ثقافةصحيفة البعث

معرض طلال معلا في “صالة ألف نون”.. مأدبة وعروس!!

افتتح معرض الفنان والناقد التشكيلي طلال معلا في صالة ألف نون مساء الخميس بعد ترقب امتد أكثر من عام بسبب كورونا لينضم إلى سلسلة المعارض الجديدة التي تشهدها الصالات الخاصة تزامناً مع فعالية الأيام التشكيلية السورية. وهذا المعرض الذي سبقه تمهيد غير عادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحضيرات جدية قامت بها إدارة ألف نون لتحقيق تأثير وحضور أبعد وأكثر من المعرض، وذلك لأهمية ما قدمه صاحب المعرض في الحياة الثقافية والتشكيلية، فهو الناقد والباحث السوري المعروف بمساهماته النقدية على المستوى العربي كواحد من أهم علامات البحث النقدي والتشكيلي، وبمؤلفاته المتخصصة في هذا المجال التي تفتقر لها المكتبة التشكيلية العربية عموماً، فقد طلال معلا خلال سنوات عددا من المعارض الفنية مضيفاً إلى حصيلة إنتاجه الإبداعي خصوصية الفنان الباحث والمفكر الذي يتبنى مشروعاً جمالياً واضحاً في مقصده التنويري.

قدم لهذا المعرض الفنان بديع جحجاح: “إن لحظة من الظلام لا تعني أن الناس قد أصيبوا بالعمى”. وربما حديث ماركيز عن دور النخب في التغيير لا يزال ينطبق تماماً على حال النخب الثقافية التي تصنفهما الدراسات الحديثة بأنها لم تعد تحرك الشارع أو تؤثر في سلوكياته وثقافته كما هو الحال في القرنين الـ 19 والـ 20 إلا قلة نادرة تحمل هذا الهم وتضعه نصب أعينها فتبني لغات تواصل جديدة معاصرة وبسيطة وعميقة، أساسها الفكر المنفتح والتمازج الثقافي وإيجاد آليات لتطوير الهوية المحلية والحفاظ عليها وجعلها مواكبة لما يحصل في العالم.

هكذا ترى ألف نون الفنان والباحث طلال معلا، فهو من بين النخب القليلة التي تحمل على عاتقها التغيير من خلال ممارسة الفعل الجمالي، تنظيرات وفنون اتفقت منذ زمن بعيد على أن الثقافة درب للأنسنة.. وفرق كبير بين من يدور حول نتيجة ما راكمه من معارف عالية القيمة ومن ثم العمل على الوعي الجمعي في سبيل التغيير والاندماج المجتمعي بين المثقفين وبين من يدعون الفن وفعل الثقافة الواعي المنتمي للوطن. ووحدهم الساعون إلى الحقيقة من يستضيئون بنورها المقدس، وسيجدونها في العمل الجاد والخلاق والممتلىء بأنواع المعرفة.. في معرضنا هذا ستجدون جرعات عالية من الأسئلة المكثفة، وربما تستمعون إلى أجوبة صامتة عند عتبات عروس تنتظر، ومأدبة نأمل بها الخير كحقول قمح.

يقول الفنان والناقد طلال معلا عن الوجوه والعرائس التي رسمها وما تحمله من معنى: دارت تجربة الرسام فرانسيس بيكون حول العذابات المأساوية وقد حمل الوجه مالا يحتمل وقد قال بأنه كان يودّ تصوير الابتسامة.. إلا أنه لم يصور إلا الصرخة، وقوة الحياة في الصور وما تقدمه صور العرائس ليست إلا جواباً لنفسها، وهي تمضي إلى مقاومة الموت بالولادة وبدخول شعائر جسدية مجللة بالخوف والرهبة والعزلة والقلق إلى جانب اللذة.. إنه ولوج فراغ المستقبل الذي يحيل الشعور بالوجود إلى شعور بالفناء، تدفع إلى ذلك صدمات الواقع وعنفه وتحوله، وهذا بالضبط ما أحاول التعبير عنه في عشرات اللوحات التي رسمتها للعرائس المجللات بالخوف، ليس من حضورهن في الزمان والمكان وإنما من الكون المادي والمعرفي الذي ينتمين إليه.. هذه صوري، بل هذه صورتي، إنه نوع من التحرر من حقائق مخيفة تحرر الكائن من ذاكرته ووعيه ومعايير النظر إليه خارج المرآة.

إن الإبصار هو مادة التعريف التي تحاكي ماء نرسيس، وتدفع بالشخصي إلى معايير لا يكون فيها الوجه هو ذاته في فضاءات الاستعراض المتنوعة، لدرجة لم نعد نتعرف فيها على أنفسنا لنكون شواهد على عصرنا بأقل التقديرات. قد تشكِّل هذه الشهادة سعادة وقد تجيب مثل هذه السعادة عن اكتشاف معاني الفردانية المميزة للثقافة البصرية المعاصرة، وقد تكون السعادة في استقرار الروح في عالم تتشظى فيه هذه الروح وتفسد الرؤية.. إنها الأنا المتشظية التي يخترق وجودها غياب المعنى وفقدان الجوهر ووهم الوجود والقدرة على التعبير عنه، وبهذه الصورة تستحيل لوحاتي إلى أقفاص افتراضية لا تحمي من التعرية وإنما تبرز الإرهاق وفقدان متعة التوازن في الحياة.

نفذت اللوحات بتقنيات مختلفة تنوعت بين ألوان الأكريليك والأحبار على خامات كالقماش والورق وبقياسات مختلفة غلب على معظمها الحجوم الصغيرة نسبياً مراعية حجم العرض المتاح في الصالة، وتتميز بأسلوب خاص ينشد البساطة والتلقائية دون تكليف وتنميق على حساب الفكرة المقصودة والجوهر الذي حضر واضحاً حيناً وموارباً حيناً آخر حاملاً يوميات وأفكار طلال معلا الشغوف بالجمال والخلق والتجديد.. معرض يستحق المتابعة بما يحمل من قيم ومعان لا مجاملة فيها للراهن من الفنون ومعايير تلقيها التقليدية.

أكسم طلاع