صحيفة البعثمحليات

المهر بالليرة الذهبية “ضمانة للحقوق”.. والقانون يتيح تعديل قوته الشرائية بتاريخ المطالبة!!

دمشق – لينا عدره
أسهب القاضي الشرعي الأول بدمشق، مازن ياسين القطيفاني، في شرح الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أدّت لتعديل المهر، وأكد أن الأمر لا علاقة له بمستوى التحصيل الدراسي أو الاجتماعي للزوجين، مستشهداً بحالة زوجين يحملان شهادة دكتوراه قاما بتعديل المهر للمرة الرابعة خلال خمس سنوات، على الرغم من استمرارهما بحياتهما الزوجية بشكلٍ طبيعي، ليصل مهر الزوجة مع التعديل الأخير الحاصل إلى 500 ليرة ذهبية معجل، و500 ليرة ذهبية مؤجل،  وهي “أرقام بمليارات الليرات السورية والزوج راضٍ”، ليكون بذلك “أعلى قيمة لمهر تمّ تعديله”، كما قال.
وأشار القطيفاني إلى أنه ونتيجة لانخفاض قيمة الليرة وتدني قيمتها الشرائية، عمد بعض الأسر السورية، وبالتحديد في حالة “الزيجات لخارج القطر”، لتحديد المهر بالليرة الذهبية خشية المزيد من الانخفاض.

ويلفت القطيفاني إلى أن المشرّع السوري لاحظ هذه الجزئية، مع ارتفاع معدلات المشكلات والدعاوى المرفوعة أمام المحكمة الشرعية لتعديل المهر، واتخذ قرار في عام 2019 بتعديل بعض مواد قوانين الأحوال الشخصية، وخاصة تلك المتعلقة بالسماح بتعديل المهر لقوته الشرائية حين التسجيل، موضحاً بشيءٍ من التفصيل الطرق القانونية لحلّ الأمر، فقد يُسجَلُ المهر بقيمة مليون ليرة، أي بما يعادل غرامين أو ثلاثة غرامات من الذهب، وأتاح القانون للزوجة طلب تعديل المهر بقوته الشرائية بتاريخ المطالبة، وليس بتاريخ التسجيل، كما كان في السابق، عندما كان يدفع بالقيمة المسجلة نفسها، فإذا افترضنا – والحديث للقاضي القطيفاني – أنه كان يعادل 3 غرامات ذهب حين التسجيل، يُلزم الزوج بدفع ثلاثة غرامات ذهب حين المطالبة، ولو بعد عشر سنين، ومهما تدنّت قيمة الليرة. وهنا يؤكد القطيفاني أنه وعلى الرغم من التعديل الحاصل على المهر، إلا أن الأسر تذهب للتسجيل بالليرة الذهبية مباشرة “لتريح بالها” من دخول متاهات الدعاوى، خاصةً وأن تعديل المهر يجب أن يتمّ عن طريق القضاء وعن طريق خبرة يسميها القاضي “خبير تعديل قيمة للمهر”.
ويضيف القطيفاني: من خلال عملنا اليومي وما يمرّ علينا من معاملات عقود الزواج، يمكن القول إن هناك خمسة بالمئة فقط من الأسر تتفق فيما بينها، لتسجيل المهر بالليرة الذهبية، أما ما يخصّ الزيجات خارج القطر، فإن معظمها بالليرة الذهبية، والأغلبية لأزواج من جنسيات لبنانية وعراقية وأردنية ومصرية، وقد ارتفعت النسبة في الفترة الأخيرة نتيجة عدة عوامل، أهمها وجود أسر سورية كثيرة خارج القطر، ما ساهم أكثر بالتعرف على السوريين بشكلٍ مباشر، وزاد الرغبة بالزواج من السوريات، من دون نسيان السوريين الموجودين خارج القطر الذين يثبتون زواجهم إما “إدارياً أو قضائياً” بالليرة الذهبية.
ونظرياً – يرى القطيفاني – أن معظم الناس يظنون أن المهر يمكن أن “يربط الزوج”، ولكن الأمر غير دقيق على أرض الواقع، فمن الممكن أن تتمّ المكارهة من الزوج للزوجة لدرجة قد تبرئه من المهر كاملاً، وخاصةً إذا كان الخلاف بينهما عميقاً، علماً أن الشرع يلزم بوجود مهر، ولكن وفي الوقت نفسه لا مانع من عدم وجوده. وطبعاً – يستدرك – حتى الآن ما من حالة تمّ الزواج فيها من غير مهر ولو شكلياً “خمسمائة ليرة سورية”.

لا رسوم  

ولفت القطيفاني إلى عدم وجود أية رسوم عند تسجيل مهر عالي القيمة، وفق ما يعتقد البعض، وأن المشرِّع لم يلزم عند كتابة المهر – مهما كان مرتفع القيمة – دفع أي ليرة كرسم، مضيفاً أن الرسوم تُدفع فقط حين التحصيل في حال حدث تحصيل للمبلغ، ولكن عند تسجيل العقد، وإذا لم يُستعمل كصك تنفيذي.

أما عن شروط التعديل.. فإن كنا نريد تخفيض قيمة المهر، فينبغي وجود ولي للزوجة “أب، أخ، عم” لأن تخفيض المهر مشروط بموافقة الولي لوجوده أثناء عقد الزواج، وإذ كانت السيدة مطلقة أو أرملة وتزوجت بنفسها فليست بحاجة لوجود وليّ، أما في حال الزيادة شرط وجود الولي ليس ضرورياً، طالما أن الأمر لمصلحة المرأة، يكفي فقط وجود الزوجين.
المحامي منيب هائل اليوسفي اعتبر من جانبه  أن مفهوم “المهر بالذهب” أحد المفاهيم الدخيلة على مجتمعنا، حيث بات شائعاً عند شريحةٍ لا بأس بها من الأهل ، وخاصةً مع إصرار بعض الأهالي على هذا المطلب كشرط لزواج بناتهم، انطلاقاً من قدرة الذهب على المحافظة على قيمته كقوة شرائية عبر الزمن، وأكد في الوقت نفسه أن القانون السوري يسمح بأن يُسمَّى المهر بالذهب، نظراً لكونه لا يُخالف قانون التعامل بغير الليرة، لأنه ليس بيعاً وشراءً، ولا يؤثر على الاقتصاد، ولا يعتبر انتقاصاً من الليرة، رغم أنه خلاف للمتعارف عليه، وأشار إلى أن المهر قد يكون أثاثاً منزلياً على سبيل المثال، وبالتالي ليس هناك ما يخالف النظام العام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعبر اليوسفي عن الأسف للجوء الفتاة أو الأهل لفرض شروطٍ على الزوج تُثقل كاهله، الأمر الذي تسبّب بعزوف الشباب عن الزواج، فضلاً عن التكاليف الباهظة التي يتوجّب على الشباب تأمينها من مسكن ومصاريف أخرى، ما زاد الأمر صعوبةً، ليبقى الضمان الوحيد في النهاية هو الأخلاق.

آلية المطالبة بالمهر.. 
بالعودة لتقدير المهر بالليرات الذهبية، يبيّن اليوسفي أن الآلية المتّبعة قانونياً تتمّ عبر المطالبة بالمهر في حال سُجِلَ بالليرات الذهبية، وعبر فتح ملف تنفيذي تطالب من خلاله الزوجة بحقوقها الزوجية، ليقوم القاضي “الرئيس التنفيذي الشرعي” بإحالة الطلب إلى جمعية الصاغة، لمعرفة سعر غرام الذهب بالليرة السورية، والتي بدورها توافيه بقيمة الليرة الذهبية بسعر اليوم، أي “بتاريخ المطالبة”، وهنا يُخيَّرُ الزوج – “المدعى عليه” – بإيفاء وتبرئة ذمته من مُعجل المهر عبر خيارين: إما تسديد المهر بالليرة الذهبية، أو تسديد المهر بما يساوي قيمته بالليرة السورية وفق ما جاء في كتاب جمعية الصاغة، واحتسابه على هذا الأساس.
ويبيّن اليوسفي أن الحافز والدافع لتسمية المهر بالليرات الذهبية عند البعض، هو صون مستقبل الفتاة والحفاظ عليها على حدّ مفهومهم، إلا أنني ومن خلال مشاهداتي -والكلام ما زال لليوسفي – أراه مفهوماً خاطئاً، ومن دون أدنى شك، فإن المال ليس ضماناً. مؤكداً: في فترة الأزمة وجدت الكثير من السيدات، ممن أقدم أزواجهن على فصل عرى الزوجية “الطلاق”، أنفسهن في مهب الريح، وما زاد الأمر صعوبةً وجود أطفال، لتكون هذه المشكلة إحدى أهم المشكلات التي باتت تطفو على السطح، بسبب عدم قدرة السيدة الرجوع إلى منزل أهلها، وعدم تمكنها من حضانة أطفالها في منزلٍ مستقل، زائد استحالة السكن في منزل الزوجية التي كانت تعيش فيه مع طليقها.. فأين الضمانة إذاً؟؟
لذلك وانطلاقاً من هذه النقطة، وكمعالجة مبدئية لمثل هذا النوع من المشكلات، يرى اليوسفي أن بإمكان الفتاة المُقدِمة على الزواج أن تشترط على زوجها، تأمين مسكنٍ لها ولأولادها، في حال وقع الطلاق لاحقاً، ولاسيما أن هناك بنداً فارغاً في عقد الزواج يُسمّى “الشروط الخاصة”، وهو شرط لا يخالف النظام العام، ما سيجعل الزوج يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على الطلاق.
وأكد اليوسفي أن المهر لا يشكّل ضمانة حقيقية لحقوق الزوجة، ويبقى بتقديره الشخصي شكلاً من أشكال البروتوكول، وليس ضمانة، بغضّ النظر عن القوة الشرائية، لأن المال ليس الضمان، والفتاة التي تطلب تقييم نفسها بقيمةِ ما تطلبه من مال، تحوِّل نفسها إلى سلعةٍ، وهو ما يخالف الشرع والإسلام، الذي حافظ على كرامة المرأة.