ثقافةصحيفة البعث

قراءة في المجموعة الشعرية “بالأميرات أحيا”

مجموعة مكثفة بالصور الشعرية والمعاني السرمدية والشاعر اعتمد القصيدة العمودية التي تصدح بموسيقاها لتحوي بين دفتيها نحو خمسين قصيدة إذا قرأت بدايتها تشدك للنهاية. مقدمة المجموعة كانت بقلم الدكتورة الشاعرة “وئام قشوط” حيث كتبت الشاعر اللامي عراقي الأصل حبه وعشقه لسورية جعله ينتقل ويسكن في بلده الثاني سورية ارتشف الشعر بنهم حواسه وقواعد العروض منذ صغره وهذا الديوان يثري مملكة الشعر العربي الأصيل، وقد تناولت المجموعة الوجدانيات بحروف مميزة وبصمة وأسلوب جذاب، فكانت كل قصيدة لوحة بصورة شعرية تجعل القارئ ينغمس بين سحر ومشاعره الصادقة وخياله المتمرس بلغة شفافة كالضوء وفي قصيدة زاهدة يقول:

وزاهدة تميل الخد نكرا

قبلت بما قست ووجدت عذرا

ورغم محبتي وتوددي كان

يحمل حبها في السر غدراً

هنا جاءت القصيدة على التأكيد بتناغم الصور الجميلة فهي وردة الذوق الرفيع ودمعة القلب الكسير وقصة الحب والقلب، واختار الشاعر الصور الموحية وبالتالي لم تكن أنثى أو طوراً أو سراً أو جهراً، وفي قصيدته “فتاة” جاء مخاطباً:

جمال أنت يعشقك الجمال

وسحر راح ينعاه الخيال

فتاة من بني عيسى تجلت

بحلتها على قلبي المقال

سلاما كان مبسمها يحيي

ولكن في الحشا هب اشتعال

هنا منح الوزن إيقاعاً جميلاً أفسح فرصة للمتلقي لأن يلتقط الأنفاس ويقول ويكمل كل مالم يقله السارد ويحلق بعيداً بصورة شعرية يرسمها لنفسه مختلفة بين الشخص والآخر، وبدت النصوص بمجملها الاسمية أكثر وضوحاً وترادفت الأسماء والصفات وتكررت بعض الألفاظ، ويظل السؤال معلقاً من دون إجابة مقنعة في أكثر الحالات وتظهر ياء الراوي للسارد الفاعل دلالة على الذات مثل غصوني، يكويني، عريني، ويبدو السكون ملازماً للروي والوزن والإيقاع الجميل، وهذا يدل على استمرار الحالة الشعرية مع وضوح الأنا الصارخة في كل النصوص.

وفي قصيدة “قاتلتي”يقول:

شيء إليك يشدني يغريني

ينقض في الوجدان كالمجنون

شيء على مر العصور يقودني

مذ كان بدء الخلق بالتكوين

ويغوص في الأعماق ليس تحده

شهب اللظى بحميمها المكنون

ظهرت مرادفات الإيقاع الموزون فبدت صورة المرأة الجميلة العاشقة في معظم نصوص الشاعر اللامي وظلت الأنثى قابعة في أكثر النصوص فهو الذي يحتاج إلى امرأة نارية أو زيتية أو بحرية أو امرأة من ورد تجمع شتاته وتحاوره وتسأله أو تسلبه ماله، ويقرر أخيراً امرأة وكفاه في كل قصيدة حالة ويكون الهاجس عاطفياً والصورة روحية وليست مادية، وقد يتداخل وصف المرأة مع المكان كرمز فطري يتحول إلى عشق أنثوي، والعكس أيضاً تظل المرأة/ الأنثى قابعة في لاوعي الشاعر كحالة عطشى ويظل الوزن ملازماً للصورة الشعرية ويستمر الإيقاع خفيفاً ومرادفاً للدفقة الشعرية التي قد توحي بالفكرة المراد قولها.

وفي قصيدة للأم يقول:

أمي أراك مع العيون جليسة

كالهدب تجلس حوله الأحداث

وبعثت من ورق الكلام رسائلا

ياأمي هل وصلت لك الأوراق

حملت أشواقي بجنح حمامة

في الشوق إنك والحمام رفاق

فأنا أنيسك كنت أنت أنيستي

والدمع خلف حديثنا ينساق

كانت الصورة خفية والإشارات معبرة ومنحت القافية الساكنة جمالاً للنص وساعد الوزن والإيقاع بجمال اللفظ والمعنى. المجموعة الشعرية بالأميرات أحيا فيها التكثيف الذي يتطلبه الشعر ما يوحي بمجموعة من الأفكار في إطار نصي موجز ومكثف ومع غياب الصور الواضحة في بعضها.

وفي قصيدة “ما أحلى السراب” يقول:

جاءت على عجل

يغطيها وشاح

فهي بدر كان يلتحف الظلام

ومن جمال الحرف صاغت

حلة هي لؤلؤ

قد طرزته في سماسرة الكلام

مثلما للورد عطر للندى ألق

والحب اشتياق

نص زاخر بالتراكيب الوزنية والأفكار التي حاول الشاعر الإشارة إليها من خلال النص. المجموعة الشعرية فيها خصوصية لمرايا الواقع ولحالات الأنثى التي عبر عنها اللامي كتقنية شعرية واضحة ومعايير تجاوزت الكثافة ومسار البحث والغوص في ألم يضج بالأسئلة والعاطفة المؤثرة والمشوقة جعلت الشاعر يضيء الأفق وينثر حروفه على أهداب اليقين.

هويدا محمد مصطفى