سيما مشكلات عدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض تلك الدول.

مؤخراً، بدأ الإرهاب في القارة يتخذ وتيرة متسارعة بشكل لافت، مستغلاً ضعف التنمية البشرية والاقتصادية المجتمعية لدى عواصم عدّة، وكذلك ضعف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ما مكّن جماعات الإرهاب والعنف والتطرف، سواء الجماعات المحلية أم الإقليمية من التواجد بصورة كبيرة داخل عدد من الدول الإفريقية، وأغلب تلك التنظيمات – على غرار تنظيم “بوكو حرام” في نيجيريا – سبقت وأعلنت مبايعتها لـتنظيم “داعش” الإرهابي، ومنها تنظيمات أقدمت على مبايعة تنظيم “القاعدة” الإرهابي  مثل “حركة الشباب الصومالية”.

في المرحلة اللاحقة تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية بشكل لافت، حتى أن العام 2020، وبالرغم من جائحة كوفيد 19 التي اجتاحت العالم، شهد في الستة أشهر الأولى منه نحو  1168 هجوماً إرهابياً، بزيادة بنحو 18 % في عدد العمليات الإرهابية مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019، وفق معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا، ما يعكس حالة التطور الكبيرة وتصاعد الهجمات المؤلمة استغلالاً للثغرات الأمنية الموجودة في تلك البلدان.

رغم الجهود الوطنية التي تبذلها كل دولة لمكافحة هذا الإرهاب، إلا أن تلك الجهود تبقى مقتصرة على عوامل المواجهة الأمنية من خلال استخدامها للقوة العسكرية  دونما علاج للأسباب الحقيقية الدافعة لنمو الإرهاب وتطوره، ما يجعل تلك المعالجة غير محققة وغير ناجعة في إنهاء وجود التنظيمات الإرهابية بشكل كامل.