دراساتصحيفة البعث

روسيا والصين تقلبان الطاولة

عناية ناصر

بدأت الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات الأخيرة باستخدام المنافسة غير العادلة من خلال الإعلان عن جميع أنواع العقوبات أحادية الجانب التي تنتهك القانون الدولي، في رغبة محمومة لتحقيق بعض المزايا على روسيا والصين، بالإضافة لاتخاذ خطوات استفزازية من أجل مفاقمة الوضع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن أجل هذه الغاية قاموا بإنشاء تحالفات جديدة، بما في ذلك التحالفات العسكرية، وتحالف “أوكوس” في مثال حيّ على تلك الاستفزازات.

ولا يقتصر مسار المواجهة مع الصين الذي اتخذته واشنطن في السنوات الأخيرة على الجبهة العسكرية والسياسية والاقتصادية فحسب، بل تجلّى أيضاً من خلال إطلاق حملة إعلامية تنتقد الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ، معتبرة أن الصين هي العدو الأول للعالم الغربي بأسره.

في الأشهر الأخيرة، حاولت واشنطن تشويه سمعة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، والمقرّر عقدها في شباط 2022، من خلال دعوة  الدول للانضمام إلى مقاطعتها الدبلوماسية، ولكن دون جدوى. وبصورة لا تقلّ عنفاً، تنتهج واشنطن وحلفاؤها الغربيون سياسة العقوبات ضد روسيا، حيث فرضت ووافقت على توجيه المزيد من العقوبات المعادية لروسيا لأسباب مختلفة بعيدة المنال. وأصبح الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة، أداة فعالة في انتهاج سياسة واشنطن تلك، حيث فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وقام بتقييد أنشطة وسائل الإعلام الروسية من خلال حظر القناة التلفزيونية الروسية الجديدة قناة “آر تي- دي” الإخبارية الجديدة باللغة الألمانية من قبل معظم وسائل الإعلام الألماني من منصة مشغل الأقمار الصناعية الأوروبي “يوتلسات 9 بي”.

من خلال إدخال وتوسيع القيود التجارية والاقتصادية المختلفة ضد روسيا، أجبر الاتحاد الأوروبي موسكو على الانخراط بنشاط في استبدال الواردات، فأصبحت العقوبات الاقتصادية الأوروبية عديمة الجدوى أكثر فأكثر، وإدراكاً منها لفشل سياسة العقوبات على الاقتصاد الأوروبي، قرّرت المؤسّسة السياسية الحالية للاتحاد الأوروبي مؤخراً أن تطلب من روسيا 290 مليار يورو من خلال منظمة التجارة العالمية للتعويض عن الأضرار الناجمة عن سياسة استبدال الواردات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، حيث أضرّت هذه السياسة بالفعل بالشركات الأوروبية عند التعامل مع الشركات الحكومية الروسية والمنظمات الأخرى.

كان الاتجاه الآخر للمواجهة مع روسيا الذي تبناه الغربيون الذين يعانون من رهاب روسيا هو الاتهامات التي أطلقها الخبراء الأمريكيون والأوروبيون بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتعمّد تخفيض موارد الطاقة إلى السوق الأوروبية. ونتيجة لذلك، هدّد الممثلون الرسميون للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي روسيا بفرض عقوبات على قطاع الطاقة. وفي الوقت نفسه، تصرّ الولايات المتحدة بشكل خاص على فرض العقوبات الاقتصادية ووقف المشروع الألماني الروسي “نورد ستريم 2”. كما تظهر تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية الجديدة أنالينا بربوك على أنه يجب إيقاف خط الأنابيب، لأنه يتضارب مع مصالح ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

في الوقت نفسه، لا يكلف المصابون الأوروبيون برهاب روسيا أنفسهم عناء الاستماع إلى التصريحات الرسمية لوزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري بيتر سزيجارتو، وإلى ممثلي قطاع الغاز الأوروبي في أوروبا. ولم يلحظ أي شخص في الاتحاد الأوروبي انتهاكاً لاتفاقيات توريد الغاز من قبل شركة غازبروم الروسية، حتى رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي، المعروف بموقفه المناهض لروسيا الذي قال: “الاتحاد الأوروبي وليس روسيا المسؤول عن ارتفاع أسعار الغاز والطاقة في أوروبا في الأشهر الأخيرة”.

أمام هذه التلميحات السياسية والاقتصادية والعسكرية من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي تجاه روسيا والصين، تعمل موسكو وبكين بشكل متزايد على بناء التعاون الثنائي، من أجل خلق عالم متعدّد الأقطاب وإزالة بقايا الهيمنة الأمريكية، حيث أشارت وسائل الإعلام الأمريكية إلى حقيقة أن سياسة العقوبات الفاشلة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين تخلق ظروفاً مواتية للتعاون بين روسيا والصين.

وفي سياق الإجراءات الاستفزازية التي يطلقها الغرب، بما في ذلك تلك التي تستهدف التعاون في مجال الطاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على زيادة إمدادات الغاز إلى الصين، وهو ما أشارت إليه بشكل خاص وسائل الإعلام الأوروبية.

على وجه الخصوص، توفر الصفقة الصينية الروسية القادمة بشأن إنشاء خط أنابيب جديد بين روسيا والصين إمدادات إضافية من الغاز الروسي إلى الصين، بما يعادل أحجام الوقود المخطط إرسالها إلى الاتحاد الأوروبي عبر نورد ستريم 2. ستضاعف هذه الاتفاقية الصادرات إلى الصين، حيث تنقل سنوياً ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب الغاز الرئيسي الجديد في سيبيريا 2. وفي الوقت نفسه، تشير أوروبا بشكل خاص إلى أن هذا يحدث عندما تشهد بقية أوروبا أزمة طاقة حادة. وفي هذا السياق أشارت “بلومبيرغ” مباشرة إلى أن أوروبا تتعرض لخطر تركها بدون غاز في الشهرين المقبلين بسبب الطقس المتجمد وانخفاض احتياطيات التخزين في الوقود الخام.

تدرك أوروبا بوضوح أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن تساعد الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي في غازه الطبيعي المسال، حيث يقولون في واشنطن إن السوق هو من يقرّر كل شيء، وأنه لا يمكنهم إخبار الشركات لمن تبيع مواردها من الطاقة. فهذه الشركات يدفع لها أكثر، ونظراً لأن آسيا تستطيع الدفع في أي وقت، فإن الناقلات التي تحمل الغاز الطبيعي المسال الأمريكي قد تعيد توجيه مساراتها مرة أخرى والبدء في نقل الغاز إلى اليابان أو تايوان أو كوريا الجنوبية، وليس إلى أوروبا!.