دراساتصحيفة البعث

شبكات الجيل الخامس.. وحرب كسر الاحتكار!

رغد خضور

“حرب الريادة على التكنولوجيا” هي معركة بدأت مع تنافس الدول وتسابقها لامتلاك التقنيات الرقمية المتطورة التي تمكّنها من الولوج إلى كل المفاصل الحيوية والتحكم بها، خاصة وأن أحد الأقطاب يحاول احتكار تلك التقنيات ومنعها عن الغير، في حين تعمل أطراف أخرى على كسر هذا الانفراد بالتكنولوجيا وإتاحتها لتكون بمتناول الجميع.

هذه هي الرؤية التي عملت عليها الصين منذ عقود، وتحوّلت معها لتكون من أبرز البلدان المصدّرة للتكنولوجيا وتقنياتها في العالم، وزادت من أبحاثها في مجال الذكاء الصناعي، متفوقةً بمراحل على الباحثين الأمريكيين والمنافسين الآخرين في هذا المجال، في مسعى لوقف هيمنة واشنطن وتحكمها بمقدّرات الشعوب والدول.

وبالطبع، ما تعمل عليه الصين لا يعجب الرؤية الأمريكية للانترنت وطريقة إدارة الشبكة العالمية، ما دفع بالإدارة الأمريكية، منذ عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، لمنع الشركات الصينية من المساهمة في تأسيس البنى التحتية لشبكات الجيل الخامس”G5″، التي ستغيّر العالم خلال السنوات المقبلة، متبعة كل الأساليب في سبيل ذلك، من التهديد بقطع التعامل مع الدول، وخاصة الحلفاء، إلى فرض العقوبات وغيرها من الوسائل.

والأهم من ذلك أن الإدارة الأمريكية كرّست كل إمكانياتها لتعرقل مساهمة الشركات الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس بحجة أن هدف الشركات الصينية هو التجسّس على الغير. ولكن، أليست واشنطن هي من تتجسّس على الدول وتخرّب منشآتها الحيوية بهجمات سيبرانية، وتستخدم الشركات الخاصة بتقنيات وتطبيقات الشبكة العنكبوتية للحصول على معلومات تتعلق بمواطني الدول الأخرى؟.

الدعاية والتحريض الأمريكي دفعا بشعوب بلدان أوروبا لاتخاذ ردات فعل “همجية” طالت منشآت صينية تعمل على بناء شبكات الجيل الجديد، من إحراق للأبراج إلى مضايقة العاملين فيها والتهجم عليهم، فضلاً عن ربط الـ “G5″بفيروس كورونا، وتأثيرات الجيل الجديد من الاتصالات على رادارات الطيران والأرصاد الجوية وحتى على النجوم في السماء، كلها حُجج روّجت لها واشنطن في سبيل وقف التقدم الصيني التقني.

الهجوم الأمريكي على الشركات التقنية الصينية لم يقف عند حدّ التهديد والوعيد، إذ جنّدت الولايات المتحدة حلفاءها أيضاً لمنع توسع نفوذ بكين التقني، حيث وجّهت كلاً من أستراليا واليابان للاستحواذ على شركة “ديجيسل غروب” الدولية للاتصالات في جامايكا، المسؤولة عن تنفيذ مشروع تطوير شبكة الجيل الخامس في منطقة جنوب المحيط الهادي، والتي كانت تتطلع إليها بكين، حيث دفعت كانبيرا من أجل ذلك 106 مليارات دولار مقابل مساهمة طوكيو بالمعاملات التجارية.

وعلى الرغم من كل العراقيل والهجمات على التكنولوجيا الصينية، إلا أنها استطاعت إثبات جدارتها بأن تكون الرائدة في بناء شبكات الجيل الخامس، وهذا ما تجلّى بالسماح لها بالمساهمة في بناء البنى التحتية للشبكة أو أجزاء منها في الدول التي رفضت بداية التعامل معها خوفاً من التهديد الأمريكي، كبريطانيا وفرنسا، وأيضاً الأرجنتين، التي وقّعت مع الصين، إلى جانب عدد من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، اتفاقيات تنصّ على تعميق العلاقات في جميع المجالات، وبشكل خاص البنية التحتية الرقمية ومعدات الاتصالات وشبكات الجيل الخامس.

صحيح أن شبكات الجيل الخامس ستدخل في البنى التحتية لكل الخدمات الأساسية التي تُقدّم للعامة، وهذا من شأنه أن يجعل التحكم بكل المفاصل بيد من يقدّم خدماتها، إلا أن ذلك لا يعني أن طرفاً وحده من حقه أن يستفرد بذلك، لذا تعمل الصين ودول أخرى على منع أمريكا من التفرد بالتقنيات الحديثة والسيطرة على الأسواق العالمية.