ثقافةصحيفة البعث

أيام الفن التشكيلي السوري.. تكريم الجمال وتعزيز الحياة

افتُتحت فعاليات الموسم الرابع من أيام الفن التشكيلي السوري بمعرض للفنان الراحل محمود جلال وتكريم الفنانين التشكيليين الذين كان لهم الدور المهمّ في الحركة التشكيلية السورية وإثرائها: ميلاد الشايب، سوسن جلال، فؤاد أبو عساف، ناثر حسني، محمد بعجانو، سارة شما.

وستفتتح عدة معارض فنية خلال أيام الفعالية التي اختارت تمثالاً أبدعه نحات سوري قبل خمسة آلاف وخمسمائة سنة ليكون رمزاً للأيام التشكيلية التي يحتفى فيها والتي حملت عنوان “10000 عام” وهو عمر اللقى الأثرية الفنية التي تتكوّن من ثمانية تماثيل من الصلصال المقسى بالنار والحجر الكلسي محفوظة في المتحف الوطني بحلب تمّ اكتشافها في تل مريبط على الضفة اليسرى لنهر الفرات خلال التنقيبات الأثرية، ويعتقد الآثاريون أنها تمثل المرأة كرمز الخصوبة، حيث حرص الفنان القديم على تأكيد الجانب الأنثوي فيها، في حين أهمل معالم الوجه لعدم ارتباطها المباشر برمزية التمثال، وقد استوحى الفنان عبد الناصر ونوس من هذه اللقى المكتشفة والتي تعود إلى عصر جمدة نصر “3100- 2900 ق. م” وخاصة معبد العيون كرمز بصري “لوغو” خاصاً بهذه الفعالية التشكيلية الواسعة.

في بداية اليوم الأول للاحتفالية، كرّمت وزيرة الثقافة بعض أعلام التشكيل السوري، منهم من رحل، ومنهم لا زال ينتج الجمال ويعيشه إبداعاً وعطاءً، والبداية مع الراحل محمود جلال الذي حملت الاحتفالية اسمه لهذه العام بمناسبة مرور 110 سنوات على ولادته التي كانت في ليبيا والحاصل على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى لأهمية إنتاجه ومساهمته البالغة في انطلاقة وترسيخ الحركة التشكيلية بحكم الدور الذي أداه في المواقع العلمية، ومساهمته الفاعلة في إيفاد الطلاب لدراسة الفن في أوروبا وتأسيس كلية الفنون الجميلة، صنّفت تجربته ضمن الكلاسيكية الحديثة وتميّزت بقدرتها على استثمار القواعد الأكاديمية لصياغة التجربة التي تنسجم مع مفهومه للرسم وفن التصوير الذي يُعنى بالخصوصية والمحلية، وتستلهم من البيئة المحيطة عناصرها “لوحات الراعي وصانعة القش، وبقية أعماله النحتية، الفدائي، الأمومة”.

ميلاد الشايب

يلقب بالمعلم وذلك لدوره في تعليم طلبة كلية الفنون فن الرسم من خلال اصطحابهم إلى معلولا ورسم المواقع الحيّة بغية تدريبهم، وذلك من بداية ستينيات القرن الماضي مانحاً مهنة التعليم نكهة الأبوة التي تدوم لزمن أبعد من الزمن الذي تمنحه الحياة، فقد تخطّت سمعته حدود الفنان الأستاذ والمعلم لامتلاكه تجربة عالية الخصوصية رغم ندرة أعماله، وقد نال عام 1965 جائزة الدولة التشجيعية وتكريم رئيس الدولة مع الفنانين الرواد بميدالية ذهبية، كتب عنه فاتح المدرس: “شاهدت ابتسامته.. إنها حزينة.. بريئة وساخرة.. لكن هل شاهدتم قلم الرصاص كيف يرقص في يده؟.. إنها رقصة زمن الحضارة في قلوب الفنانين الكبار أمثال فنان معلم.. فما أروعه من فنان معلم”.

سوسن جلال

تخرجت من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1977 ومارست التدريس لعدة سنوات وأقامت عشرات المعارض في بلدان وعواصم متعدّدة، تتميز تجربتها بالسعي نحو خصوصيتها الأخاذة في رسم معالم المشاهد الطبيعية والطبيعة الصامتة وخاصة الزهور، ولقبت بالفنانة السوسنة لرقتها وامتلاكها الحساسية العالية حيث مكمن السر في لوحاتها التي تبهج الآخرين ولم ينجح رحيلها في إخفاء عبق روحها الهفهافة مثل وردة دمشقية رسمتها ذات يوم.

فؤاد أبو عساف

بين تخرجه من كلية الفنون الجميلة ورحيله ثلاثون عاماً من العطاء المستمر والغزير بشكل لا يتوقعه المرء، مترجماً شغفه بالنحت والحياة في مواجهة قسوة المرض والحجر معاً، فأبدع أعمالاً توزعت في الصالات والبيوت مختزلاً في تجربته جذوراً تمتد إلى الفترة الرومانية والبيزنطية التي تحفل بآثارها محافظة السويداء.

ناثر الحسني

على امتداد خمسين سنة منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة اتخذت حياته مسارين متوازيين، أولهما إنتاج اللوحة وتعليم فن الرسم في المعاهد الخاصة وأضاف بمنتجه رصيداً قوياً لتلك التجارب التي اهتمت بالبيئة والعمارة الدمشقية، حيث عمل لسنوات في بداية مشواره الفني مرمماً لتلك البيوت التاريخية في دمشق القديمة فسكنت البيوت والحارات وجدانه وأضحت موضوعه الأثير.

محمد بعجانو 

درس النحت في كلية الفنون الجميلة متتبعاً ميله لهذا الفن العظيم واستجابة لموهبته الفذة وبراعة خياله الجامح الذي أثبت من خلال أسلوبه شخصية مميزة بين كوكبة النحاتين السوريين، واليوم وبعد أربعين سنة من معالجة الرخام والحجر والخشب ومختلف الخامات التي استنطقها فكراً وجمالاً لا زال يطوف مدينته ومحيطها متأملاً مكامن الجمال فيها ومتلمساً جوانب الخلق والتاريخ حوله.

سارة شما 

تخرجت من كلية الفنون الجميلة ونالت جائزة الفنانين الشباب في العام نفسه، والتي نظمتها نقابة الفنون الجميلة، وقد حرصت سارة على تطوير قدراتها في الرسم ناسخة عدداً من اللوحات العالمية مما أكسبها خبرة كبيرة في التعامل مع سطح اللوحة وامتلاكها البراعة في التصوير الزيتي، وتبدو سارة منساقة في لوحاتها نحو التعبير بحرية عن عوالمها الداخلية وعن كل ما يحيط بها بشجاعة المغامر الواثق بأدواته، حازت على جائزة البورتريه في لندن 2004 وجائزة ووتر هاوس للتاريخ الطبيعي في أستراليا وجائزة بينالي فلورانس 2013.

هذا التكريم هو تكريم للمبدع السوري الذي دافع عن قيم الحق والجمال ورهن حياته باحثاً ومنقباً ومنتجاً للفرح والحياة.

أكسم طلاع