الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ساعة إلاّ…

عبد الكريم النّاعم

أحدّثكم عن ساعة من نهار من أيامنا التي تخترقنا اختراقاً دون أدنى التفات لِما تفعله بنا، ولست بصدد أزمنة الله الكبرى التي يصل يومها إلى خمسين ألف سنة، على ما يمكن أن نجده من ربط بين الزمنين من النّاحية النفسيّة.

مررنا بفترة كانت الكهرباء تصلنا نصف ساعة كلّ خمس ساعات، وهذا زمن لا يكفيك لفعل أي شيء تريد استخدام الكمبيوتر فيه، حتى أنني فكّرت بالاعتذار عن كتابة زاويتي التي تقرؤونها لعدم وجود الكهرباء، كما أنّ إرسال المادة يحتاج إلى كهرباء، كلّه يحتاج إلى الكهرباء، حتى التي تخضّ اللبن في القرية لاستخراج الزبدة أصبحت تخضّه بواسطة الكهرباء، والنصف ساعة لا تكفي لتثاؤبة طويلة، ذلك كان الحال، ونسأل فنُجاب أنّ هذه مخصّصاتنا في حمص من دمشق.

منذ يومين الكهرباء تأتي ساعة إلاّ كلّ خمس ساعات (إفرح يا قلبي)!! وفي هذه الساعة علينا أن ندخل في سباق يحتاج إلى أجسام تحتمله، فعلينا أن نراقب ما إذا كانت المياه متدفّقة من أجل وجبة غسيل كادت تخمّ في جوف الغسالة من طول ما لها، ووجبة واحدة قد تحتاج إلى متابعة الكهرباء حين تأتي لمدّة أسبوع أو أكثر، كما علينا أن نشحن “البيل” الكاشف، لأنّه رفيق عزيز في مثل هذه الأيام الصارمة، وعلينا أن نسارع إلى وضع الموبايل في “البْريز”، دون أن ننسى وضعه بوضعيّة طيران، فقد قال لنا من نقدّر أنّه أَفْهم منّا في هذا المجال أنّ ذلك أسرع في شحن الموبايلات.

أنا أكتب الآن وأنا مضطرب خائف من انقطاع الكهرباء، لأنّ عليّ آنذاك أن أنتظر لخمس ساعات تالية.. كما أكتب وقد فقدنا الحدّ الأدنى ممّا نحتاجه من ساعات راحة، وهذا علينا أن نحذفه الآن فالكهرباء هي التي تحدّد لك ما يجب عليك فعله، وعليك أن تنصاع، وليس لك خيار آخر، أمّا التلفزيون ففي هذه الساعة أضعه على محطّة ما لألتقط فتات الأخبار، وهذا غير ممكن لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يجعل لمخلوق قلبين في جوف واحد، ولا تنسوا “بطّارية” اللّدّ، فهي تحتاج إلى تفقّد، رحم الله مَن اخترع هذا الاختراع، ولولاه لكنّا في حالة يُرثى لها، ولكنْ يا حسرة، ماذا يمكن أن تشحن خلال هذه الساعة، ولذا فهي تتأجّج لفترة قصيرة، ثم تبدأ بالاضمحلال التدريجي حتى لكأنّنا في أيام “البصبوص”!! والبَصْبوص للذين لا يعرفونه وعاء من صفيح على هيئة مخروط، يوضع فيه بعض الزيت، وتُشعل فتيلة توضع فيه، وكان هذا كل إنارة تلك الأزمنة، وهو بالكاد يسمح لك بتمييز مَن يجلس بجانبك.

أنا لا أطمح إلى أن تكون بيوتنا كبيوت مَن أنعم الله عليهم كثيراً كثيراً!! بل أحلم بأن تكون الكهرباء ثلاث ساعات بثلاث على الأقلّ لنستطيع القول إنّنا نعيش في هذا العصر، لا في أيام “الجَلّة”.

هذه الساعة نمضيها جرياً كما ذكرتُ لكم وراء كلّ ما يحتاج للشحن، سوى أرواحنا المشحونة بما يفيض، وتمرّ مرّ السحاب، ثم نجلس بانتظار إطلالة ثانية، فنحن في خوف وترقّب حين تأتي، على طريقة ذاك الذي أمضى عمره وهم يقولون له “إجاك الواوي إجاك الدّيب”، جاءك الواوي جاءك الذّيب، فهو في خوف دائم لا يعرف كيف يستقرّ.

أنا حدّثتكم عن الساعة المُكهربَة، الآن انقطعت الكهرباء بعد إطلالتها بأربعين دقيقة وليس لساعة كاملة، لكأنهم يستكثرون علينا أن نُكمل ساعة في ضوء ما يمنحوننا إياه، وبانقطاعها ينقطع الكلام المُكهْرَب.

aaalnaem@gmail.com