ثقافةصحيفة البعث

النحات عيسى سلامة.. وداعاً

رحل عيسى سلامة على عجل..

خبر صادم أن يموت عيسى الرجل النحات الحيوي الصبور والصامت الذي تشرّب صلابة الجبال، وبساطة القرى المعلّقة على السفوح، رحل صديق الزيتون البسيط الذي تغويه كتلة الخشب وعقد الجذوع فيها، رحل الرجل الذي عاش حقيقة النحت والفن، وتحدى الكتل الصخرية الصماء، واستنطقها روحاً جديدة تنتصب مقاومة النسيان حين يتوقف الوقت كشاهد على حقيقة الخلق والإبداع.

هذا النحات الذي لم ينتسب إلا لذاته وفطرته الصادقة العلوقة بالصدق والبساطة وعفوية التعبير، بأدواته الواضحة كعزيمة المحارب يذهب إلى جوهر ما يقع في قلبه، حين يكون أمام كتلة الصخر يحاورها من الداخل، ويتلمس الهواء حول حواف الجسد الذي تخلّق بفعل الأزاميل والمطرقة، وما علق من غبار الحجر على لحيته البيضاء، لتجعل من الحكمة أمراً ممكناً وحاضراً تحت شمس الظهيرة الشائطة.

أكثر من مرة تلاقينا في دمشق، وقبلها في محافظات أخرى، إلا أن حضوره الدائم في المكان الذي ينتصب له عمل نحتي قريب من جسر الرئيس حيث ألقي السلام عليه، ونتصادف في اليوم نفسه في جادة النحات مصطفى علي معفراً بنشارة الخشب، يا لهذا اليوم الغني بالأصدقاء والمحبة.. عيسى سلامة أحد أولئك الطيبين الذين صنعوا الجمال، وماتوا عشاقاً فقراء.

رحل عن عمر لم يتجاوز الستين، رغم ملامح الكهولة على وجهه المغطى بلحية بيضاء، إلا أن صفاء الملامح وسماحتها ترشح عن طفل كبير، من مواليد مزرعة الدريكية في ريف بانياس، ومتفرّغ للفن، لم يتلق أي تعليم أكاديمي، فهو الموهوب بالفطرة التي تطورت بالعمل مبكراً في هذا المجال حتى أضحى من الأسماء اللامعة في النحت السوري.

لروحه الرحمة والسلام.

أكسم طلاع