صحيفة البعثمحليات

فراغ إداري!

تعزو المؤسّسات بمختلف اختصاصاتها، وخاصة الإنشائية والخدمية، تراجع مؤشر إنتاجيتها وتعثّر تنفيذ مشاريعها لضعف الموارد المالية المطلوبة، وهو لا شك سبب منطقي، إلا أنه ليس السبب الرئيسي والمباشر الذي أدّى لهذا التراجع وانخفاض جودة التنفيذ، بل هناك جملة عوامل، نذكر منها على سبيل المثال: هجرة الخبرات والكفاءات والنزيف الحاصل في اليد العاملة، وتزايد تقادم الآليات وازدياد نسبة أعطالها، وضعف الدراسات الفنية وغياب الإشراف، ونقص السيولة وصعوبة الاستيراد، وضعف كفاءة استخدام الموارد الذاتية، وعدم الاستثمار الأمثل لرأس المال، ما أدى بالنتيجة إلى تفشي الفساد الإداري والمالي على نطاق أوسع في ضوء تراجع أداء وفاعلية الجهات الرقابية والإشرافية!
ولعلّ الأكثر سوءاً وتأثيراً يتجلّى في القرارات التي غالباً ما تكون مزاجية وفضفاضة ومفصّلة على مقاسات البعض، وخاصة ما يتعلق منها بملف إعفاء أو تكليف المديرين، وما يسبق ويتبع ذلك من خلافات وصراعات محمومة وتصفية للحسابات تنتهي إلى اختيارات غير موفقة يكون فيها صاحب الكفاءة والخبرة والسيرة الحسنة خارج أي توليفة والعكس صحيح، ما يعزّز من التبعية والولاءات الشخصية على حساب المصلحة العامة، وهو الأكثر رواجاً وتعميماً في المشهد العام للعمل المؤسّساتي في حلب، والذي أحدث بدوره فراغاً واضحاً بآليات العمل الإداري في عدد من المؤسّسات والقطاعات المؤثرة، وهي نتيجة طبيعية لحالة التسلط والتفرد بالقرار، والذي ترك أثراً سلبياً وانطباعاً سيئاً لدى الجميع وتسبّب بشكل أو بآخر في توطين حالة الجمود وتعطيل العمل الوظيفي للمؤسسات.
ما نودّ تأكيده، وفي ضوء ما تقدم، هو أن مردود هذا العام الذي ودّعناه لم يكن بالمستوى المأمول لجهة تنفيذ الخطط والبرامج والمشاريع الحيوية والتنموية والاستراتيجية. وهنا لا بد من التأكيد على إجراء مراجعة متأنية لمفردات العمل وفق رؤية مغايرة في طبيعة التعاطي مع متطلبات المرحلة الراهنة والمستقبلية بعيداً عن المكاسب الشخصية والمنافع الضيّقة.
مختصر القول ومع دخولنا يوميات العام الجديد، علينا التعامل مع المتغيرات والمتبدلات بواقعية وجدية أكثر، واجتراح الحلول المناسبة للمشكلات والأزمات القائمة والمستعصية، والاعتماد على الكفاءات وأهل الاختصاص كمعيار وحيد للتكليف أو التعيين، والخروج من طور الوعود المعسولة والشعارات الفضفاضة والرنانة إلى حيّز التنفيذ والتطبيق الفعلي والميداني، ولعلّ الأهم هو الإسراع في إنجاز مشروع الإصلاح الإداري، والتشدّد في محاربة كل أشكال الفساد والمفسدين، وتصحيح مسار عمل المؤسّسات، وتعميق الشراكة بين العام والخاص بما يسهم في دفع عجلة الإنتاج عاجلاً وليس آجلاً.

معن الغادري