الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

اقتراح برسم اتحاد الكتاب

عبد الكريم النّاعم 

هذا الاقتراح أتقدّم به للمكتب التنفيذيّ في اتحاد الكتّاب العرب، الذي أشدتُ به أكثر من مرّة، فلولاه لما كان باستطاعتي وباستطاعة الكثيرين غيري طباعة ما طُبع، ولا ننسى الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة، فبهذين الجناحين طار مَن طار.

اسمحوا لي بداية أن أعود إلى الماضي السحيق، فبعد سقوط بغداد على يد المغول، وبعد تلك المجزرة البشريّة الثقافيّة، وبقيام الدول المتتابعة، كما يسميها المؤرِّخون، تراجعت اللغة العربيّة شعريّاً، وعلى مدى سنوات طويلة، وهو العصر الذي أُلِّفت فيه الموسوعات المعروفة، وتراجع الشعر، إلاّ من بعض القصائد الجميلة، وانشغل الشعراء بأنماط جديدة تعبّر عن سطحيّة العصر من الناحية الشعريّة الجماليّة، وعرفنا أنماطاً من أبيات الشعر التي إذا قُرئت من اليمين إلى اليسار كانت مديحاً، وإذا قُرئت من اليسار إلى اليمين كانت ذمَّاً، أو أبيات شعر ليس فيها حرف منقوط، أو أبيات كلّها منقوطة، ولا أُنكر أنّ مثل هذا ليس سهلاً، وعلى مَن يستسهله من شعرائنا المعاصرين أن يُجرّب ذلك، بيد أنّه (نظم) لا روح فيه، وكان الشعراء يجيدون لغتهم العربيّة، كتابة وقراءة، وأركّز على كلمة (قراءة) لأنّها مفتاح هذه الزاوية، وتلت تلك الأزمنة أزمنة الاحتلال التركي العثماني التي خيّمت على هذه الأمّة أكثر من أربعمئة سنة، تراجعت فيها اللغة تراجعاً مخيفاً، وجرى تغييبها بهدف تتريك العرب، وبعض مخلّفات تلك السنوات، ما زال للأسف له حضور ما، لدى البعض!!.

في جامعة دمشق، ولزمن طويل كان على خرّيج الجامعة، كليّة الآداب، اللغة العربيّة، أن يخضع لفحص شفهي، يستدعيه أستاذ المادة، ويعطيه صفحة من كتاب ليطّلع عليها اطلاعاً أوليّاً، ولمدة قصيرة، ثم يطلب منه أن يقرأها بصوت واضح، وأن يحرّك أواخر الكلمات، فإذا كانت قراءته سليمة مُنح إجازة التخرّج، وإلاّ فعليه أن يُعيد هذا الفحص مرّة أخرى، طلباً للتأكّد من أنّ هذا الخريج لا يُخطئ في قراءة لغته قراءة سليمة، وكان امتحاناً له رهبته، فينجح فيه مَن ينجح، ويرسب من يرسب.

الآن، ممّا يؤسف له أن خريجين جامعيّين لا يُجيدون قراءة النص قراءة سليمة، وكان لهذا نتائجه الخطيرة على مستوى التعليم في الثانوي والإعدادي، بل أكثر من ذلك ثمّة من تخرّج من المعاهد المتوسطة، باختصاص لغة عربيّة يُخطئون أخطاء إعرابية فادحة، ويصرّون على الخطأ فلا يتراجعون عنه، رغم وضوحه، وممّا زاد الطين بلّة أنّ ثمة أساتذة جامعة لا يجيدون التكلّم لمدة خمس دقائق بلغة سليمة، ويتذرّعون بأنّ اختصاصهم علميّ!! وكأن ذلك يجيز له أن لا يُتقن لغته التي هي بعض هويّته.

الآن نصل إلى المفصل المقصود، وهو أنّ ثمّة أدباء وأديبات يصعدون إلى المنبر لقراءة الشعر، أو القصة، أو النقد، فإذا أنت أمام مجزرة من رفع المجرور، ونصب المكسور، ورغم معرفة من يواجه الجمهور بذلك فإنّه يكاد يتمايل طرباً، بينما يتمزّق شيء في داخل الذين عرفوا هذه اللغة وأحبّوها، ولقد أصبحت ظاهرة شبه مسلَّم بها أن يُدعى الناس لأمسية فإذا فيها مَن يهزّ عظام الفراهيدي وسيبويه، دون قلق، أو وَجَل!!، لذا أقترح على اتحادنا المحترم، بعد أن صار في قبول الانتساب إليه درجة “مرشّح” أن يخضع طالبو الانتساب لقراءة شفهيّة تُكتشف فيها سلامة لسان هذا الذي سيصبح عضواً في الاتحاد، أقول هذا لأنّ الكتب المُقدَّمة لطلب القبول لا تُظهر شيئاً من هذا، وليس المطلوب أن يكون من جهابذة اللغة، بل أن يكون “مستقيم اللسان”، بحسب تعابير أدبائنا القديمة.

aaalnaem@gmail.com