تحقيقاتصحيفة البعث

رغم انتعاش أكثر من 70% من صناعاتهم .. الحرفيون يطالبون بتأمين أسواق خارجية لمنتجاتهم!

طالما اشتهرت المدن السورية بصناعاتها المتجذرة في التاريخ، والمتوارثة أباً عن جد، والتي كانت – وما زالت – محط إعجاب القاصي والداني، وتجتذب إليها السائحين المفتونين بالشرق وماضيه العريق، لتشهد الصناعات اليدوية والحرف التقليدية انحساراً بدأ يزداد مع ازدياد سنوات الأزمة، رافقه تخريب ممنهج، وسرقة للمعدات، وندرة في المواد الأولية، وانعدام للسياحة، ناهيك عن هجرة عدد لا بأس به من العاملين في هذه الحرف مصطحبين خبرتهم إلى دول أخرى استغلت وجود هؤلاء الحرفيين، ونسبت حرفهم المصنوعة إلى تاريخها، لتندثر عراقة بعض الحرف السورية التي شكّلت على مدى عقود جزءاً من الهوية الوطنية والإرث الحضاري والتاريخي.

سرقة التراث

وبين حرفيين لم تتأثر ورشهم في مناطق بقيت آمنة كدمشق، وآخرين فقدوا ورشهم ومنازلهم، والكثير من الدعم خلال السنوات العشر الماضية، شهدت الصناعة الحرفية الكثير من التحديات التي استطاع البعض تجاوزها، في حين عزف البعض الآخر عن العمل بها، واتخذ قرارات مصيرية بالهجرة أو تغيير المهنة إلى مهن تحقق مكاسب مادية بدلاً من الحرف اليدوية التي “لا تأتي تعبها”، حسب ما أكده لنا الكثير من الحرفيين، فعلى الرغم من الجهود المبذولة من اتحاد الحرفيين، والقرارات التي تُدرس حالياً، والتي ستصب قريباً في مصلحة الحرفيين، إلا أن الواقع الملموس لا يُبشّر بالخير في ظل تدني القوة الشرائية للمواطنين، والحصار الاقتصادي الذي وقف في وجه التصدير، أو حتى استيراد المواد الأولية.

تراجع ملحوظ ! 

بألم وحزن قالها الحرفي عبد الرزاق خليل: “منذ بدء الأزمة وعمل الحرفيين يتراجع بشكل مستمر”، مشيراً إلى أن الإقبال اليوم أقل بكثير من السابق، وأغلب الحرفيين المستمرين بالعمل اليوم هم من المسنين الذين أبوا أن تندثر حرفهم، وأن يموت اسمهم، ليبقى عملهم اليوم من باب التسلية والحفاظ على تراثهم، مطالباً برعاية الحرفيين الشباب اليوم، وتقديم التسهيلات، وتأمين الأسواق الخارجية لمصنوعاتهم لا الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هجرة تراثنا أمام أعيننا!

وافقه الرأي الحاج صالح العبد الله الذي يدير مشغلاً صغيراً للمنتجات الخشبية، مؤكداً أن حال السوق مؤسفة للغاية بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر الذي يعيق العمل ويحد من كمية الإنتاج، إضافة لغياب السيّاح، ما انعكس سلباً على صناعتنا العريقة، مشيراً إلى وجود عملية نسخ أو تقليد للحرف السورية من قبل بعض الدول وبيعها عالمياً، الأمر الذي يشوّه عراقة الحرف السورية وأصالتها.

حامل اقتصادي 

لم يخف ناجي حضوة رئيس اتحاد الحرفيين في سورية أهمية هذا القطاع وتعرّضه لأضرار بالغة خلال سنوات الأزمة، وسعي الاتحاد منذ عام 2017 لإعادة تدوير عجلة الإنتاج، وقسّم الحرف اليدوية حالياً إلى أربعة أقسام، بدءاً من الحرف التقليدية وهي موروث فني يمثّل الحضارة السورية، والحرف الإنتاجية وهي عصب الحياة مثل الحدادة والنجارة، والحرف الاقتصادية التي تمثّل المشغولات الذهبية والصياغة التي تُعطي دفعاً في المجال الاقتصادي، وتعامل معاملة الصرف، إضافة إلى الحرف الخدمية التي لا تحتاج إلى شهادة بالعمل كالحلاقة والخياطة التي تقدم خدمات عامة، وأكد رئيس الاتحاد ازدياد أعداد الحرفيين خلال الأعوام الأخيرة مع انحسار الحرب وعودة الأمان إلى معظم أماكن تجمعهم، ليصبح عدد المنتسبين اليوم إلى الاتحاد 165 ألفاً، ناهيك عن الحرفيين غير المنتسبين الذين يشكّلون أضعاف هذا الرقم، الأمر الذي دفعنا لإيجاد صك تشريعي جديد للمنظمة  لتنظيم هذه الشريحة غير المنظّمة من خلال اعتماد عامل جذب واستقطاب لهذه الشريحة، ولفت حضوة إلى أن القطاع الحرفي يمثّل الحامل الاقتصادي الوطني، وبالتالي هو حيز اقتصادي مهم وكبير جداً، وسريع النمو، ولا يحتاج إلى رأسمال كبير، لذا فهو يساهم بحوالي 60% من الاقتصاد الوطني.

حاضنات حرفية 

وقدم رئيس الاتحاد موجزاً عن المساعي التي بُذلت من قبل الجهات المعنية لتذليل الصعوبات التي واجهت هذا القطاع، وعودة الكثير من الحرف بشكل تدريجي، فمنذ تحرير حلب، بحسب حضوة، أعيد أكثر من 70% من الحرف، وأصبحت تعمل بطاقات كاملة، وهناك أفكار في حلب للانتقال إلى مناطق صناعية جديدة، لافتاً إلى أن الطاقة الإنتاجية لهذه الحرف في منطقة الراموسة وصلت اليوم إلى 80%، وتحدث رئيس الاتحاد عن منطقة “الهُلّك” وهي منطقة صناعية للصناعات الجلدية في حلب، فخلال الأزمة تم نقل الورش إلى أقبية في دمشق وريفها وطرطوس واللاذقية، وبعد تحرير حلب وبدعم من الوزارات تمت إعادة توطين هذه الحرف في أماكن عملها الأساسية، وفيما يتعلق بموضوع التأهيل والتدريب أشار رئيس الاتحاد إلى  إنشاء الحاضنات الحرفية، كانت أولها حاضنة “دمر المركزية” التي تكمن أهميتها في التدريب والتأهيل والإنتاج والتسويق الداخلي والخارجي، ,وتوفير فرص عمل داخل وخارج الحواضن، وتزويد الحرفيين بالعمالة الماهرة ضمن برنامج أكاديمي فني تسويقي، وحالياً نحن بطور تشكيل حاضنة في حلب وجزيرة أرواد متخصصة ببناء قوارب وسفن الصيد، وتم إنجاز المرحلة الأولى من هذا المشروع.

استيراد وتصدير  

وحول واقع التسويق الداخلي والخارجي للحرف اليدوية، أشار رئيس الاتحاد إلى أن المنشأة الحرفية ذات رأس مال بسيط، وأصحاب المنشآت الحرفية لا يستطيعون التصدير بمفردهم، ليختص بعض التجار أو شريحة معينة بأخذ المنتج الحرفي وتصديره للخارج، وبالتالي تكون الاستفادة الكبرى للتجار، لذا قُمنا حالياً بإنجاز شركة تجارية للاتحاد العام برقم ضريبي خاص بالاتحاد، مضيفاً: أخذنا التراخيص لها، ونحن في طور إرسال بضائع إلى روسيا وأبخازيا كدفعة أولى، وذلك بهدف تسويق بضائع الحرفيين السوريين في الخارج، أو استيراد مواد أولية لهم في حال لم نستطع تأمينها من داخل القطر، فنحن شركاء في برنامج إحلال بدائل المستوردات، ودعم المواد المنتجة محلياً لتكون بديلاً عن المستوردات بهدف توفير قطع أجنبي على الخزينة العامة، لافتاً إلى أن الدعم الحكومي للحرفيين يبرز بالدرجة الأولى في دعم المناطق الصناعية التي أصبح عددها 133 منطقة، كما تم ضخ 25 مليار ليرة سورية من عام 2006 لغاية الآن لهذه المناطق، علماً أن هذا الدعم لم يتوقف خلال الأزمة- بحسب حضوة- مشيراً إلى المنعكسات الإيجابية لقرار تشميل بناء المقاسم الحرفية ببرنامج تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لجهة تطوير القطاع الحرفي، وزيادة الإنتاج، والاعتماد على الذات، خاصة في ظل ظروف الحصار الجائر المفروض على سورية، إضافة إلى الدعم الأهم المتمثّل بتأمين حوامل الطاقة في بعض المناطق الحرفية لاستمرارية العملية الإنتاجية التي تواجه العديد من التحديات الخارجية المتمثّلة بالحصار الذي أدى إلى رفع أسعار المواد الأولية، وبالتالي رفع سعر المنتج تزامناً مع ضعف القوة الشرائية، لذا يسعى الاتحاد حالياً لاستهداف الأسواق الخارجية لتعويض تصريف المنتجات.

ميس بركات