زواياصحيفة البعث

مسرحية الانسحاب.. السر المكشوف

علي اليوسف

لا يعني الإعلان المبكر عن انتهاء المهمة العسكرية الأمريكية في العراق سحب القوات والمعدات اللوجستية، لأن مثل هذا القرار يتطلب زمناً ليس بقصير لإتمام هذه العملية كون الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003 – تاريخ الغزو – قام بتأسيس قواعد ثابتة له وزودها بطائرات وأسلحة ثقيلة وغيرها من اللوجستيات الأخرى. إذاً ما يفهم من هذا الإعلان أنه خطاب إيهام موجه للشارع الأمريكي بأن السلطات تفي بوعدها.

وبالتالي لن يتغير شيء في المستقبل القريب، إذ سيبقى حوالي 2500 جندي أمريكي، وحوالي 1000 ممثل عن دول أخرى، وربما يزداد العدد بحسب رئيس القيادة المركزية  للقوات المسلحة الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي، الذي أكد أنه بمجرد أن يوسع الناتو، كما وعد، مهمته في العراق، سيعيد الأمريكيون النظر في وجودهم في ذلك البلد.

لذلك إن الانسحاب ليس انسحاباً كاملاً على غرار السيناريو الأمريكي في أفغانستان، وما تم الاعلان عنه أقرب ما يكون  إعادة ترتيب القوات الأمريكية وتحديد دورها أكثر من خفض عدده، وهو ما أشارت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” بأن الانسحاب ليس سوى “مسرحية دبلوماسية”. وبحسب الصحيفة يرجع هذا الأمر إلى التسامح المستمر للوجود الأمريكي في العراق باعتباره سراً، لكنه مكشوف. وبشكل عام، توفر الولايات المتحدة غطاءً للتمثيل الغربي في العراق، بمعنى إذا غادرت الولايات المتحدة بشكل كامل، فمن المحتمل أن تحذو دول أخرى حذوها مثل بريطانيا وألمانيا، وهذا السيناريو ربما لا ترغب الأطراف الدولية في حدوثه.

بالإضافة الى ذلك، تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن الانسحاب الكامل من العراق سيضر بمصالحها، وفقاً لما ذكره باحثون من مؤسسة “راند” البحثية ومقرها ولاية كاليفورنيا الأمريكية في تقرير نشر في أيار عام 2020 بشأن خيارات أمريكا في العراق. ويخلص الباحثون بعد دراسة كافة الاحتمالات بما في ذلك الانسحاب الأمريكي الكامل، إلى أن أفضل الخيارات أمام واشنطن يتمثل في التوسط في أمر الانسحاب بمعنى الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين والمدربين. وأشار الباحثون في التقرير إلى “دعم عراق يخدم المصالح الأمريكية، فضلاً عن أن التواجد الأمريكي طويل الأمد سيحافظ أيضاً على النفوذ الأمريكي في العراق، وبالتالي يمكن أن يساعد في تخفيف مختلف أشكال النفوذ بغض النظر عن التسميات”.

منذ البداية، يكتنف الوجود العسكري الأمريكي في العراق الكثير من التناقضات، صحيح أن لا مشكلة لدى الولايات المتحدة على ما يبدو في الانسحاب من منطقة لا يتوقّع العودة إليها، لكنها قد لا ترغب في التضحية بقواعد قد تحتاج إليها مجدداً!!!!!