ثقافةصحيفة البعث

“أنا وأنتِ وأمي وأبي”.. مكاشفة الثورة المخربة وصدمة النهاية

لم تكن الأغنية التي ردّدتها الشابة العاشقة عفاف “يا فجر لما تطل ملون بلون الفل” ذات دلالة في مشهد النهاية فقط، إذ وظّفها المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في أغلب المشاهد لتكون جسر تواصل بين مساري الحب والحرب، في فيلمه “أنا وأنتِ وأمي وأبي” إنتاج المؤسسة العامة للسينما 2016، والذي عُرض في جلسة النادي السينمائي بالتعاون مابين وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما – ومؤسسة أحفاد عشتار برئاسة د. أيسر ميداني في ثقافي أبو رمانة، وكانت النهاية القاتمة موضع جدل بين الحاضرين.

الأمر الملفت أن ثلاثة مخرجين ظهروا بالفيلم كممثلين، المخرج نفسه عبد اللطيف عبد الحميد، والمخرج جود سعيد الذي جسّد دور الأخ المتسلط والعنيف والحيادي الذي يقف في وجه أخته ويرفض بشدة حبها لطرفة، والمخرج أحمد إبراهيم أحمد الذي جسّد دور أحد رجال الجيش العربي السوري.

رمزية الشخصيات 

يعتمد الفيلم على البطولة الجماعية والمحاورة بمباشرة بين الشخصيات المتعدّدة، فتمثل كل شخصية رمزية شريحة معينة تعبّر عن فكرها ومضمونها واتجاهها وموقفها من الحرب، فاختزل عبد الحميد حكاية سورية بالحرب التي وصفها طرفة بـ”الحرب الوسخة التي جعلتني كل يوم أنتشل الأطفال من تحت الأنقاض”.

الرومانسية الكلاسيكية 

ومثل كل أفلام عبد الحميد تكتمل الصورة بالفكاهة فكان لأداء بشار إسماعيل دور كبير بإضحاك المشاهد رغم وجع الحرب، وهيمنت الرومانسية الشفافة على مجريات الفيلم برمزية صوت أم كلثوم “ياحبيبي أنت خمري وكاسي”، وفيروز “رجع أيلول” وصوت جورج وسوف، وبمشاهد اللقاءات العاطفية الخاطفة من النافذة خلف الستارة وعبْر الهاتف واللقاءات الحميمة على درج البناء في الليل.

دمشق وحمص 

وتنقلت الكاميرا في أحد الشوارع الفرعية في دمشق والحاجز الذي يكلف طرفة بحراسته، لتنتقل إلى دمشق القديمة منزل الجد والد طرفة الدمشقي-حسام تحسين بيك-، ومن ثم إلى والدة ووالد أم طرفة في إحدى الضيع في ريف حمص-بشار إسماعيل- لتوثّق الكاميرا بمرورها بين الضيعة ودمشق مدينة حمص المنكوبة وحاراتها القديمة، وتتوقف عند صور الشهداء على جانبي الطريق المؤدي إلى الساحل السوري.

نشرة الأخبار 

يُبنى الفيلم على الحوارية المباشرة بين أبطال الفيلم وعلى تمرير أحداث الحرب من خلال نشرة الأخبار، مثل خبر الاعتداء على جرمانا بالقذائف واستشهاد عدد من المدنيين، ومن خلال مجريات الفيلم مثل وقوف السيارات على الحاجز وصوت القذائف وإصابة البناء المقابل لمنزل الأسرة وإسعافهم جيرانهم المسيحيين برمزية تكرار اسم إليسا إيماءة إلى التلاحم بين المسلمين والمسيحيين. وتدور الأحداث من خلال حكاية أسرة صغيرة بين زوجين من مناطق وطوائف مختلفة الأب أستاذ جامعي د. خالد –سامر عمران- الذي يمثل موقف شريحة من المثقفين والتي انجرفت مع الثورة المخربة بذريعة الفساد وعدم وجود حريات وتعددية حزبية كما ورد في مشهد حواري بين طرفة وأبيه، وزوجته بطلة الفيلم سوزان نجم الدين -صفاء- المدرّسة التي ترفض الثورة وتؤيد الجيش العربي السوري في مواجهته الحرب الإرهابية، وطرفة -يامن الحجلي- الابن الوحيد للأسرة الجندي المتطوع بالجيش العربي السوري الطالب الجامعي الذي يدافع عن سورية، وعفاف -مرام علي- خريجة المعهد العالي للموسيقا التي تغني لحبيبها طرفة وتقف إلى جانب حبيبها مؤيدة مواقفه، وتعيش ضمن أسرة محافظة وحيادية يتضح موقفها من خلال الأم -رجاء يوسف- التي تريد السفر مع أفراد عائلتها إلى تركيا والهرب من الحرب.

النهاية القاتمة 

يرفض خالد الاعتراف بالشرخ الداخلي الذي يشعر به وبهزيمة الثورة، فيقرّر الانفصال النهائي عن صفاء، في الاقتراب في النهاية القاتمة التي جاءت نتيجة الخيانة من الداخل ووجود الإرهابيين بتجنيد بعض السكان الخائنين.

النهاية القاتمة كانت موضع مناقشة واختلاف الآراء بين الحاضرين، فرأى أغلبهم أنها نهاية سوداوية تقضي على الأمل، والنهاية المفتوحة كانت أفضل، في حين اقتنع آخرون بواقعية النهاية المستمدة من واقع الحرب.

وتحدثت د. رندة رزق الله عن تباين المواقف في الحرب والشرخ الذي حدث داخل الأسرة الواحدة وبين الإخوة لتصل إلى أن تهديم أسرة يساهم في تهديم الوطن، وتابعت عن موقف بعض المثقفين الذين لم يقرؤوا حقيقة الثورة التي دمرت وقتلت وخربت، وفي الوقت ذاته لم يعترفوا بهزيمتهم مثل شخصية الأب.

ملده شويكاني