مجلة البعث الأسبوعية

مع تأكل الرواتب والأجور… منظومة الدعم الاجتماعي ..بدائل لتحقيق المساواة ..واستثناءات لشرائح في غياب  البيانات الدقيقة

دمشق – بشير فرزان

حظي موضوع الدعم الاجتماعي الحكومي بالاهتمام الكبير من مختلف الشرائح والمؤسسات والمعنيين، والمهتمين في الشأن العام، وخصوصا في ظل التأثيرات السلبية التي خلفتها الحرب على سورية،والتي أثرت بشكل كبير على المالية العامة للدولة، وعلى المؤشرات الاقتصادية الكلية،مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والزيادة الكبيرة في أسعار السلع والخدمات العامة، وكذلك الأمر ظروف الحصار والعقوبات أحادية الجانب، والتي أضرت كثيراً في موضوع استيراد السلع والمواد الأساسية المرتبطة بمعيشة السكان اليومية.

وفق هذه المعطيات والمناخ العام الذي يفرض التفكير مجددا بجدوى الاستمرار في الدعم الاجتماعي الحكومي أو تغير أنماطه بما يفضي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين الشرائح السكانية، ومناقشة البدائل المقترحة للدعم الاجتماعي في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. بما يكفل إيصال الدعم إلى مستحقيه .ولاشك النتائج والتوصيات التي توصلت إليها ورشة الدعم الاجتماعي التي أقامها الاتحاد العام لنقابات العمال  من خلال المرصد العمالي للدراسات والبحوث بعنوان «سياسات الدعم الاجتماعي في سورية- البدائل المقترحة» تكشف  الكثير من القضايا المتعلقة بمنظومة الدعم وتوضح السيناريوهات المستقبلية بهذا المسار وتقدم جملة من الاراء والافكار التي ترقى إلى مستوى الحلول المطلوبة والتي تساعد الفريق الحكومي على تلمس طريق الصواب فيما يخص قراراته المتعلقة بالدعم .

.

 أهداف الدعم

في المجمل تعمل منظومة الدعم على تحقيق نوعين من الأهداف ..اجتماعيةو محورها تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتخفيف أثر ارتفاع الأسعار وتقلباتها على مكونات عيشهم، وقد استند نظام الضمان الاجتماعي في سورية قبل الحرب إلى مكون الدعم والذي تمثل في دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية والمياه والصرف الصحي وأسعار الطاقة، حيث تدعم الحكومة ضمن موازناتها العامة بعض المواد التموينية دعماً كاملاً بغض النظر عن الكميات المستهلكة كالخبز، كما كانت تدعم جزءً من استهلاك الأسر من مادتي السكر والرز حيث يخصص لكل فرد من الأسرة كمية شهرية معينة بطريقة (البونات)، وهي عمومية التغطية وغير موجهة. وتدعم الدولة أيضاً أسعار الطاقة كالكهرباء التي يتم احتساب أسعارها وفقاً لشرائح تصاعدية تراعي استهلاك الأسر الفقيرة، والمحروقات التي بالرغم من ارتفاع أسعارها خلال سنوات ما قبل الحرب كانت تقدم إلى المستهلكين بأسعار أقل من سعر التكلفة.

وهناك أهداف اقتصادية محورها بعض القطاعات الاقتصادية كالدعم الزراعي ودعم الإنتاج المحلي ودعم الصادرات. وهذا الدعم موجه لحماية الاقتصاد الوطني وتطوير الإنتاج والتشجيع على التصدير، وبعض أوجهه دعم وسائل الإنتاج كالطاقة ودعم أسعار بعض المنتجات الإستراتيجية.

إشكاليات عديدة

يعاني الدعم بصورته الحالية من عدد كبير من الإشكاليات حيث يتم الاهتمام بالدعم الاجتماعي أكثر من الاهتمام بالمسببات التي استدعتها الحاجة لوجوده، (المدخلات والمخرجات) كضعف الدخول واتساع الفجوة بينها وبين تكاليف العيش، وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، وضعف المقدرة على خلق الوظائف وفرص العمل كما يشكل حجم الدعم الاجتماعي المعلن حيزاً كبيراً من الموازنة العامة للدولة يتجاوز بكثير حجم المبالغ المخصصة لخلق فرص العمل أو تلك المخصصة لزيادات الراتب والأجور والتي لاتزال دون المستوى المطلوب ولا تتبنى سياسات أكثر استدامة. وما تزال مقولة عقلنة الدعم غير واضحة وتنطلق من منطلق شبه وحيد وهو تخفيف الضغوط على الموازنة العامة للدولة بدلاً من تركيزها على تخفيف معاناة الشرائح الأقل دخلاً في إطار أوسع من العدالة الاجتماعية وخاصة عدالة توزيع الدخول.

وإلى جانب ذلك عمقت تجارب سابقة قاصرة من إشكاليات الدعم فعلى سبيل المثال تجربة الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، فأضعف الإيمان وبعد أكثر من عشر سنوات على إطلاق البرنامج ن يكون لديه قواعد بيانات كاملة عن الأسر السورية تساعد في عملية الاستهداف للمعونات الاجتماعية، وبدلاً من ذلك تم تغيير طبيعة عمل الصندوق وتوجيه عمله نحو الإقراض والتمويل الصغير الذي من المفترض إن تمارسه مؤسسات أخرى نظم عملها قوانين أخرى وهي بمعظمها مؤسسات غير حكومية. كما تم إسناد مهام توظيف المسرحين من الخدمة إلى الصندوق بدلا من وزارة التنمية الإدارية أو الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء.

سناريوهات مستقبلية:

تواجه قضية الدعم سيناريوهات مستقبلية عديدة يمتاز كل منها بجملة من الميزات ويؤخذ عليه عيوباً محددة فالسيناريو الاستمراري والمقصود به  الاستمرار بالآليات الحالية القائمة على دعم بعض السلع والخدمات الأساسية بشكل شمولي لجميع المواطنين وميزات هذا السيناريو أنه شمولي التغطية ولا يتطلب جهوداً لتصنيف الأسر حسب مستويات دخولها ووضعها المعيشي.أما عيوبه أنه يشكل عبئاً كبيراً على الدولة ويستنزف جزءاً كبيراً من الموازنة ويحد من قدرة الحكومة على الاستثمار في قطاعات الإنتاج والتخديم، ويحد من قدرتها في رفع الرواتب والأجور. إلى جانب أن استمرار الوضع الحالي يعني استمرار الهدر والفساد في تقديم الخدمات المدعومة ولا يحفز القطاعات المقدمة للسلع والخدمات المدعومة على تطوير نفسها. ويساهم الوضع الحالي للدعم في تشوه الأسعار وتعددها للسلعة الواحدة وخلق أسواق موازية. وفي خلق الازدحام وضياع الوقت للمواطنين للحصول على السلع والخدمات المدعومة وهو سيناريو سيء. إذ أن مشاكل الدعم الحالية ستستمر ويمكن أن تتفاقم على الأمدين المتوسط والبعيد، وما يرافقها من استنزاف موارد الحكومة واستمرار الهدر والفساد والتهريب.

 وفيمايخص سيناريو استمرار دعم السلع بشكل استهدافي لنسبة معينة من المواطنين والذي  يقوم على الاستمرار والمحافظة على آليات وأشكال الدعم الحالية، بعد استثناء فئة معينة من الأسر يمكن اعتبار وضعها الاقتصادي والمعيشي كاف لتأمين متطلبات المعيشة ولديها الدخول الكافية لذلك، لذلك يمكن استثناؤها من الدعم الاجتماعي الحكومي. ومن ميزاته أنه استثناء الفئة التي لديها دخول مرتفعة من السلع والخدمات المدعومة يساهم في توجيه الوفر نحو الفئات الأشد احتياجاً أو تخفيف حجم فاتورة الدعم في الموازنة العامة للدولة، أو توجيه الوفر نحو رفع الرواتب والأجور، وهو شكل من اهم أشكال إعادة توزيع الدخول كما يجب التأكيد في هذه النقطة على أن أي وفورات تتعلق بإعادة هيكلة الدعم يجب أن تعود بالنفع على أصحاب الدخل المحدود وبالأخص فئة العاملين في القطاع العام الذين تضاءلت دخولهم إلى الحدود الدنيا وليس لديهم أي مقدرة على تعويض الفارق بين الدخول والإنفاق. ويخفف العبء عن مراكز توزيع الدعم الاجتماعي وتحسين الأداء بالنسبة لتلك المراكز. يمكن في حال رغبة الحكومة المضي في هذا السيناريو الاحتكام إلى معايير أكثر موضوعية كما تم تسريبها تتجلى (باستبعاد الأسر خارج القطر والتي تزيد مدة إقامتها عن فترة معينة، واستبعاد المنتسبين للنقابات المهنية الأطباء والمحامين والمهندسين والحرفيين وأعضاء غرف التجارة والصناعة والسياحة والزراعة واتحاد المقاولين…)وكذلك الأمر للحاصلين على ترخيص صناعي وتجاري وسياحي، وغيرها من المؤشرات التي تتمتع باستقرار نسبي أكثر من تلك المعايير المتداولة (كالملكيات وفواتير الهاتف والموبايل والتي يمكن اعتبارها متغيرات غير مستقرة وتتغير مع الزمن.

ومن عيوب هذا السيناريو  أنه يعاني من نفس عيوب السيناريو الأول تقريباً. إضافةً إلى عيوب أخرى من قبيل غياب معايير واضحة ومقبولة تسهل عملية تحديد لفئات التي سيتم استثناؤها من الدعم، كما إن أي مؤشرات أو معايير سيتم تبنيها تعتبر معايير متغيرة وبشكل متسارع (كالملكيات أو السجلات ….. وغيرها)وغياب قواعد بيانات محدثة دقيقة وشفافة يمكن الاستناد إليها.

والسيناريو الثالث هو سيناريو الانتقال إلى دعم الأسر بدلاً من دعم السلع والخدمات ويقوم هذا السيناريو على تغيير شكل وآليات الدعم بحيث يتم التحول من دعم السلع والخدمات إلى دعم الأسر بشكل مباشر عبر مبالغ نقدية أو بطاقة ائتمانية  ومن ميزاته التخلص من مظاهر الهدر والفساد التي تعتري أساليب دعم السلع والخدمات الحالي، حيث أن دعم مدخلات الإنتاج سوف يؤدي بالضرورة إلى ظهور حالات الفساد والهدر في هذه المواد والتخلص من تعدد الأسعار لنفس السلعة أو الخدمة والحد من تشوه الأسعار، وإمكانية تخصيص الفائض من هذا النهج في تحسين الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام حيث باتت هذه الفئة هي الأشد احتياجاً.أما العيوب فتتلخص في إمكانية الالتفاف على المواد المدرجة في البطاقة الائتمانية من قبل أصحاب المحال أو السورية للتجارة، وتحويل السلع المفروض الحصول عليها إلى بدل نقدي أو أي سلع كمالية أخرى.

اقتراحات

 سعنا هنا إلا التاكيد على  النتائج والتوصيات التي توصلت إليها ورشة الدعم الاجتماعي التي أقامها الاتحاد العام لنقابات العمال  من خلال المرصد العمالي للدراسات والبحوث بعنوان «سياسات الدعم الاجتماعي في سورية- البدائل المقترحة» والتي خلصت إلى ضرورة إصلاح سياسات الرواتب والأجور كخطوة أولية وضرورة محلة للعاملين في القطاع العام والقطاع الحكومي عموما أولا وللعاملين في القطاع الخاص ثانياً، وهذا يتطلب زيادة الاستثمارات الحكومية فيعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعيةبدل الاكتفاء في زيادة حجم مبالغ الدعم الاجتماعي من الموازنة السنوية، مع التأكيد أن أي زيادات في الأجور والرواتب يجب ألا تكون مرتبطة بالوفر المتحقق من زيادة حوامل الطاقة، بل من زيادة الاستثمارات والعلمية الإنتاجية والنمو الاقتصادي الحقيقي. والعمل على تحسين الأجور والرواتب وفق سياسات تنموية أكثر استدامة، لان الإبقاء على الوضع الحالي فيما يتعلق بالأجور والرواتب يعني تراجع الإنتاجية وتراجع الأداء العام بالنسبة للعاملين في الدولةبمختلف تخصصاتهم، كما يؤدي إلى تسرب العاملين المهرة باتجاه القطاع الخاص أو من خلال السفر إلى الخارج.

ورجحت الورشة السيناريو الثالث كونه السيناريو الأفضل والأكثر واقعية هو المتعلق بالانتقال من دعم السلع والمواد الأساسية إلى دعم الأسر عبر بطاقة تموينية، أو بدل نقدي. نظرا لما يحققه هذا السيناريو من مزايا تتعلق بخفض الفساد والهدر في علميا التوزيع، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الشرائح السكانية المستحقة للدعم. حيث أن الاستمرار في سياسات الدعم الاجتماعي الحكومي الحالي تعمل على زيادة الاستهلاك من السلع والمواد المدعومة، إضافة إلى العبء المالي الكبير الذي يتطلب تأمين تلك المواد سنويا. تم الاتفاق على أن البيانات المتوفرة عن الدعم تحتاج إلى تدقيق ومراجعة، فالمبالغ المرصودة لا تتحول إلى الجهات المعنية بشكل كامل، والمبالغ المحولة لا يتم إنفاقها.، وحتى آليات الإنفاق يكتنفها الكثير من الثغرات والهفوات، من حيث: طرق احتساب التكاليف للسلع والخدمات المدعومة حيث تعاني طريقة احتساب بعض السلع من ازدواجية (النفط والكهرباء). كما إن تحميل فاتورة الهدر والفساد وضعف كفاءة المؤسسات على الدعم يضخم وبشكل مبالغ فيه من التكاليف المحسوبة (فاقد مياه الشرب والكهرباء………….) ولفتت التوصيات أيضاً إلى أن الحكومة تسعى دائما إلى ضبط الأسعار وحماية المستهلك من عوامل التضخم، ولكنها في المقابل تقوم برفع أسعار المواد والسلع الأساسية والخدمات العامة(المازوت والبنزين والإسمنت …) مما يتسبب في التضخم وزيادة الأسعار. ولذلك من الضروري التعامل مع كل سلعة أو خدمة من سلع وخدمات الدعم الاجتماعي الحكومي بشكل منفصل عن الأخرى نظراً لطبيعة كل منها وشدة تأثيرها في حياة المواطنين ومعيشتهم. ودعن التوصيات إلى عدم الخلط بين الدور الذي تمارسه مؤسسات التدخل الإيجابي كجهة معتمدةلتوزيع السلع المدعومة، وبين دورها المستمر في التدخل في الأسواق لضبط الأسعار وصولاً إلى السعر العادل وبين دورها كمؤسسة تجارية تعمل وفق معايير اقتصادية على مبدأ الربح والخسارة باعتبار أن هنالك تنقاض واضح بين الدورين، بالتالي يجب تعريف مفهوم التدخل الإيجابي، والذي يجب أن يكون له محددات وروائز محددة غير قابلة للتغير والتفسيرات المختلفة.