مجلة البعث الأسبوعية

سياسات أردوغان الاقتصادية الحالية ليست جهلاً، بل خيانة

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

في ظل أزمة اقتصادية حادة، يعيش رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان اليوم أسوأ لحظاته كرئيس للدولة، فمع الانهيار المتزايد الذي يشهده الاقتصاد، وتهاوي الليرة إلى أدنى مستوياتها والارتفاع الهائل لمعدل الفقر الناتج عن سياساته الاقتصادية التي لا تحتكم إلى أي منطق، بدأت التوترات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد تزداد وضوحاً.

وبحسب البيانات التي نُشرت مؤخراً، يرزح المواطنون الأتراك بشدة تحت عبء أزمة ديون آخذة في الازدياد بشكل متسارع، حيث يواجه الملايين دعاوى قضائية بسبب الديون المستحقة، إذ بلغ إجمالي ديون المواطنين الأتراك منذ كانون الثاني 2021،  979.1 مليار ليرة تركية، أي 72 مليار دولار تقريباً، ومن بين تلك الديون ملياري دولار متخلفة عن الدفع، حيث بلغ عدد المواطنين غير القادرين على سداد ديونهم الائتمانية الاستهلاكية حوالي 788800.

وحسبما ذكرت “بلومبرغ” بلغ معدل التضخم في تركيا 21.3٪ في تشرين الثاني الماضي مقارنة بـ 19.9٪ في تشرين الأول، ويعد ذلك أعلى مستوى وصل إليه في ثلاث سنوات، ما فاقم في هبوط العوائد الحقيقية بعد التراجع غير المسبوق لليرة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

منذ بداية العام الحالي، انخفضت قيمة الليرة التركية من 7.43 إلى 13.4 مقابل الدولار الأمريكي، وبذلك تكون قيمتها انخفضت بمقدار النصف، وبحسب الخبراء الاقتصاديين، فإن أحد أسباب الانهيار السريع هو التدخل في السياسات المصرفية لأردوغان الذي يثق في أن خفض سعر الفائدة الرئيسي سيساعد في محاربة التضخم، لكن واقع الحال أظهر العكس فقد ازداد الوضع سوءاً.

يلقي أردوغان اللوم على قيادة وزارة المالية والبنك المركزي والقوى الخارجية، وعلى الجميع من حوله مستثنياً نفسه من ذلك، ويتحدث باستمرار عن مؤامرة خارجية تُحاك ضد البلاد، زاعماً أن أحزاب المعارضة ووكالة الاستخبارات المركزية، وصهاينة العالم، والليبراليون الغربيون، والملياردير جورج سوروس، وقوى أخرى معادية للأتراك نظمت هذه المؤامرة.

في المقابل، قالت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيفات الإئتمانية إن تركيا تخاطر بإلحاق المزيد من الضرر بالثقة في الليرة باستخدام الاحتياطيات “المقترضة” للدفاع عن سعر الصرف، وأن التطورات الأخيرة عرَضت تصنيفها الائتماني السيادي الحالي للخطر.

وحذّرت من أن خفض الفائدة سيؤدي إلى انخفاض كبير في قيمة العملة وزيادة الضغط على التضخم، وتوقعت وكالة التصنيفات الائتمانية، أن يصل التضخم إلى 30 في المئة على أساس سنوي، في أوائل عام 2022.

من الجدير بالذكر، تزامن الانخفاض السريع الأخير لليرة التركية مع خطاب أردوغان الذي تعهّد فيه بالالتزام بسياسة خفض أسعار الفائدة، ودافع عن تحرك البنك المركزي لخفض سعر الفائدة إلى 15 في المئة على الرغم من وصول التضخم إلى 20 في المئة.

وقال أردوغان إن بلاده تخوض “حرب استقلال اقتصادية”، ولن تخضع للضغوط من أجل تغيير هذا المسار، مضيفاً: “نشهد التلاعب حول سعر الصرف وأسعار الفائدة وارتفاع الأسعار من قبل أولئك الذين يريدون إخراج بلادنا من المعادلة”.

على ضوء هذه الخلفية، استبدل أردوغان ثلاثة رؤساء للبنك المركزي التركي إلى أن وافق محافظ البنك الحالي شهاب كافجي أوغلو على خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 15٪ في تشرين الثاني  الماضي. كما أقال أردوغان وزير المالية لطفي إلفان، وعيّن نور الدين نوباتي، المؤيد القوي لحزب العدالة والتنمية، والذي يتميز بأنه على خلاف سلفه، من مؤيدي سياسة  تخفيض أسعار الفائدة التي يتبعها الرئيس أردوغان. ومع ذلك، فقد تردد صدى تعيين نوباتي السياسي على نطاق واسع في تركيا، وذلك لأنه ليس لديه خلفية اقتصادية، حيث أنه تخرج من جامعة اسطنبول من كلية العلوم السياسية، وحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية، والدكتوراه في العلوم السياسية والإدارة العامة في جامعة كوجالي.

بسبب الانخفاض القياسي لليرة التركية، اندلعت أعمال الشغب والاشتباكات في الشوارع في جميع أنحاء البلاد، ونظم مواطنون أتراك مظاهرات حاشدة في الشوارع الرئيسية في اسطنبول وأنقرة وإزمير ومدن أخرى احتجاجاً على الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة، ودعوا الحزب الحاكم إلى التنحي في ظل إفقار البلاد.

في 23 تشرين الثاني الماضي، نظم سكان اسطنبول وأنقرة احتجاجات، أعلنت على أثرها المديرية العامة للأمن التركي عن بدء إجراءات جنائية ضد أصحاب 271 حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت من خلالها الدعوات للاحتجاجات.

وفي محاولة لصرف الانتباه عن الأزمة الوطنية الحادة، يسعى أردوغان إلى توسع خارجي، حيث يشارك الجيش التركي في عمليات قتالية في سورية والعراق وليبيا. بالإضافة إلى ترويجه بقوة لمشروعه الخاص حول “العالم التركي”، خاصة أنه عزز هذا الترويج من خلال خريطة العالم التركي الجديدة التي أظهرها مؤخراً  والتي تتضمن جزءاً كبيراً من الأراضي الروسية من داغستان ومنطقة أورينبورغ إلى ألتاي وياكوتيا وكازاخستان وأذربيجان والبلقان وقيرغيزستان وأوزبكستان ومنطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي وبعض أراضي منغوليا وإيران وأوروبا.

وبطبيعة الحال، يشير محللون سياسيون أتراك إلى أن عدم الرضا عن سياسات أردوغان امتد إلى مراكز النفوذ القوية داخل الدولة العميقة، وأن قيادات في الجيش لم تعد راضية عن التدخلات الخارجية للمؤسسة العسكرية، وتعتبر أن التدخل في أذربيجان أو ليبيا لم يجلب أيّ مكاسب لتركيا، وعلى العكس فهو يرفع من منسوب المخاطر الأمنية ويوتر العلاقات الإقليمية والدولية للبلاد في الوقت الذي تحتاج فيه إلى المزيد من الشراكة للخروج من الأزمة.

من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا في حزيران 2023، لكن الأتراك يتحدثون بشكل متزايد عن إمكانية إلغاء أوتغير الموعد من قبل أردوغان. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن شعبيته، و شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم آخذة في التراجع. وبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “أو أر سي ماكرو” المتخصصة بإجراء البحوث الاستقصائية وتحليلات السياسات، في منتصف تشرين الثاني 2021، سيحصل تحالف الجمهور الحاكم بين أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي في حالة الانتخابات البرلمانية المقبلة، على 40٪ من الأصوات، بينما سيحظى تحالف المعارضة بدعم 41.2٪ من السكان. وفي ظل هذه الظروف، يقول الأتراك أن صحة رئيسهم تدهورت بشكل خطير، وفي أي لحظة، قد يدفع رجب طيب أردوغان البلاد إلى مغامرة خارجية جديدة لتعزيز موقعه بين الناخبين، ولعب دور منقذ الأمة من التهديدات الخارجية.

في ظل هذه الظروف، قررت أحزاب المعارضة الستة في تركيا توحيد الجهود لاستعادة النظام البرلماني في البلاد، حيث يريد منتقدو الرئيس التركي تقييد ولايته والحد من سلطاته. وقد جرت الجولة الأخيرة من المحادثات بين النواب في 30 تشرين الثاني الفائت، حيث يصر منتقدو أردوغان على تقييد سلطاته ونقلها إلى المجلس التشريعي. بالإضافة إلى ذلك، يريدون إجبار رئيس الدولة على الانسحاب من السياسة بعد أن يترك منصبه، كما تطالب المعارضة باستقلال القضاء والصحفيين والأكاديميين، وضرورة خفض العتبة الانتخابية للتمثيل البرلماني من 10٪ إلى 3٪. كما يقترح معارضو أردوغان تشكيل مجلس وزراء من بين النواب. وجدير بالذكر، أن بعض هذه النقاط في برنامج كتلة المعارضة سبق أن استبعدها أردوغان بعد أن عدل الدستور وانتقل إلى نظام رئاسي.

ترى المعارضة، أن أردوغان يدمر تركيا من الداخل، وبعد رحيله سيتعين على الحكومة إعادة بناء حطام النظام المتبقي، فقد وصلت الجريمة إلى أبعاد غير مسبوقة في ظل غياب وانتهاك حقوق الإنسان.

قال المحلل السياسي التركي كريم هاس، الخبير في العلاقات الدولية، إن إلقاء السلطات الحالية لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين لا يتفقون مع سياسات أردوغان في السجن، وانعدام القانون والمشاكل الخطيرة في نظام العدالة، والمشاكل مع اللاجئين يشكك مرة أخرى في فعالية الحكومة الحالية والنظام السياسي.

كما يعتقد رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، الذي يرأس حزب المستقبل أن سياسات أردوغان الاقتصادية الحالية “ليست جهلاً، بل خيانة” لشعبه، كما دعا السياسي إلى إجراء انتخابات فورية في البلاد.

ووفقاً لبحث أجرته شركة” متروبول ريسرتش” للأبحاث واستطلاع الرأي، فإن 64٪ من المواطنين الأتراك مقتنعون بأن حكومة حزب العدالة والتنمية الحالية لن تكون قادرة على كبح المشكلات الاقتصادية التي أصبحت تعيشها البلاد، إذ يعتقد 28.4٪ فقط، من المستطلعين أن أردوغان قادر على حل هذه المشكلة، بينما يعتقد 55٪ من المستطلعين أن المعارضة الحالية لا تستطيع إخراج تركيا من الأزمة الاقتصادية حتى لو وصلت إلى السلطة.