ثقافةصحيفة البعث

“جلجامش” البطل الأسطوري الخالد ابن الشرق العتيد

فيصل خرتش 

“جلجامش” مالئ الدنيا وملهم الشعراء والأدباء والرسامين، ذهب ليبحث عن الخلود والأبدية، وبمغامرة ذهابه هذه خلَد نفسه، دون أن يشعر أو يدري.

اعتمد كتاب “جلجامش دراسة أثرية فنية تعتمد على الشواهد واللقى” للدكتور آزاد حموتو على الملحمة المكتوبة شعراً، والتي تعتبر أهم وأول الملاحم في الميثولوجيا الشرق أوسطية القديمة، حيث تهدف الدراسة إلى محاولة التعرف على القصص والروايات الواردة في نصوص الملحمة والمصورة على العاديات والمخلفات والأوابد الأثرية المادية، إلى جانب ذلك التعرف على “أنكيدو” صديقه المساعد ومرافقه بهذه المغامرات، ويمكن أن نتعرف على خصومه، وخاصة “خمبابا” حارس غابة الأرز.

الملحمة كاملة دونت وخطت بما يعرف بالخط المسماري المقطعي على رقم طينية، وعلماء اللغات الشرقية القديمة متفقون على أن الملحمة الكتابية هي الأحدث من مجموعة القصص والروايات الشعبية الشفهية التي كانت متناقلة ومتداولة بين الناس، بين الكهنة، رهبان المعابد والمراكز الدينية الرسمية والشعبية المقدسة في ذلك الزمن، وهي تعود حتماَ إلى حقبة السلالات المبكرة جنوب بلاد الرافدين، يعود زمن كتابتها إلى القرن 12 قبل التقويم المتعارف عليه، باللغة الأكادية والخط المقطعي السومري، وطورت بعد ذلك إلى اللغة البابلية القديمة بنكهة أدبية روائية مع كثير من الإضافات، ثم أعيدت كتابتها كعمل متكامل باللغة البابلية الحديثة في القرن 11 ق. م وحفظت بنسخ مهمة في مكتبة الملك آشور بانيبال 627 ـ 669 ق. م.

استغرق تطور ونمو الملحمة أكثر من خمسة وعشرين قرناً فرضياً، وشارك فيها أكثر من شاعر وراو وقصاص وكاتب وناسخ ومسمار كتابي. وهي تتكوَن من اثني عشر رقيماً، وكل رقيم يتضمن حدثاً وقصة ورواية وحكاية. إنها تبدأ من وصف سعة معرفة جلجامش وأسفاره البعيدة وجلبه لأخبار ما قبل الطوفان وبناء سور مدينة أوروك وإنشاء معبد الإلاهة إنانا، والحديث عن سلالته التي تتكون من آلهة وبشر، ثم الحديث عن ظلمه وطغيانه لشعبه الذي يتضرع إلى الآلهة بأن تخلق نداً وشبيهاً له، ثم تجتمع الآلهة وتخلق الشبيه، وتحدثنا الملحمة عن قصة خلق أنكيدو وحياته الدائمة في البراري.

تؤهل مومس المعبد أنكيدو، ومن ثم يلتقي بجلجامش ويتصارعان، وينتهي الصراع بعقد حلف صداقة أبدية بينهما، ثم يتوجهان إلى غابة الأرز البعيدة ويلتقيان بالغول خمبابا ويصارعانه ثم يستوليان على خشب الأرز النادر والثمين.

يعود البطلان إلى مدينة أوروك، وتحاول الربة عشتار إغواء جلجامش ليكون حبيباً وزوجاً لها، لكنه يرفض، فتطلب من رب الأرباب، الإله إنليل، رب الرياح العاصفة، أن يرسل ثور السماء ليقضي على جلجامش، الذي أهانها ولم يستجب لطلبها، ثم يتصارعان هو والثور السماوي، ويقتلانه، ويقيمان حفل انتصار عليه. ويحلم أنكيدو بأن الآلهة تقرر موته وتبقي على جلجامش، وهنا تعداد لصفات أنكيدو وهو على فراش الموت، ثم موته وبكاء ونحيب وحداد جلجامش عليه، ووصفه مزاياه الجبارة والفريدة.

بعد ذلك يقرر جلجامش البحث عن الخلود، بلقائه الرجل العقرب، ثم البحث عن أوتنابيشتيم، بطل قصة الطوفان، ثم يلتقي الإله شمش، وبعدها يلتقي بـ”سيدوري” ربة الحانة، التي تقطن قرب النهر، وكذلك يلتقي الأوتنابيشتيم فيسأله عن سبب الموت، وطريقة الحصول على الحياة الأبدية.

ويتحدث بالتفصيل عن الطوفان، ثم يعود مع الملاح اورشنابي إلى الوطن، إلى أوروك، ويعطيه أوتنابيشتيم هدية الوداع وتكون على شكل نبتة تجدد الشباب، ثم تسرق الأفعى النبتة، وعلى ذلك تكون كل رحلته سدى.

جلجامش هو شخصية تاريخية واقعية، عاش وحكم ومات ككل البشر، عاش في الفترة السومرية الكلاسيكية، مابين 2700 ـ 2600 ق.م. ترتيبه الثالث في ثبت وقائمة ملوك سومر.

الخلفية الجيوسياسية كانت تسمَى نظام المدينةـ الدولة، وكانت تدار وتحكم من قبل مجلس شورى، وتتشكل من كبار وشيوخ وأعيان المدينة، على رأسهم كان الحاكم، ويسمَى “إنزي” ويمارس السلطة الدينية والدنيوية.

حسب النصوص السومرية كان جلجامش من الأسرة الحاكمة الأولى لمدينة أوروك، والبطل المؤله في الملحمة، وقاضي في العالم السفلي، ولد من أب إنسان ككل البشر، ومن أم آلهة، هي الإلهة نينسون، أي نصفه إله ونصفه بشر، هو لوغال باندا ويحمل ألقاباَ عديدة: السيد الكبير، سيد أوروك، سيد كولابا (الضاحية الثانية من أوروك)، وتروي المصادر التاريخية التي تقص سيرته بشكل ملحمي – أسطوري أنه استلم الحكم بعد وفاة والده، وأصبح مع مرور الزمن شخصية سلطوية قوية، وذلك بسبب أفعاله وإنجازاته ونشاطاته المعمارية والحربية، والإنجاز الأهم الذي قام به هو تسوير مدينته أوروك، بسور دفاعي طويل مدعم بجدار عريض وعالٍ ذي أبراج نصف دائرية بطول أكثر من تسعة كيلو مترات للمدينة، يضاف على ذلك نشاطاته القتالية مثل حربه مع ملك كيش المنافسة القوية لمدينته، وسبب الخلاف هو حول تقسيم مياه نهر الفرات وحصة كل منهما، بالإضافة لحملاته العسكرية التي قادته إلى ما بعد بلاد عيلام، وسببها السيطرة على المواد الأولية للبناء كالأخشاب والأحجار، وتأمين حركة الطرق التجارية.

النص الملحمي بشكله المعروف اليوم، يعود إلى النص المدون باللغة الأكادية، والمكتوب بالخط المسماري المقطعي، وتحول بعدها إلى اللغة البابلية القديمة، زمن الملك حمو رابي، واستنسخ بشكله الحالي في فترة الملك الآشوري آشور بانيبال، وعثر عليه في مكتبة نينوى آخر عاصمة للإمبراطورية الآشورية الحديثة.

الكتاب دراسة أثرية فنية تعتمد على الشواهد واللقى، للدكتور آزاد حموتو مواليد حلب ـ عفرين، نال الدكتوراه من جامعة مونسترـ ألمانيا، درس الاختصاصات التالية: تاريخ وفن الشرق القديم، فقه اللغات القديمة، علم الاجتماع العمراني، تاريخ الفن في جامعة فراكفورت.

الكتاب من القطع الكبير يقع في  240 صفحة.