مجلة البعث الأسبوعية

المجازر تنتظر صوت الحق… الكيان الصهيوني الأكثر عبثاً بالشرعية الدولية

البعث الأسبوعية- محمد نادر العمري

ليس غريباً أبداً أن يقدم الكيان الصهيوني وحكوماته المتعاقبة ومسؤوليه السياسيين والعسكرين على الاستهتار بالشرعية الدولية المنبثقة عن المنظمات الحكومية وغير الحكومية عبر القرارات والتوصيات وغيرها من المبادئ التي تشكل أسس القانون الدولي ومرتكزاته. منذ زرعه في المنطقة كانت الإيديولوجية الصهيونية وفكرها العنصري قائم على تزييف الحقائق ورفض القرارات الدولية التي تتعارض مع مصالحها، بل تعادي المنظمات التي تقف في طريق تنفيذ مشروعها الاحتلالي.

فعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني هو الكيان الوحيد الذي أنشأ بتوافق وقرار داخل الأمم المتحدة وفي ظل ظروف دولية كانت تتسم بتراجع نفوذ الامبراطوريات الاستعمارية السابقة وصعود وهج الولايات المتحدة الأمريكية وتلاقيها مع أهداف الصهيونية، إلا أن هذا الكيان مالبث أن أهان بشكل وضيع ميثاق الأمم المتحدة.

والشواهد على ذلك كثيرة على مر التاريخ المعاصر، حيث تمثلت بدايةً برفض القرارات الدولية وبخاصة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحتى تغيير مضمون وجوهر القرارات كما حصل في القرار 242، ورفض الانصياع للتوصيات الدولية، وإخراج الأمم المتحدة من دائرة التفاوض مع الدول وحول شكل وجودها.

واستكمالاً لهذه السلسلة البذيئة من الاستهتار بالمنظمة الدولية، و في أحدث مشهد سياسي أممي يمكن وصفه بهزلي، هاجم الكيان الصهيوني مؤخراً الأمم المتحدة لإحيائها يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي تزامنت ذكراه هذا العام، في نفس يوم الذكرى الـ 74 للتصويت على خطة التقسيم التي دعت لقيام دولة يهودية إلى جانب دولة عربية خلال الانتداب البريطاني، حيث وصف سفير الكيان الصهيوني المغتصب  لدى الأمم المتحدة “جلعاد أردان” هذا الحدث و تنظيمه في الجمعية العامة في الرابع من كانون الأول 2021، بأنه عمل معادي “لإسرائيلي ” ويهدف بالمقابل إلى تعزيز حق العودة للفلسطينين، مضيفاً إن “ذلك أمر شائن” واتهم أردان المجتمع الدولي بالتركيز فقط على دعم الفلسطينيين، قائلاً : “لدى الأمم المتحدة الوقاحة لكي تنظم حدثاً تضامنياً مع الفلسطينيين في اليوم الذي اختار فيه الفلسطينيون العنف”، معلناً أن بعثة الكيان الإسرائيلي في الأمم المتحدة ستطلق بالمقابل وتنديداً بما حصل، حملة بالاشتراك مع المؤتمر اليهودي العالمي ستسير خلالها شاحنات في أنحاء نيويورك تحمل رسالة “لا تمحوا التاريخ اليهودي” في رسالة مفادها تأليب الرأي الأمريكي على دور الأمم المتحدة ومحاولة الحصول على المزيد من الدعم للمشروع الصهيوني من المنظمات المتطرفة.

هذا الموقف المعبر عن وقاحة واستهزاء الكيان لم يتوقف عند هذا الحد، ولم يكن ذلك الحدث الأول من نوعه، حيث قام السفير ذاته أي جلعاد أردان نهاية شهر تشرين الأول من العام 2021 بتمزيق تقرير لمجلس حقوق الإنسان يدين جرائم دولة الاحتلال المرتكبة بحق الفلسطينيين، بدعوى أنه “منحاز وغير موضوعي”، علماً أن هذه الجلسة شهدت انزعاجاً واضحاً من قبل بعثة الكيان في الأمم المتحدة، حيث سعى مندوبها تزييف الحقائق وتغيير وجهة اللوم ، عندما وجه الكلام  لرئيسة المجلس التابع للأمم المتحدة نزهة شميم خان، قائلاً: ” أن تقديمكم التقرير السنوي للأعضاء، خلال الجلسة المخصصة لمجلسكم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمعنون ( الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين) هو منحاز وغير موضوعي، فمنذ إنشاء هذا المجلس قبل 15 عاماً، وهو يوجه اللوم والإدانة إلينا، ليس 10 مرات فقط مثل إيران، أو 25 مرة مثل كوبا، بل 95 مرة أدنتم  إسرائيل”. وختم المندوب الإسرائيلي قوله بجملة تعبر عن مدى منظور وتعامل كيانه مع الشرعية بالقول : ” إن المكان الوحيد الذي يستحقه هذا التقرير هو سلة المهملات، وهذا بالضبط ما سنتعامل معه”، ليقوم بتمزيق التقرير أمام أنظار الحاضرين ورميه في سلة المهملات وسط صمت الجميع.

هذا المشهد الاستهزائي لمجلس حقوق الانسان والامم المتحدة وقراراتهم يعيدنا بالذاكرة لجملة سلوكيات مماثلة من  الوضاعة الصهيونية، فهناك سجل حافل طويل من المواقف الاسرائيلية الاحتقارية للأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، فرغم الكم الهائل من القرارات والبيانات والغولدستونات- نسبة الى تقرير غولدستون – المتعلق بالجرائم والتحقيقات الدولية- الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، والتي كان أقربها تقرير مجلس حقوق الإنسان المشار إليه، إلا أن الكيان الصهيوني لم يلتزم يوماً بالقرارات والمواثيق الدولية، بل لم يحترم يوماً الامم المتحدة، على الرغم من أن هذه المنظمة هي التي شرعت وجود ذلك الكيان، بل إنهم- أي طغاة الكيان الاسرائيلي- يعلنون صراحة عن احتقارهم للأمم المتحدة وعدم انصياعهم لقراراتها ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو وقبله شارون وغيرهم كانوا يرمون خلف ظهرهم كل مطالب المنظمة في أي اعتداء على أي دولة عربية أو المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.

حتى أننا يمكن وصف هذا الاستخفاف الصهيوني بالأمم المتحدة وقراراتها ومنظماتها بأنه متراكم وبات يمثل ثقافة أو تراث من الاحتقار الاسرائيلي للأمم المتحدة، على الرغم أن كل قراراتها تجاه الكيان كانت صورية أو مايمكن وصفه أنه مع وقف التنفيذ نتيجة الدور الأمريكي الرافض لكل محاولة تدين الكيان، حيث لعب قادة الكيان دوراً في ذلك، أبرزهم:  دافيد بن غوريون أول رئيس للحكومة الاسرائيلية عرف برفضه التعامل مع الأمم المتحدة متعاملاً معها باحتقار عندما وصفها بعد عدوان 1948 أو مايعرف بالنكب “أوم شموم” وتعني  ” أوم : اختصار هيئة الأمم المتحدة بالعبرية، شموم :لا شيء”، ويوثق أوري أفنيري اليساري اليهودي المناهض للسياسات الاجرامية للصهيونية عن بن غوريون : “لقد خرق بن غوريون آنذاك دون تردد قرارات وقف إطلاق النار التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة عندما كان الأمر مريحاً له حتى أنه كان يوجه كلامه للجنود الصهاينة : “لاتنصتوا لأحد، لن تردعنا أي قوة علينا تحقيق حلمنا، وكل القرارات التي تتخذها الأمم المتحدة ستسقط أمام تجاهلنا لها عندما نفرض الأمر الواقع”.

وبالعودة للتقويم الأممي وارشيفه الممتلئ بالقرارات الدولية المتعلقة بالشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المغتصبة، فإن هناك اليوم مايزيد عن  845 قراراً دولياً صادراً عن الامم المتحدة ومؤسساتها ولجانها المختلفة لم يلتزم بها “الكيان الاسرائيلي” ولم تنفذ في يوم من الأيام أيا منها، غير أن كل هذه القرارات الملزمة منها وغير الملزمة، أصبحت متراكمة مغبرة على رفوف المنظمة الدولية، بعد أن رفضها الكيان الصهيوني وضرب بها عرض الحائط  أو بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض “فيتو” في موقف داعم للعربدة الصهيونية، ولعل هذا المشهد هو الذي دفع حكومات الاحتلال ليس لتجاهل هذه القرارات، بل القيام بما يعارضها كقرار وقف الاستيطان على سبيل المثال لا الحصر.

يضاف إلى ذلك سلسلة طويلة من الشهادات والوثائق، ومن ضمنها اعترافات وشهادات ضباط كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء مقابلات أجريت معهم، والذين قاموا بالكشف عن جملة من المجازر والمحارق التي نفذت ضد جنود مصريين في العام 1956 وفي العام 1967، فإنه لا يبقى عملياً سوى أن تتحرك العدالة الدولية /الغائبة المغيبة حتى اليوم/ وأن تتحرك محكمة الجنايات الدولية على نحو يحقق العدالة الدولية المعتقلة لصالح الكيان الصهيوني، فقانا ودير ياسين وصبرا وشاتيلا وغيرها الكثير من المجازر مازالت تنتظر أي صوت للحق للمطالبة بالعدالة والقصاص لضحاياها الذين تحولوا لمجرد أرقام جزئية في تاريخ الكيان الإرهابي.