مجلة البعث الأسبوعية

رفيق سبيعي…. سوري من أرض الشام وعطر الياسمين الفواح

البعث الأسبوعية- أمينة عباس

عند العودة إلى مسيرته الطويلة والغنية والمختلفة لا يمكن الحديث عن الحركة الفنية السورية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص دون ذكر اسمه كأحد العلامات الفارقة فيها، وبرحيله في مثل هذه الأيام من العام 2017 تكون الساحة الفنية قد افتقدت لشاهد على العصر ولفنان استثنائي بقي مخلصاً لفنّه حتى اللحظات الأخيرة من حياته والتي حاول تلخيصها في سيرته الذاتية التي قدمها الكاتب وفيق يوسف ضمن كتاب “ثمن الحب” وفيه تحدث الراحل عن رحلته الصعبة في عالم الفن التي كان فيها الكثير من الفرح والحزن، مبتعداً فيها عن تجميل سيرته كما هو المعتاد في أغلب السير التي تُنشَر عادة، ومن يقرأ تلك السيرة سيكتشف كم كانت رحلته شاقة وصعبة.

مغنّ.. ملقّن.. ممثل

في سن مبكرة بدأ سبيعي يميل إلى فن الغناء، فكان لا يكتب وظائفه المدرسية إلا على صوت محمد عبد الوهاب وأم كلثوم التي كان يحفظها ويغنيها بصوته الجميل لصديقات والدته، كما كان حريصاً على أن يقصد مقهى النوفرة التي كان فيها حكواتي لا مثيل له، فقد كان ممثلاً بارعاً يقصّ حكاياته عن ظهر قلب، فكان أستاذه الأول في التمثيل، وحين أصبح في العاشرة أطلق صوته في الأعراس والسهرات، وأنشد في الموالد، وما بين عمر 14 إلى 18 من عمره انخرط في النوادي الصيفية ليمارس هوايته في الغناء والعزف والتمثيل دون أن يكون لديه ميل مباشر للتمثيل، وفي العام 1948 تعرف على الفنانين جميل خربوطلي وأبو رمزي اللذين كانا يقدمان في أحد المقاهي فصولاً كوميدية، فعمل معهما بعد أن علّماه كيف يقف على خشبة المسرح ويرتجل، وتنقَّل معهما في العديد من القرى، وخلال ذلك تعرَّف على الفنان سعد الدين بقدونس وتابع مشاهدة الحفلات التي كانت تقدم في سينما النصر وتستضيف فرق المنوعات الفنية، وفيها شاهد الفنانين عبد اللطيف فتحي وأحمد أيوب وشفيق المنفلوطي ونزار فؤاد وميليا فؤاد، وفي العام 1953 دعاه صاحب السينما للعمل كملقّن في أحد العروض، ومن ثم ككومبارس وملقن في فرقة علي العريس القادم من لبنان، وفيها تعرف على الفنانين صلاح قصاص وصبري عياد، وحين شاءت الظروف أن يتعرف على عبد اللطيف فتحي عن قرب طلب منه الأخير العمل معه في فرقته كملقن، ومن ثم دعاه للمشاركة في مسرحيته “صابر أفندي” بعد أن أسس فتحي فرقة تحت اسم المسرح الحرّ، وحققت المسرحية نجاحاً كبيراً لينضم في العام 1960 إلى فرقة المسرح القومي بعد انضمام عبد اللطيف فتحي ومحمود جبر، وبعد مشاركته في مسرحية “ثمن الحرية” ككومبارس اختاره المخرج هاني صنوبر بطلاً لمسرحية “أبطال بلدي” لتجسيد شخصية لويس التاسع على خشبة المسرح العسكري عام 1960 ونجح فيها سبيعي نجاحاً باهراً، ثم تتالت مشاركاته، حيث شارك في مسرحية “البورجوازي النبيل” لموليير و”الأشباح” لإبسن و”مروحة الليدي وندرمر” لأوسكار وايلد و”القاعدة والاستثناء” لبريخت وأعمال أخرى، وحين انسحب من المسرح القومي بسبب بعض الإشكاليات عمل في العام 1968 مع مسرح الشوك الذي قدمه الفنان عمر حجو، وبعد انقطاعات عديدة عن المسرح عاد سبيعي عام 1996 إليه ليشارك في مسرحية “مات ثلاث مرات” للمخرج حاتم علي ومسرحية “شو هالحكي” إخراج سيف الدين سبيعي عام 2001 وفي أحد حواراته بيَّن سبيعي أن الشخصية التي بقيت غصة في داخله ولم يسعفه الحظ بأن يجسدها على خشبة المسرح كانت شخصية عطيل.

 

أبو صياح

عُرف رفيق سبيعي بشخصية أبو صياح التي أصبحت من أشهر الشخصيات الدرامية، وكان قد أدى قبلها عدة شخصيّات شعبية مثل أبو رمزي وأبو جميل إلى أن اهتدى إلى شخصية أبو صيّاح عن طريق المصادفة حين تغيَّب أحد الفنانين عن أداء دور العتّال في إحدى مسرحيات عبد اللطيف فتحي وكان حينها سبيعي يعمل ملقّناً في مسرحه فأوكل الدور له، ولرغبته في تحقيق النجاح اختار سبيعي للشخصية اسم أبو صياح والشروال وباقي الاكسسوارات وقام بتجسيدها بعفوية وبساطة، وعندما شاهده الكاتب حكمت محسن تنبأ له بالنجومية وكان ذلك أواخر خمسينيات القرن الماضي، وقد حضر المسرحية أ.صباح قبّاني الذي كان أول مدير للتلفزيون السوري، وعندما تأسس التلفزيون دعاه وعرفّه إلى الفنانين نهاد قلعي ودريد لحّام فشكَّلا ثلاثياً في الأعمال التليفزيونية، فكانت بداية ظهوره في مسلسل “مطعم السعادة” عام 1960 ثم في مسلسلي “مقالب غوار” و”حمّام الهنا” ثم اعتذر سبيعي عن مشاركتهم في مسلسل “صح النوم” إلا أنه عاد وبغياب نهاد قلعي بسبب المرض اجتمع مع دريد لحام في مسلسل “وادي المسك” عام 1982 والذي كان آخر لقاء فني بينهما، وبعد عدد كبير من المشاركات التلفزيونية كان دور الزعيم في مسلسل “أيام شامية” عام 1992 فاتحة لتصدره أدوار الزعامة في معظم المسلسلات الشامية: “أهل الراية، أولاد القيميرية، طاحون الشر، قمر الشام” و”طالع الفضة” عام 2011 إخراج سيف الدين سبيعي وكان على مشارف الثمانين، وقد صرَّح حين عرضه: “شخصية طوطح أبرزت طاقة بداخلي ربما لم تكن مرئية بالنسبة للجمهور، وأثبتت للمشاهدين بأن لديّ قدرات كممثل تفوق ما شاهدوه في أدائي من قبل، ولطالما كان هذا هدفي طوال حياتي”  ليكون مسلسل “حرائر” لباسل الخطيب آخر ما قدمه تلفزيونياً.

حكواتي الفن

بدأ رفيق سبيعي العمل في الإذاعة السورية عام 1954 وأوفد إلى القاهرة وعاد منها بعد اتباعه دورة إخراج إذاعي وأصبح مخرجاً في الإذاعة عام 1960 وأخرج العديد من البرامج والمسلسلات الإذاعية، وكان أول من قدم كتاب “حوادث دمشق اليومية” للبديري الحلاق الذي يؤرخ لأواخر فترة الاحتلال العثماني لبلاد الشام، ومن الإذاعة وعبر برنامجه “حكواتي الفن” حكى قصص الفنانين وأسرار عالم الفن، واستمر في ذلك 12 عاماً، وفي فترة الحرب على سورية قدم بالشراكة مع الكاتب أحمد السيد برنامجهما الشهير “قعود لنتفاهم” الذي تحدث فيه سبيعي عن أوجاع البلد عبر 800 حلقة تناولا فيه كلَّ ما يهمّ الوطن في فترة الحرب، وظل رغم مرضه مصرّاً على تسجيل حلقاته وهو على العكاز انطلاقاً من إيمانه بتقديم رسالته الفنية، خاصة في زمن الحرب، لتكون حلقات برنامج “قعود لنتفاهم” وثيقة هامة لكل مراحلها.

الفن السابع

في السينما قدّم سبيعي ما يزيد على الخمسين فيلماً، كان آخرها فيلم “سوريون” لباسل الخطيب في العام 2015 ومن أبرز مشاركاته السينمائية دوراه في فيلمي فيروز “سفر برلك” و”بنت الحارس” كما شارك في أفلام سورية أهمها “أحلام المدينة” و”الليل” للمخرج محمد ملص و”الشمس في يوم غائم” للمخرج محمد شاهين و”الليل الطويل” لمخرجه حاتم علي، إلى جانب الأدوار التي أداها في موجة الأفلام التجارية خلال سبعينيات القرن العشرين كفيلم “شروال وميني جوب” وفي مجال الغناء والمونولوج اعتبر سبيعي رائد الأغنية الناقدة في النصف الثاني من القرن العشرين، وعدّ بذلك امتداداً للفنان سلامة الأغواني الذي كان يقدم أغنياته في قالب المونولوج، أما رفيق سبيعي فقد اختار قالب الطقطوقة واللون الشعبي لأغنياته حيث ظهر بداية في العام 1962 في برنامج “نهوند” التمثيلي بشخصية شعبية هي سعدو حنّي كفك وقدم أغنية بعنوان “حبك بقلبي دوم ساكن مطرحو” ثم شارك عبر إذاعة دمشق في برنامج للأغاني الضاحكة بشخصية أبو صياح ليقدم أغنية داعيكم أبو صياح معدل ع التمام، وفي العام 1963 قدّم أغنيته الشهيرة “يا ولد لفّلّك شال” ثم توالت الأغنيات التي نالت حظّها من الشهرة مثل “تمام تمام هادا الكلام” و”لا تدور ع المال” و”حبوباتي التلموذات” و”شيش بيش” و”قعود تحبّك” و”الحب تلت لوان” و”الخنافس” وغيرها، وفي أحد الأفلام غنى أغنية بعنوان “ليش هيك صار معنا” كما غنّى  للشام عام 2012 “أنا سوري من أرض الشام وعطر الياسمين الفواح.. مهما درت وشفت بلاد.. غير بحضنا ما برتاح” وكانت من كلماته وألحان سمير كويفاتي،  وفي نيسان 2013 أصدر سبيعي أغنية من كلماته تحت عنوان “حنا جنودك يا بشار”.

فنّان الشعب

أطلق عليه القائد حافظ الأسد لقب فنّان الشعب في ثمانينيات القرن الماضي ونال عام 2008 وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة الذي منحه إياه الرئيس د.بشار الأسد ووسام نوط الفداء الذي منحته إياه منظمة التحرير الفلسطينية في ذكرى تأسيسها كما نال جائزة أورنينا الذهبية في مهرجان الأغنية السورية السنوي.