زواياصحيفة البعث

الغرب يفصّل ديمقراطية على مقاسه

طلال ياسر الزعبي 

مهما حاولت الدول الغربية الإيحاء بأنها تتعامل مع الدول الاشتراكية السابقة المنضمّة إلى حلف “ناتو” تباعاً منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق على أنها دول كاملة العضوية، أو أنها شريكة حقيقية في هذا الإطار بالفعل، فإن ممارساتها على الأرض تفضح هذا النفاق الذي تمارسه إزاءها، ويبدو أنها أي الدول الغربية لم تتمكّن إلى الآن من التخلص من عقدة جدار برلين الذي قسّم أوروبا قسمين في نهاية الحرب العالمية الثانية: اشتراكي شرقي ورأسمالي غربي.

فالدول الغربية على اختلاف الأحزاب الحاكمة فيها، سواء أكانت يمينية مادية أم يسارية اشتراكية، لا تختلف أبداً في طريقة النظر إلى الدول الواقعة شرق جدار برلين رغم مرور نحو ثلاثين عاماً على انهيار هذا الجدار رسمياً في عام 1991، ذلك أن الغاية المبتغاة أصلاً من استدراج الدول الشرقية إلى الانضمام إلى منظوماتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية لم تكن على وجه الحقيقة هي الوصول إلى نوع من التكامل بينها وبين هذه البلدان، وإنما كان الهدف الرئيس الحصول على ما لم يتم الحصول عليه عبر الحروب الطويلة في أوروبا، وهو سيطرة الرأسمالية بالكامل على السلطة في أوروبا، وبالتالي فإن جميع الدول التي لا تزال تتمسك في شرق أوروبا بالفكر الاشتراكي أو تمارس هذا الفكر في إدارة البلاد هي عرضة في أيّ لحظة للعداء من الغرب الرأسمالي، وهذا ما يؤكّد أن الحديث عن معسكرين شرقي وغربي في أوروبا تم تجاوزه فقط عبر الإعلام وليس في الأحاديث المغلقة بين الدول الغربية، أي أن فوبيا الشرق الاشتراكي لا تزال تلاحق هذه الدول مهما حاولت أن تغطي ذلك بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من الشعارات البراقة التي جاءت مع الغرب الرأسمالي، رغم أن تاريخه الاستعماري لا يحقق مطلقاً أيّ معيار من المعايير التي يتم التبجّح بها في هذا الشأن.

ومن هنا جاء حديث وزير الخارجية الهنغاري، بيتر سيارتو، الذي اتهم بلدان أوروبا الغربية بـ”النفاق الكبير”، وعلى وجه الخصوص تجاه روسيا، مؤكداً أن الدول الغربية تتعاطى بازدواجية مع هذا الأمر عندما تسمح لنفسها بالحديث علناً عن شيء وتمارس شياً آخر تماماً، وفي الوقت نفسه لا تسمح للدول الأوروبية الصغيرة بالممارسة نفسها.

وانتقد سيارتو عدم تلقي بلاده الدعوة من الولايات المتحدة للمشاركة في “قمة الديمقراطية” المقرر إجراؤها في كانون الأول القادم، مشدّداً على أن “هنغاريا لا تحتاج إلى أي عامل خارجي يقيّم مستوى ديمقراطيتها”، وأنها ليست طالباً في امتحان الديمقراطية النهائي، فهي عريقة في هذا السياق، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تحترم طريقة هنغاريا في اختيار رئيسها، بينما تطلب هي من الجميع احترام طريقتها في ذلك.

وهذا طبعاً مثال واضح على النظرة الفوقية التي ينظر بها الغرب إلى دول المعسكر الشرقي السابق، حيث إنه لا يعتدّ كثيراً بها إلا بقدر ما تقدّمه من خدمات في سبيل إرساء هيمنته على العالم، وجزء من ذلك طبعاً كبح جماح كل من روسيا والصين ومنعهما من أخذ مكانهما الطبيعي في نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، وهذا بالضبط ما يؤكد أن جميع الدول الشرقية التي انضمت مؤخراً إلى عضوية “ناتو” أو التي حصلت على شراكة معه، إنما هي أداة بشكل أو بآخر لغاية أخرى هي إحكام الهيمنة الغربية على العالم، وأن الصراع بين الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي ما زال قائماً حتى بعد انهيار حلف وارسو المناهض لـ”ناتو”، لأن الغاية الحقيقية هي الهيمنة وليست الخوف من الخطر الشرقي.