زواياصحيفة البعث

إشكاليات العلاقات الصينية – الأميركية

علي اليوسف

لا تزال العلاقة الصينية- الأمريكية تشكّل نموذجاً غريباً على المستوى الدولي، وهذا الشكل الغريب مردّه التعقيدات التي تجمع عناصر متنافرة ومتناقضة تتراوح ما بين الصراع والتعاون. أما السبب في هذه التعقيدات فيعود للقلق الأمريكي من صعود قوة التنين الصيني، وبروز مكانته إقليمياً ودولياً، والصعود للتربع على عرش التكنولوجيا والاقتصاد العالمي عبر تنفيذ خطط تنموية أبرزها “صنع في الصين 2025″، ومبادرة “الحزام والطريق”.

منذ أن بدأ هذا التحوّل الصيني، دأبت الإدارات الأمريكية للحدّ من طموحات بكين، واختلاق ذرائع تخصّ المجال التجاري، وحقوق الملكية الفكرية، والتجسّس الصناعي وغيرها من خلال الخوض في حرب تجارية لاستنزاف الصين، ما أدى بالتالي إلى تراجع العلاقات بينهما إلى أن وصلت إلى مستوى لم تعرفه منذ عقود.

وعلى الرغم من توقيع البلدين اتفاقاً تجارياً في كانون الثاني 2020 بهدف تخفيف النزاعات التجارية، إلا أن الاتفاق قد يذهب أدراج الرياح نتيجة الهزة الاقتصادية العالمية التي سبّبها انتشار فيروس كورونا، وتحميل الولايات المتحدة نظيرتها الصين مسؤولية انتشار الفيروس من بوابة “سياسة المؤامرة”. لكن المؤامرة الحقيقية التي تسعى إليها الولايات المتحدة هي عرقلة خطط الصين التي تقوم على أساس بناء علاقات اقتصادية من خلال تنفيذ خطة مبادرة “الحزام والطريق” أو ما يُسمّى بمشروع طريق الحرير الجديد، بهدف تعزيز تبادلاتها التجارية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات والسلع الصينية. لذلك فإن هذا النوع من النموذج الغريب في علاقات البلدين يرتكز في الأساس على الرهانات السياسية الداخلية في أمريكا، وبالتالي لن يقتصر على الحرب التجارية فقط، بل ربما يتوسّع إلى حرب سياسية- دبلوماسية من أجل تغيير الموازين على الصعيد العالمي.

حتى الآن لا تزال العلاقة بين البلدين لا منافسة صريحة فيها ولا عداء مستتراً، بل هي أقرب ما تكون إلى علاقة في إطار توازن دقيق، لذلك نراها تنحو تارة إلى درجة متقدمة من الصراع، وفي بعض الأحيان تنحو إلى درجة متوسطة من التعاون، وهذا يعكس طريقة صانع القرار السياسي في البيت الأبيض الذي يعمل على تقويض التنين الصيني من جهة، وعلى تمتين روابط التعاون من جهة أخرى لمنع تدهور العلاقة كلياً، وخاصةً في هذه المرحلة التي هي أشبه ما تكون بمرحلة انتقالية للعلاقة بين “الاثنين الكبار”، إذ أن كلاهما يمتلك عناصر القوة للقيام بدور عالمي، فالولايات المتحدة الأمريكية تحاول الاحتفاظ بمكانتها في قمة هرم النظام الدولي في المرحلة المقبلة، أما الجانب الصيني فيستند إلى ثقله الديموغرافي والاقتصادي والعسكري المتنامي للوصول إلى مرتبة القوة العظمى التي قد تكافئ الولايات المتحدة الأمريكية وقد تتجاوزها إلى قيادة العالم.