اقتصادسلايد الجريدةصحيفة البعث

2021 الأكثر استرداداً للأموال بـ 360 دعوى بدمشق.. اختلاسات بالمليارات في “القطاعين” وللحوالات نصيبها!

دمشق – ريم ربيع 

يبدو أن معركة مكافحة الفساد المالي والاقتصادي واسترداد المال العام المنهوب تواجه صحوة جديدة، عساها لا تكون مؤقتة، إذ تعتدّ الأجهزة الرقابية والقضائية مؤخراً بالتشدّد في معالجة التهرب الضريبي ومكافحة التهريب والفساد الإداري والمالي في المفاصل الحكومية، والتركيز على قضايا المال العام من اختلاس وهدر وسرقة وتواطؤ، حيث سجلت محكمة الجنايات الاقتصادية والمالية بدمشق 360 دعوى خلال 2021، منها ما يتعلّق بالمؤسسات الحكومية أو الخاصة أو التّجار، أو الدعاوى المتعلقة بالمواد المدعومة.

زيادة عدد الدعاوى رافقها أيضاً ارتفاع في نسبة الفصل في الدعاوى، التي وصلت إلى 90% وفقاً لرئيس محكمة الجنايات الاقتصادية القاضي نظام دحدل، الذي أشار إلى تشدّد وزارة العدل بشكل كبير في متابعة هذا النوع من القضايا، وسرعة البت فيها، واسترجاع الأموال المأخوذة بشكل غير شرعي.

“عجقة” قضايا

تكثيف عمليات الرقابة ومتابعة التجاوزات المالية في القطاع العام وكذلك الخاص، انعكسَ ازدحاماً ملحوظاً في قاعات المحاكم الاقتصادية، التي تنظر في دعاوى الاختلاس وسرقة المال العام والاحتيال في المناقصات وعقود الشراء، ومختلف التجاوزات في المؤسّسات الاقتصادية، وكذلك تتابع القضايا المالية وفي مقدمتها الحوالات غير النظامية التي تتصدّرها، ليضاف حديثاً إلى مهام الجنايات الاقتصادية والمالية النظر في دعاوى السرقة والتلاعب بالمواد المدعومة المذكورة في المرسوم 8 لعام 2021.

35% حوالات

القاضي دحدل بيّن أن أكثرية الدعاوى تلك المتعلقة باستغلال تجار وأشخاص مقيمين خارج القطر لظاهرة الحوالات -تحت بند تحويل ونقل الأموال إلى سورية- بصورة غير مشروعة، حيث شكّلت قضايا الحوالات الخارجية ما نسبته 35% من مجمل الدعاوى، كاشفاً عن إلقاء القبض على شبكات منظمة تعمل في الحوالات ومحاكمتها حالياً، فضلاً عن إذاعة البحث عن أفراد خارج القطر أكثرهم في تركيا وألمانيا، فيما كشفت التحقيقات عن تسعيرة محدّدة يتقاضاها ناقلو الأموال، حيث يتقاضى الشخص 5- 10 آلاف ليرة على كل حوالة، وتزيد التسعيرة بزيادة قيمة الحوالة، فإن كانت 25 مليون ليرة مثلاً، يتقاضى المُحوِّل ما بين 15-20 ألف ليرة.

تعاون دولي

وأكد دحدل أن التعاون الدولي يتعزّز اليوم بشكل كبير، غير أنه لم ينقطع نهائياً في السنوات السابقة، كاشفاً عن إحدى الحالات التي يتمّ محاكمتها اليوم في محكمة الجنايات بعد التعاون مع الإنتربول الذي سلّم المجرم لسورية، فبعد سرقة أحد البنوك الخاصة في عام 2018 وإلقاء القبض على عدة أشخاص متورطين، تبيّن لاحقاً أن أحد الأشخاص المساهمين بتهريب الأموال المسروقة خارج القطر موجود في دولة عربية قريبة، فتمّ إلقاء القبض عليه بعد التواصل مع الإنتربول وتسليمه إلى سورية.

سحب أرصدة

وفي دعاوى المصارف أشار دحدل إلى ضبط اختلاسات وتجاوزات في الواجبات الوظيفية، وقبض رشاوى، وإيقاف شيكات أشخاص محدّدين لقاء قبض مبالغ معينة لتنفيذ التحويلات، إلا أن أخطر الدعاوى تلك المتعلقة ببطاقات الأتمتة الإلكترونية لذوي الشهداء وجرحى الجيش وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين كانت تسحب أرصدتهم بشكل غير نظامي، فرغم مضي ثلاث سنوات على كشف الشبكة المتورطة لا يزال حتى الآن يتمّ إلقاء القبض على متورطين جدد، إذ وصل الحدّ الإجمالي من المقبوض عليهم في هذه القضية إلى 16 شخصاً بينهم موظفون في المصرف.

سرقات “أهلية بمحلية”

أما في مؤسسات القطاع العام –التي سجلت نسبة كبيرة في الاحتيال على بعضها البعض-، فأشار دحدل إلى ضبط قضايا اختلاس بالمليارات، وتجاوزات في التوريد من مؤسّسة لأخرى، وخلل في المناقصات بين مؤسستين أو وزارتين، كذلك تجاوزات من خلال استغلال الصلاحيات، وتلاعب بنوع البضائع ومواصفاتها الفنية، سواء من قبل التّجار الموردين أو بين المؤسسات ذاتها، حيث تنظر المحكمة حالياً بدعاوى تتعلق بمسؤولين ومديرين سابقين، واثنين حاليين “دون ذكر أسماء”.

وكشف دحدل عن إحدى القضايا الحديثة حول محاولة مدير عام التلاعب لاستغلال مستثمر عربي كان يرغب بإنشاء مشروع استثماري في إحدى المؤسّسات الحكومية المدمرة، حيث لا تزال التحقيقات جارية لتبيان تفاصيل القضية بعد محاولة المدير المذكور تحصيل منفعة مادية شخصية له.

تحفظ..؟

وفيما اعتبر دحدل أن 2021 كان العام الأكثر استرداداً للأموال، إلا أنه تحفّظ على تحديد قيمة دقيقة للأموال المسترجعة باعتبار العديد من الدعاوى لا تزال قيد التحقيق والمحاكمة، مكتفياً بالقول: إنها تتجاوز المليار ليرة من دعاوى (الاختلاس) فقط، عدا عما استرجع من بقية الدعاوى ومن الحوالات والصِرافة غير المشروعة، مضيفاً أن القرارات المبرمة تجاوزت 3 مليارات ليرة، فضلاً عن الذهب والعملات الأجنبية.

في السياق ذاته وقبل عدة أيام كان رئيس الحكومة المهندس حسين عرنوس قد صرّح باسترجاع 13.6 مليار ليرة من الأموال المأخوذة بطريقة غير شرعية، دون أن يعلن عن قيمة تلك الأموال بالمجمل، مما يبقي التكهنات والتحليلات هي المسيطرة بين من يقول هذا المبلغ غيض من فيض، وآخر يعتبره تطوراً كبيراً في مستوى الرقابة والتحصيل.

وفي الحالتين؛ كثيرة هي أصوات الخبراء والمتابعين الذين يؤكدون أن إغلاق منافذ الفساد في القطاعات المالية والاقتصادية كفيلة بمفردها بتعويض الخسارات الاقتصادية على مستوى ضعف الإيرادات والتصدير وخروج حقول النفط عن السيطرة، ورغم أن سورية ليست أكثر الدول فساداً “على ذمة رئيس الحكومة” غير أنه لم ينكر هو أو غيره من المسؤولين تجذّر الفساد في جميع المفاصل سواء قطاع عام أو خاص، وضرورة النهوض –ولو بعد سبات طويل- لاجتثاثه.

ولـ”المدعومة” نصيبها

وحول المرسوم 8 لعام 2021، بيّن دحدل أن الجرائم المتعلقة بالمواد المدعومة أصبحت جنائية الوصف، عقوبتها كحدّ أدنى 7 سنوات ولا تخضع لأسباب مخففة، موضحاً أن القانون يركز على ضبط المتاجرين بهذه المواد تحديداً وهناك متابعة كبيرة لهذه القضايا، حيث ألقي القبض على تجار وموظفين ومدراء أفران ومحاسبين، وسجلت المحكمة 10 دعاوى مبدئياً، معظمها ضبطت بالجرم المشهود.

المال لا الشخص..

واعتبر رئيس محكمة الجنايات الاقتصادية والمالية أن غاية القوانين الاقتصادية هي تحصيل الأموال بشكل أساسي، فالمال هو الغاية وليس الشخص، لذلك لا يوجد أحكام إعدام في الجرائم الاقتصادية إلا إذا ارتبطت بجرم آخر كقتل أو تهريب وغيرها، موضحاً أن هناك جهلاً قانونياً بالعقوبات والممارسات غير القانونية، فلا يسمح بالتعامل على مبدأ “خطيّ وحرام”، إذ يعتبر البعض أن التنازل عن ربطة خبز لا يريدها لمصلحة شخص آخر أمراً عادياً، غير أنه ينجم عنه جرم وغرامات بالملايين، كذلك في الحوالات يدّعي البعض أنهم لا يعرفون الصِرافة المشروعة من غيرها، وهو أمر غير مقبول اليوم.

صلاحية في التشدد

وأشار دحدل إلى التعاون مع الجهاز المركزي للرقابة المالية وهيئة الرقابة والتفتيش للكشف عن حالات الفساد في مفاصل المؤسسات العامة، مبيّناً أن لا تأخير بالدعاوى المالية، فخلال أشهر قليلة تُفصل الدعوى، وإشراف وزارة العدل في هذا النوع صارم ودقيق، كون القضايا الواردة ترتبط بالسياسة المالية للبلد.

وفيما إذا كان التعديل الأخير لقانون العقوبات الاقتصادية عام 2013 لا يزال رادعاً، رأى دحدل أن العقوبات رادعة لأن القانون أعطى صلاحية للمحكمة بحجب الأسباب المخففة التقديرية، ورفع العقوبات من حدّها الأدنى للأعلى، فمعظم العقوبات تنص على سجن مؤقت من 5 سنوات فما فوق، أي أنها قد تصل إلى 15 سنة، وغرامات مالية بقيمة الضرر الحاصل.