الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

في رحاب الشاعر الكبير خالد أبو خالد

عبد الكريم النّاعم

مع غروب آخر يوم من عام 2021 غادر عالمنا الشاعر والمناضل العربي الكبير خالد أبو خالد، ولكم أقف وأشعر بالعجز عن إيفائه حقّ ما بيننا، ولعلّ ممّا أعتزّ به أنّه قال عن علاقتنا إنني صديقه التّوءم.

ومنذ أن التقينا قبل أكثر من ستين عاماً حيث جمعتْنا المبادئ القوميّة، والتّوق إلى التحرّر والتحرير، وبعض الصفات النفسيّة، حين كان نضال الأغوار في الأردن في ذروة تألّقه، ويعِد بالكثير. وكان برتبة ملازم، أُرسل إلى فيتنام زمن مقاومتها للاحتلال الأمريكي، فاتّبع دورة عسكريّة قتاليّة فيها، وكان نائب القطاع الأوسط في الأغوار فيما بعد، وقد خصّه الكاتب الفرنسي جان جينيه الذي عاش بين المقاومين بضعة أشهر،.. خصّه بكتابة مميَّزة تليق بشاعر مقاتل، وحين أُجبرت المقاومة على المغادرة إلى لبنان، وهذا ما سمعته في جلسة ضمّت معنا المفكّر العربي والشاعر المرحوم ناجي علّوش، وكان متّفقاً معه في الرؤية والموقف، وفهمتُ من كلامهم أنّهم بدؤوا يشمّون رائحة أفكار وتوجّهات لا تناسب الرؤية التحريرية لفلسطين، وأنّ ثمّة ما يتهدّد هذا التوجّه، بدعاوى غير صحيحة، وفكّروا باعتقال ياسر عرفات، لمصادرة ذلك التوجّه، وتصحيح المسار، وحين حانت ساعة الصفر، تنكّر للاتفاق أحد الفصائل الفلسطينية اليسارية، فانكفؤوا.

كم ألححتُ عليه رحمه الله من أجل كتابة كلّ ما يتعلّق بتلك المرحلة، وكان يَعد بذلك، وما أدري إذا كان قد ترك شيئاً خلفه خاصاً بها، صدقاً لا أدري كيف أستطيع لملمة المساحة لتناسب هذه الزاوية.

لبّينا العديد من الدعوات من المراكز التي دعتْنا داخل سورية وخارجها، في حمص، والرقّة، وطرطوس، وفي انطاكية، والعراق، وليبيا، وما زلت أذكر أنّنا في دعوتنا إلى ليبيا شاهدته لأول ولآخر مرة يرتدي بزّة رسمية، وربطة عنق، وما شاهدتُه بعدها إلاّ بالثياب التي عُرف بلبسها، لكأنّه لم يكن يودّ مغادرة منطقة في النفس لم يُفصح عنها.

في عام 2001 دعينا للعراق، وكانت رحلة لا تُنسى، فلم يكن في السيارة التي تقلّنا إلاّ نحن وسائقها، ولم يكن الطريق آمناً، انطلقنا عبر البرّ، ورغم أنّ الأرض التي قطعناها كانت قفراء نفراء فقد كان الأنس الداخليّ أعمق حضوراً، وأروع بهجة، على مدى اثنتي عشرة ساعة.

في تسعينيات القرن الماضي قرّرت أكثر من جهة فلسطينية تكريم خالد أبو خالد، وكانت مجموعاته الشعريّة قد طُبعتْ في الضفّة، بتبنّ واهتمام من اتحاد كتّابها، طبعت في ثلاثة مجلّدات، وقد نُشرتْ كلمتي في كتابي النقدي “نافذة لأقمار الشعر”، الصادر عن اتحاد الكتّاب العرب 2014، وكان الجيل الشاب الفلسطيني في ذلك التكريم يسلّمون عليه بتقبيل اليد، فتنفر الدموع من عينيه.

لا أذكر كيف انتهى وضعه مع السلطة الفلسطينية بالقطيعة الكليّة، وأصبح بلا عمل، وتجاهلته سلطة ذلك الزمن، وعتّمت على حضوره الشعريّ رسميّاً، في وقت، كما سمعتُ، كانت تُرسَل جعالات وافية لشعراء ليسوا فلسطينيين، لأهداف يمكن تقديرها!!.

في فترة زمنيّة تالية، حاول أن يستعيد حقّه المهدور، فتحرّك بهذا الاتّجاه، ولكنه فوجئ بأن ليس في سجلات المنظمّة ما يشير إلى أنّه كان فيها، فقد صدر أمر من جهة ما بحرق جميع الأوراق الخاصة به!

منذ عدّة سنوات بدأ يشكو جسده الصّلب الضعف، ودخل أكثر من مشفى، ولا أذكر أنني اتصلتُ به مرّة، وما أكثر ما كنتُ أتصل، فلم أسمع منه شكوى، وكان كلّما سألته عن وضعه الصحيّ، يقول، ولو بلسان لم يستطع إخفاء ما هو فيه “أنا بخير وأتحسّن”.

الصديق التوءم.. سلاماً يليق ورحمة تليقان بمكانتك..

aaalnaem@gmail.com